فهذا هو المجتمع الإسلامي، الذي يعتبر الشورى ركنا من أركانه، وأصلا في بنيانه.. في أيام كانت أوربا تحت حكم وراثي كنسي مستبد، يقيد الجنود بالسلاسل - في المعارك - حتى لا يفروا. لا قيمة عندهم لرأي، ولا وزن - في تصوراتهم - لفكر !
المطلب الرابع : النهي عن استجلاب المعلومات بالعنف :
وهذا مظهر آخر من المظاهر الحضارية في السيرة، فقد حذر رسولنا - صلى الله عليه وسلم - من انتزاع المعلومات بالقوة من الناس، ففي ليلة المعركة بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب في مفرزة إلى ماء بدر في مهمة استخباراتية لجمع المعلومات، فوجدوا غلامين يستقيان للمشركين، فأتوا بهما فسألوهما ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي، فقالا : نحن سقاة قريش . فطفق الصحابة يضربوهما، حتى اضطر الغلامان لتغيير أقوالهما . فلما أتم رسول الله صلاته؛ قال لهما مستنكرا : "والذي نفسي بيده إنكم لتضربونهما إذا صدقا وتتركونهما إذا كذبا .. إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما ؟ ! ، صدقا ، والله إنهما لقريش"(1) .
هكذا كانت معاملة القيادة الإسلامية لمن وقع في قبض المخابرات الإسلامية للاستجواب، فنهى القائد عن تعذيب المستجوب، أو انتزاع المعلومات منه بالقوة، فسبق اتفاقية جينيف الثالثة لعام 1949 التي تحظر إجبار الأسير على الإدلاء بمعلومات سوى معلومات تتيح التعرف عليه مثل اسمه وتاريخ ميلاده ورتبته العسكرية، ، وجرم رسول الله كل أعمال التعذيب أو الإيذاء أوالضغط النفسي والجسدي التي تمارس على الأسير ليفصح عن معلومات حربية .
পৃষ্ঠা ৫৭