يرى سقراط أن الفضيلة أساسها العلم، فمتى علم الإنسان الخير فعله، ومتى عرف الشر تركه. ويقرب رأي الغزالي من هذا في أساس الصبر، إلا أنه يشترط أن تصل المعرفة إلى اليقين حتى تثمر الصبر وإليك قوله في هذا المعنى: «ترك الأعمال المشتهاة عمل يثمره حال يسمى الصبر، وهو ثبات باعث الدين الذي هو في مقابلة باعث الشهوة. وثبات باعث الدين حال تثمرها المعرفة بعداوة الشهوات ومضادتها لأسباب السعادات في الدنيا والآخرة. فإذا قوي يقينه، أعني المعرفة التي تسمى إيمانا، وهو اليقين بكون الشهوة عدوا قاطعا لطريق الله تعالى قوي باعث الدين، وإذا قوي ثباته تمت الأفعال على خلاف ما تتقاضاه الشهوة.
1
وقال في موطن آخر: «والمراد بالصبر العمل بمقتضى اليقين إذ اليقين أن المعصية ضارة، والطاعة نافعة، ولا يمكن ترك المعصية، والمواظبة على الطاعة إلا بالصبر، وهو استعمال باعث الدين في قهر باعث الهوى.»
2
ويذكر أميل بوراك في كتابه:
Cours Elémentaires de philosophie
ص343 أن العلم لا يكفي أساسا للفضيلة، فمعرفة الواجب لا تكفي للقيام به. بل لا بد من حبه وإرادته إرادة حرة ثابتة. وهذا التقييد يساوي ما اشترط الغزالي من اليقين، لأن المرء متى تيقن نفع شيء أحبه أو كاد يحبه. ويرى الدكتور منصور فهمي والأستاذ عبده خير الدين أن المعرفة التي يراها سقراط أساس الفضيلة لا بد أن تكون المعرفة الجازمة التي تورث الإرادة ثم التنفيذ. وإذن فلا اعتراض على سقراط.
أسماء الصبر
ويقرر الغزالي أن الصبر تختلف أسماؤه باختلاف ما يصبر المرء عنه، فهو جماع كثير من الفضائل، أو هو نصف الايمان. فإن كان صبرا عن شهوة البطن والفرج سمي عفة. وإن كان في احتمال مكروه سمي صبرا، وضده الجزع. وإن كان في احتمال الغنى سمي ضبط النفس، وضده البطر. وإن كان في الحرب سمي شجاعة، وضده الجبن، وإن كان في كظم الغيظ والغضب سمي حلما، وضده التذمر. وإن كان في نائبة مضجرة سمي سعة الصدر وضده الضجر. وإن كان في إخفاء كلام سمي كتمان السر. وإن كان عن فضول سمي زهدا، وضده الحرص. وإن كان صبرا على يسير من الحظوظ سمي قناعة، وضده الشره.
درجات الصابرين
অজানা পৃষ্ঠা