أسباب استعانة ابن الأحمر أمير غرناطة بالمنصور المريني على ملك قشتالة
قضى ابن الأحمر معاهدات مع ملك قشتالة من سنة (٦٤٣هـ - ٦٧١هـ)، لكن في سنة (٦٧١هـ) بدأ ملك قشتالة ألفونسو العاشر بالمخالفة الصريحة للمعاهدة، فبدأ في تجهيز جيوش كبيرة ينوي بها دخول غرناطة لإنهاء الوجود الإسلامي تمامًا في بلاد الأندلس، فوجد ابن الأحمر نفسه في مأزق؛ لأنه عاهد من لا عهد له، فنظر إلى بني مرين الدولة التي قامت على أنقاض دولة الموحدين، وقد سقطت دولة الموحدين سقوطًا كاملًا في سنة (٦٦٨هـ)، وقام بحكم المرينيين رجل اسمه يعقوب المنصور المريني، واسمه نفس اسم الرجل الآخر الذي تحدثنا عنه في دولة الموحدين وهو يعقوب المنصور الموحدي لذلك نضيف كلمة المريني لتفريقه عن ذلك الرجل السابق، وكلاهما على شاكلة واحدة، وكلاهما من عظماء المسلمين، ومن أكابر القواد في تاريخ المسلمين، وقد وصف المؤرخون يعقوب المنصور المريني بقولهم: كان صوّامًا قوّامًا، دائم الذكر كثير الفكر، لا يزال في أكثر نهاره ذاكرًا، وفي أكثر ليله قائمًا يصلي، مكرمًا للصلحاء، كثير الرأفة والحنين على المساكين، متواضعًا في ذات الله تعالى لأهل الدين، متوقفًا في سفك الدماء، كريمًا جوادًا، وكان مظفرًا منصور الراية، ميمون النقيبة، لم تُهزم له راية قط، ولم يُكسر له جيش، ولم يغز عدوًا إلا قهره، ولا لقي جيشًا إلا هزمه ودمّره، ولا قصد بلدًا إلا فتحه، كان ﵀ خطيبًا مفوهًا يؤثر في نفوس جنوده، شجاعًا مقدامًا يبدأ الحرب بنفسه.
فهذه صفات عظيمة جدًا، لا بد أن يقف معها المسلمون كثيرًا، والوقت لا يتسع إلى دراسة كل هذه الصفات، ويجب أن يأخذ المسلمون العبرة من هؤلاء الفاتحين المجاهدين العظماء.
فيستعين محمد بن الأحمر الأول ببني مرين، وبالفعل يأتي بنو مرين ويصدون هجوم النصارى، فقد تعودت بلاد الأندلس لأكثر من حوالي مائتي سنة أن تستورد النصر من خارجها، فمرة تستورده من المرابطين، ومرة من الموحدين، ومرة من بني مرين، وهكذا لا تقوم للمسلمين قائمة في بلاد الأندلس إلا على أكتاف غيرهم من بلاد المغرب العربي وما حولها من البلاد.
إذًا: هذه البلاد التي قامت على أكتاف غيرها لا يستقيم لها الأمر، ولا تستكمل النصر، ولا تستحق الحياة، ولا يستقيم أبدًا أن تنفق الأموال الضخمة في غرناطة في بناء قصر الحمراء من أعظم قصور الأندلس، ليكون قصرًا لحكم ابن الأحمر وهو محاصر من جيوش النصارى، ولا يستقيم له أبدًا أن ينشئ الجنان الكثيرة، والتي هي أكثر من (٣٠٠) حديقة ضخمة جدًا في غرناطة، ويُطلق على كل حديقة جنة من سعة هذه الحديقة وكثرة الثمار والأشجار وما إلى ذلك من نعيم الدنيا، ولا يستقيم له أبدًا أن ينفق هذا الإنفاق والبلاد محاصرة من جيوش النصارى، وعندما يأتي وقت الجهاد يذهب ويستعين بالمجاهدين من البلاد المجاورة.
لكن على كل حال أتى بنو مرين واستطاعوا أن يردوا الهجوم النصراني، لكن في سنة (٦٧١هـ) مات محمد بن الأحمر الأول وقد قارب الثمانين من عمره، واستخلف على الحكم ابنه محمد بن محمد بن يوسف بن الأحمر الملقب بـ الفقيه؛ لأنه كان صاحب علم غزير وفقه عميق، والحمد لله فقد ذهب الرجل الذي عقد معاهدات الخيانة والتسليم، وجاء رجل صاحب علم وفقه ولُقّب بـ محمد الفقيه.
12 / 5