اعلم أنك إذا قلت: " إن زيدا قائم وعمرو " كان لك في المعطوف وجهان النصب عطفا على اسم إن كقولك أن زيدا قائم وعمرا. ويرفع من ثلاثة أوجه، أحدها عطفًا على المضمر في الخبر، والآخر تعطفه على موضع إن، والعطف حملا على المعنى جائز بعد إتمام الكلام، والثالث أن ترفعه بالابتداء وتضمر له مثل الخبر المقدم. فهذا متفق عليه لا خلاف فيه وعلى ذلك قريء " إن الله بريء من المشركين ورسوله " بالرفع والنصب. ونظير النصب قول الشاعر: الرجز
إن الربيع الجودَ والخريفا ... يدا أبي العباس والصُّيوفا
فعطف الصيوف على الربيع بعد الخبر، فإذا عطفت على اسم إن قبل الخبر لم يكن إلا النصب كقولك: إن زيدا وعمرا قائمان، ولو عطفت على موضع إن فقلت: إن زيدا وعمرو قائمان لم يجز لأن الحمل على المعنى إنما يكون بعد تمام الكلام. فهذا نظير قوله " إن الله وملائكته " بالرفع. وقد أجازه بعض الكوفيبن، والسبب فيه الخبر الذي تقدم ذكره ولكن يجوز أن يؤخر الخبر وينصب المعطوف عليه وترفعه على أن تنوي التأخير فتقول: إن زيدا وعمرا قائم، والتقدير إن زيد، قائم وعمرا، ثم قدمت على هذا التأويل. وإن شئت قلت: إن زيدا قائم، والتقدير: إن زيدا قائم، ثم قدمت. فعلى ذلك ينشد: الطويل
فَمَنْ يكْ أمسى بالمدينة رحلة ... فانّي وقيارًا بهارًا لَغَريبُ
برفع قيار ونصبه، وقيار اسم جحله.
أخبرنا ابن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: كانت امرأة من العرب ذات مال وجمال ولسن، فآلت على نفسها إن لا تزوج نفسها إلا ممن يحاجها فقطعت حماقة فتحاماها الناس حتى انتدب لها رجل فجاء فوقف ببابها فقالت له: ممن أنت؟ قال: بشر ولد صغيرا، ونشأ كبيرا. قالت: فأين بلدك؟ قال: على بساط شاسع في بلد واسع قريب بعيد وبعيد قريب. قالت: فما اسمك، قال: من أراد اتخذ اسما ولم يكن ذلك عليه رجما. قالت: كأنه لا حاجة لك؟ قال: لو لم تكن لي حاجة لم أقف ببابك، واتصل بأسبابك، وأتعرض لخطابك. قالت: أسر حاجتك أم جهر؟ قال: سر ومستعلن. قالت كأنك خاطب؟ قال: هو ذاك. قالت حاجتك؟ قال: قولي؟ قالت: عجبت، قال: عجبت من السبخة لا يجف ثراها ولا ينبت مرعاها، قالت: عجبت؟ قال: عجبت من الحجارة لا يهرم كبارها ولا يكبر صغارها، قالت: عجبت، قال: عجبت من طالب العلم لا يبلغ منتهاه ولا يقضي مناه قال: عجبت لجوباء بين رجليك لا يمل حفرها ولا يبلغ قعرها، قالت: قضيت حاجتك. قال: شكرت.
أخبرنا نفطويه قال أخبرنا محمد بن الحسن الحنيني قال حدثنا أحمد ابن المفضل عن أسباط عن السدّى فهي قوله تعالى " أتدعون بَعْلا " قال ربا. وهكذا جاء في هذا الخبر. قال الشيخ: والمعروف عند أهل اللغة إن البَعْل: الصنم فجاز لأنهم كانوا يعبدونه كما يعبدون الرب ﷿، والبعل: الزوج والبعال: النكاح، والبعل أيضا: النخل الذي يشرب بعروقه ويستغني عن السقاء وإياه عنى الشاعر بقوله الطويل
من الواردات الماء بالقاع تستقي ... بأذنابها قبل استقاء الحناجر
والبعل أيضا: الرجل الذي يكون كّلا على أهله، فأما البَعَل بفتح الباء والعين فالتحيّر، يقال بعل بأمره يبعل بعلا: إذا تحير.
أخبرنا نفطويه قال حدثني الحنيني قال حدثني احمد بن المفضل عن أسباط عن السدى في قوله تعالى (وأنّا لنحن الصافون) قال: يعني الصلاة، وذكر السني عن عبد الله قال: ما في السماء موضع شبر إلا وعليه جبهة ملك أو قدماه ساجدا أو راكعا أو قائما، وتلا عبد الله " وأنّا لنحن الصافون) (وأنا لنحن المسبّحون) .
أخبرنا ابن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: كتب معاوية إلى عبادة بن الصامت: إن أصحاب النبي ﷺ قد اجتمعوا علي فاكتب إلي ببيعتك وزوج يزيد ابنتك، فكتبت إليه عبادة: لو اجتمعت أمة محمد ﷺ على عبد حبشي لسمعت وأطعت وقد كتبت إليك ببيعتي، فأما تزويج يزيد ابنتي فقد كتبت إليك بيتين فاسمعهما وهما: الطويل
ولو أن نفسي طاوعتني لأصبحت ... لها حَفدٌ ممّا يعدّ كثير
ولكنها نفسي علي كريمة ... عيوف لأصهار اللئام قدور
1 / 3