والكذب في القول، والخير والشرّ في الفعل، والحق والباطل في الاعتقاد، والعدل والجور فيما عمّ، والإخلاص واليقين فيما خصّ، والراحة والسلوان فيما بان ووضح، والقناعة والصبر فيما نأى ونزح؛ ومتى تمّت هذه المعرفة، واستحكمت هذه البصيرة، كان الإقدام على ثقةٍ بالظفر، والنكُّول عن اطلاع على الغيب.
وهذه معانٍ من أبصرها نقدها، ومن نقدها أخذ بها وأعطى، وكان فيها أنفذ من غيره وأمضى؛ وهناك يُحكم لبُعده بالغَوْر، ولصدره بالسعة، ولصيته بالطّيرورة، ولطباعه بالكرم، ولخلقه بالسهولة ولعوده بالصلابة، ولنفسه بالمُداراة، ولوجهه بالطّلاقة، ولبشاشته بالخلابة. ومتى عاشرت من هذا نعتُه وحديثُه نعِمْتَ معه، وسلِمْتَ عليه، وسعِدت به، وكرُمت لديه، وكان حظُّك من خلالته ومجاورته الغبطة به، والغنيمة بمكانه؛ وأنّى لك بمن هذا وصْفُه وخبره، ومَن لك بالمرء الذي لا بَعدَه، مع اضطراب دعائم الدُّنيا، وتساقط أركان الدين؟ والأول يقول:
وكيفَ التماسُ الدَّر والضَّرعُ يابسُ
وما لامرئٍ ممّا قضَى اللهُ مَزْحَلُ
وليسَ لرحلٍ حطَّهُ اللهُ حاملُ
إنّ البريءَ من الهَناتِ سعيدُ
وما خَيرُ سيَفٍ لم يُؤَبّد بقائمِ
تسلُّ ولكنْ أَينَ بالسَّيفِ ضاربُ
অজানা পৃষ্ঠা