تمهيد
نتكلم في هذا الباب عن تحديد الفضيلة، وبيان أمهات الفضائل وما لها من الفروع، ثم نذكر طائفة من الفضائل التي عني بدرسها الغزالي: كالصدق، والصبر، والتوكل، والخمول، وما إلى ذلك مما تدور عليه حياة الأفراد، وينبني عليه الاجتماع، ليرى القارئ ما يسمو إليه في تصور المثل الأعلى للحياة.
تحديد الفضيلة
لا يفرق الغزالي بين كلمة فضيلة، وكلمة خلق، فهما عنده عبارة عن هيئة النفس، وصورتها الباطنة.
وأساس الفضيلة فيما يرى يرجع بعضه إلى ما أخذ عن أرسطو وبعضه إلى ما أخذ عن أفلاطون. فهو يأخذ عن أرسطو نظرية (التوسط) التي يسميها الاعتدال، فقوة الغضب مثلا إن مالت عن الاعتدال، إلى طرف الزيادة سميت تهورا، وإن مالت إلى الضعف سميت جبنا، فأما إن ظلت وسطا بين الزيادة والنقصان فهي الشجاعة. فالمحمود هو الوسط، وهو الفضيلة، والطرفان رذيلتان، كما يقول.
ولا يجمد الغزالي على هذه النظرية حتى يعترض عليه بأن من الفضائل ما لا وسط له، بل يقرر أن العدل ليس له طرفان: زيادة ونقص، بل له ضد واحد، ومقابل واحد: هو الجور.
ويأخذ عن أفلاطون نظرية المماثلة، أي مشابهة الله، فإن الله فيما يرى أفلاطون: هو الوحدة التي تجتمع فيها وتتصالح جميع كمالات المخلوقات. والرجل الفاضل عند أفلاطون هو الذي ينظر إلى الله بلا انقطاع كما ينظر الفنان إلى الأنموذج. والغزالي يقرر أن المرء يقرب من الله بقدر ما يقرب من رسول الله، ومعنى ذلك أن الرسول جمع مكارم الأخلاق، وقد حضنا على أن نتخلق بأخلاق الله، ما عدا الكبرياء. فمشابهة الرسول واحتذاؤه عند الغزالي تماثل تماما مشابهة الله عند أفلاطون.
وأخذ أيضا عن أفلاطون نظرية التوافق
Ľharmonie
ويسميها العدل. والتوافق عند أفلاطون هو تناسب القوى والملكات لتكمل في المرء جوانبه الخلقية. وإليك ما يقول الغزالي فيما يشابه هذا المعنى: «وكما أن حسن الصورة الظاهرة لا يتم مطلقا بحسن العينين دون الأنف والفم والخد، بل لا بد من الحسن في جميعها حتى يتم حسن الخلق، فإذا استوت الأركان الأربعة واعتدلت وتناسبت حصل حسن الخلق، وهي: قوة العلم، وقوة الغضب، وقوة الشهوة. وقوة العدل بين هذه القوى الثلاث. أما قوة العلم فحسنها وصلاحها في أن تصير بحيث يسهل بها إدراك الفرق بين الصدق والكذب في الأقوال، وبين الحق والباطل في الاعتقادات وبين الجميل والقبح في الأفعال. فإذا صلحت هذه القوة حصل منها ثمرة الحكمة، والحكمة رأس الأخلاق الحسنة. وأما قوة الغضب فحسنها في أن يصير انقباضها وانبساطها في حد ما تقتضيه الحكمة. وكذلك الشهوة حسنها وصلاحها في أن تكون تحت إشارة الحكمة، أعني إشارة العقل والشرع».
অজানা পৃষ্ঠা