وخنق نفسه حتّى مات. فلمّا أصبحت كفّنتهما ودفنتهما وكتبت الشّعر كما أمر، ورددت الغنم إلى صاحبها وأعلمته بقصّتهما، فحزن حزنًا خفت عليه الهلاك أسفًا على ما فرّط من عدم اجتماعهما.
وقد روي عن محمّد بن جعفر بن الزّبير، قال: كنّا عند عروة بن الزّبير وعنده رجلٌ من بني عذرة. فقال له: يا عذري بلغني أنّ فيكم رقّةً وغزلًا فأخبرني ببعض ذلك؟ فقال: لقد خلف في الحيّ ثلاثين مريضًا ما بهم داءٌ إلاّ الحب قد خامر قلوبهم وأنّ فيه من المرارة والنّكد والكمد ما هو مستعذبٌ عند أربابه، مستحسنٌ عند أصحابه، حلوٌ لا تعدّ له حلاوةٌ، ومرٌّ لا تعدّ له مرارةٌ. قال الكميت بن زيد في ذلك:
الحبّ فيه حلاوةٌ ومرارةٌ ... سائلٌ بذلك من تطعّم أو ذق
ما ذاق بؤس معيشةٍ ونعيمها ... فيما مضى أحدٌ إذا لم يعشق
وقال آخر:
يا أيّها الرّجل المعذّب بالهوى ... إنّي بأحوال الهوى لعليم
الحبّ صاحبه يبيت مسهّدًا ... فيطير منه فؤاده ويهيم
والحبّ داءٌ قد تضمّنه الحشا ... بين الجوانح والضّلوع مقيم
والحبّ لا يخفى وإن أخفيته ... إنّ البكاء على الحبيب يدوم
والحبّ فيه حلاوةٌ ومرارةٌ ... والحبّ فيه شقاوةٌ ونعيم
والحبّ أهون ما يكون مبرّحٌ ... والحبّ أصغر ما يكون عظيم
1 / 67