فهوي النبي - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قال عمر. فلما كان من الغد أقبل عمر فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبكى هو وأبو بكر فقال: يا رسول الله! من أي شئ تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء ! لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة !" وأنزل الله تعالى قوله: { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض(1) } .
وقد تكلم العلماء في أي الرأيين كان أصوب فرجحت طائفة قول عمر لهذا الحديث ورجحت طائفة قول أبي بكر لاستقرار الأمر عليه وموافقته الكتاب الذي سبق من الله بإحلال ذلك لهم ولموافقته الرحمة التي غلبت الغضب، ولتشبيه النبي - صلى الله عليه وسلم - له في ذلك بإبراهيم وعيسى، وتشبيهه لعمر بنوح وموسى، ولحصول الخير العظيم الذي حصل بإسلام أكثر أولئك الأسرى، ولخروج من خرج من أصلابهم من المسلمين، ولحصول القوة التي حصلت للمسلمين بالفداء ولموافقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر أولا ولموافقة الله له آخرا حيث استقر الأمر على رأيه ولكمال نظر الصديق فإنه رأى ما يستقر عليه حكم الله آخرا وغلب جانب الرحمة على جانب العقوبة(2)..
وحين أقبل بالأسارى - بعد بدر - فرقهم النبي- صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه وقال :
"استوصوا بهم خيرا"(3) ..
وبهذه التوصية النبوية الرفيعة، تحقق في هذا الجيل الإسلامي الفضيل قول الله تعالى:
{ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا } (4) .
পৃষ্ঠা ৪১