وقد فصل طرائق التهذيب باختلاف الطباع، ووضع بجانب كل رذيلة علاجها الخاص. وقد علمنا من ذلك أنهم كانوا يعالجون الكبر إذ ذاك بالسؤال. وهذا فيما أرى استشفاء من داء بداء، فقد يولد السؤال أمراضا في النفس تحتاج في اقتلاعها إلى مجاهدة وعناء، ولكن الصوفية يبيحون ما لا يباح!
الفصل الرابع
غاية الأخلاق
الخير هو ما تعتقد أنه خير، والشر هو ما تعتقد أنه شر، والسبيل إلى هذه العقيدة هو وزن العمل بميزان العقل والشرع ولكن ما هي الغاية من عمل الخير؟ وما هو الغرض من تجنب الشر؟
غاية الأخلاق - فيما يرى الغزالي - هي السعادة الأخروية وقد فصل هذا في الفصل الأول من «الميزان» ويقول في ص117 من هذا الكتاب: «إن السعادة الحقيقية هي الأخروية، وما عداها سميت سعادة، إما مجازا وإما غلطا، كالسعادة الدنيوية التي لا تعين على الآخرة. وإما صدقا، ولكن الاسم على الأخروية أصدق، وذلك كل ما يوصل إلى السعادة الأخروية ويعين عليها. فإن الموصل إلى الخير والسعادة قد يسمى خيرا وسعادة.» (؟!).
وهذا يدل على أن الغزالي ليست له غاية اجتماعية: فالذي يسعف مريضا، أو يغيث ملهوفا، أو يأسو جريحا، أو يواسي فقيرا، لا يهمه شفاء المريض، ولا إغاثة الملهوف، ولا برء الجريح، ولا سد حاجة الفقير، ما دامت نيته قد خلصت في عمله، ووثق بجزاء الآخرة! وكل سعادة ينتجها العمل الطيب في هذه الدنيا إنما هي سعادة مجازية، وواجب المرء أن يفهمها كذلك. وله أن يعدها سعادة نسبية، على معنى أن ما يوصل إلى السعادة الأخروية قد يسمى خيرا وسعادة! وقد نص في ص136 من الميزان على أن من يتجنب الفحشاء محافظة على كرامته لا يسمى عفيفا، لأنه لم يقصد بعفته وجه الله، فكل عمله تجارة، وترك حظ لحظ يماثله!
ونسأل الغزالي سؤالين اثنين:
أولا:
إذا أسعفت مريضا وكان لا يهمك برؤه، لأن سعادتك ليست نتيجة لمسعاك في هذه الدنيا، وإنما يهمك أن تصح نيتك فتثاب في أخراك، ألا تكون تاجرا في غايتك الأخلاقية؟
ثانيا:
অজানা পৃষ্ঠা