قال حذيفة بن اليمان: ما منعنا أن نشهد بدرا إلا أني وأبي أقبلنا نريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذنا كفار قريش فقالوا: إنكم تريدون محمدا، فقلنا: ما نريده إنما نريد المدينة، فأخذوا علينا عهد الله وميثاقه لتصيرن إلى المدينة ولا تقاتلوا مع محمد - صلى الله عليه وسلم - ، لما جاوزناهم أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرنا له ما قالوا وما قلنا لهم فيما ترى؟ قال: "نستعين الله عليهم ونفي بعهدهم"(1) !! .
وهذا الموقف من رسول الله يعد من مفاخر أخلاقيات الحروب في تاريخ الإنسانية، فلم ير المؤرخون في تاريخ الحروب قاطبة موقفا يناظر هذا الموقف المبهر، ذلك الموقف الذي نرى فيه القيادة الإسلامية تحترم العهود والعقود لأقصى درجة، حتى العهود التي أخذها المشركون على ضعفاء المسلمين أيام الاضهاد، رغم ما يعلو هذه العقود من شبه الإكراه .
المطلب العاشر : النهي عن المثلة بالأسير :
لما أسر سهيل بن عمرو أحد صناديد مكة فيمن أسر، قال عمر بن الخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، دعني أنزع ثنيتي سهيل بن عمرو، ويدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا في موطن أبدا ! وقد كان خطيبا مفوها، يهجو الإسلام. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - في سماحة وسمو -: " لا أمثل به، فيمثل الله بي وإن كنت نبيا !!"(2). فلم يمثل به كما يمثل الهمجيون في قتلى وأسرى الجيش المهزوم، وسن بذلك سنة حسنة في الحروب، ويبقى له الفضل والسبق في تحريم إهانة الأسرى أو إيذائهم .
পৃষ্ঠা ৬১