وقد حظي نشوء دولة الأدارسة بدراسات متعددة إلا أنّ هذه الدراسات تناولت في معظمها فترة التأسيس الثانية، أي فترة حكم إدريس الثاني وما يليها، ولم تمرّ الاّ عرضا بالفترة الأولى لما يكتنف المصادر من غموض ومعلومات متضاربة تبلغ أحيانا حدّ الحكايات الاسطوريّة. والأمر نفسه يصحّ على الدراسات المتعلّقة بدولة الديلم إذ أغضت هذه الدراسات بشيء من الحذر وعدم الاطمئنان عن المراحل السابقة على دعوة القاسم بن إبراهيم.
والأمر في نظري يعود في كلا الحالين لعدم توفّر المصادر الكافية عن الفترة الأولى لهاتين الدولتين، ولتلوّن ما وصلنا من أخبار بألوان أسطورية لا يمكن الاعتماد عليها والوثوق بها في تشكيل تصوّر واف عن هذه البدايات.
٢. «الصورة التاريخية» في المصادر الزيدية
لم تحظ المصادر التاريخية الزيدية بدراسة شاملة حتى الآن، والسبب في ذلك يعود إلى أنّ أكثرها ما زال مخطوطا ولم يفهرس إلاّ جزء يسير منها [١].
كذلك لم يلتفت الدارسون في تحقيقهم للكتب التاريخية العامّة إلى مقارنتها بالمصادر الزيدية [٢]، وهذا يعود جزئيا للسبب الذي ذكرته. فما زال الطريق أمامنا طويلا قبل أن يتاح لنا دراسة هذا التراث والبحث عن مصادره الأولى ودراسة أسانيده ورواته، ولوضع تصوّر عن الرؤية/الرؤى الزيدية للتاريخ الاسلامي وعن فهمهم لدور «جماعتهم» في سياق هذا التاريخ.
وتعود أولى المؤلفات التاريخية الزيديّة لأوائل القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي بعد أن استقرّت الدولة الزيدية الأولى في الديلم على يد القاسم بن
_________
[١] تجدر الإشارة هنا إلى أعمال عبد الله الحبشي وأيمن فؤاد السيّد وحسين عبد الله العمري.
[٢] حتى مقاتل الطالبيين لم يراجع على المصادر الزيدية.
1 / 12