قلما نرى في تاريخ الحروب صورة تعبر عن العدل بيت القادة والجنود، فالتاريخ الإنساني حافل بصور استبداد القادة العسكريين وظلمهم للجنود.. أما محمد فنراه في أرض المعركة يقف أمام جندي من جنوده ليقتص الجندي منه .. أما الجندي فهو سواد بن غزية، لما استنتل من الصف، غمزه النبي غمزة خفيفة في بطنه - بالسهم الذي لا نصل له - وقال : " استو يا سواد !" .. قال : يا رسول الله ! أوجعتني ! وقد بعثك الله بالحق والعدل؛ فأقدني ! فكشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بطنه، وقال : " استقد" .. فاعتنقه فقبل بطنه ! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما حملك على هذا يا سواد ؟ " ، قال : حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك ! فدعا له رسول الله بخير(1)
المطلب السابع : الحوار قبل الصدام :
أراد النبي أن يستنفذ كل وسائل الصلح والسلام قبل أن يخوض المعركة، فما أرسل إلا رحمة للعالمين، فأراد أن يبادر بمبادرة للسلام ليرجع الجيشان إلى ديارهما، فتحقن الدماء، أو ليقيم الحجة على المشركين، فلما نزل الجيش الوثني أرض بدر أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر بن الخطاب إلى قريش، وقد كان سفيرهم في الجاهلية، فنصحهم عمر بالرجوع إلى ديارهم حقنا للدماء .. فتلقفها حكيم بن حزام أحد عقلاء المشركين، فقال: قد عرض نصفا، فاقبلوه، والله لا تنصرون عليه بعد ما عرض من النصف . فقال أبو جهل : والله لا نرجع بعد أن أمكننا الله منهم(2). فانظر حرص الرسول على حقن الدماء وحرص أبي جهل على سفك الدماء، وانظر إلى هذه القيمة الحضارية التي يسجلها نبي الرحمة في هذه المعركة : الحوار قبل الصدام .
পৃষ্ঠা ৫৯