أحكام الاختلاف
في رؤية هلال ذي الحجة
[قاعدة: غم هلال ذي الحجة]
تأليف
الحَافِظِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ رَجَبٍ الحَنبَلِيّ
٧٣٦ هـ - ٧٩٥ هـ
تحقيق ودراسة
د. عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الجِبْرِيْن
الأستاذ المشارك بكلية المعلمين بالرّياض
قام بتنسيق الرِّسالة ونشرها:
سَلمَانُ بْنُ عَبْدِ القَادِرِ أبُوْ زَيْدٍ
غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، ولِوَالدَيْهِ، ولِمَشَايخِهِ، ولجَمِيْعِ المُسْلِمِيْنَ.
অজানা পৃষ্ঠা
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
«مُقَدِّمَةُ التَّحْقِيقِ»:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﵌ أما بعد:
فهذه رسالة كتبها الإمام الحافظ الفقيه أبو الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي ﵀، وهي تتعلق بمسألة هامة، هي: الاختلاف في رؤية هلال ذي الحجة.
وقد وجدت لهذه الرسالة ثلاث نسخ خطية هي:
الأولى: نسخة بالمكتبة السعودية بالرياض، تحت رقم (٥٢٧ / ٨٦) ضمن مجموعة، عليه تمليك للشيخ محمد بن عبد اللطيف (١) ﵀، وعدد صفحاتها عشر
_________
(١) هو الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولد في الرياض، ونشأ في بيت علم وصلاح، فحفظ القرآن، ثم شرع في طلب العلم بهمة عالية ونشاط مستمر، فقرأ على علماء بلده، حتى نبغ في كثير من العلوم الشرعية، حتى عُدَّ من كبار علماء وقته، وقد عيَّنه الملك عبد العزيز ﵀ في أول عهده قاضيا لمنطقة القويعية، ثم نقله قاضيا لمنطقة الوشم، ثم بعثه إلى عسير والحجاز داعية ومرشدًا، ثم عيَّنه قاضيا في الرياض، وكان إلى جانب عمله في القضاء يقوم بالتدريس والإفتاء، وكانت وفاته ﵀ في الرياض عام ١٣٦٧ هـ. ينظر في ترجمته علماء نجد ٣ / ٨٤٩، ٨٥٠، روضة الناظرين ٢ / ٢٦٧- ٢٧٣، مشاهير علماء نجد وغيرهم ص ١٤٦، ١٤٧، مجلة العرب، السنة ١٦، ص ٢، ٣
1 / 3
صفحات ونصف صفحة، في كل صفحة تسعة عشر سطرا، وقد كتبت بخط واضح، ولم يذكر اسم ناسخها، وقد رمزت لهذه النسخة بالحرف "م ".
الثانية: نسخة بمكتبة جامعة الملك سعود بالرياض، تحت رقم (١٨١٧ / ٣ م)، ضمن مجموعة كتب الشيخ عبد المحسن بن عبيد (١) ﵀، وقد ذكر ﵀ في آخر هذه الرسالة أنه نقلها عام ١٣٦١ هـ من قلم من حمى
_________
(١) هو الشيخ عبد المحسن بن عبيد بن عبد المحسن بن عبيد، ولد في مدينة بريدة عاصمة القصيم عام ١٣١٩ هـ، ونشأ بها، وطلب العلم على يد علمائها، له مؤلفات أشهرها كتاب (الهداية والإرشاد إلى طريق الهدى والرشاد) . وقد اشتُهر ﵀ بالزهد والورع، وكان ذا خط حسن، وقد خط بيده كتبا كثيرة. توفي ﵀ سنة ١٣٦٤ هـ. ينظر في ترجمته الترجمة التي كتبها ابن أخيه عبد المحسن بن فهد العبيد في أول كتابه (الهداية والإرشاد)، وكتاب (تذكرة أولي النهي والعرفان) لأخي المترجم له إبراهيم بن عبيد ٤ / ٢١٢- ٢١٨
1 / 4
نفسه: فراج بن منصور بن سابق النجدي (١) الذي كتبها سنة ١٢٢٨ هـ (٢) . وعدد صفحاتها ثمان صفحات وثمانية أسطر، في كل صفحة سبعة وعشرون سطرا، وهي مقابلة على نسخة أخرى، وقد رمزت لها بالحرف "ع ".
الثالثة: نسخة بمكتبة الشيخ سعد بن عبد الرحمن بن قاسم (٣)، والذي يعمل مدرسا بمعهد الرياض العلمي، وهي بخط والده الشيخ: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، وعدد صفحاتها أربع صفحات، في كل صفحة ثلاثون سطرا، وقد رمزت لها بالحرف " ق".
_________
(١) الحنبلي، المتوفى سنة ١٢٤٦ هـ تقريبا. انظر السحب الوابلة ص ٣٣١.
(٢) انظر ص (٣٧) تعليق، (٤) من هذه الرسالة.
(٣) هو الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي القحطاني النجدي الحنبلي، صاحب المؤلفات النافعة والتي من أشهرها: (حاشية كتاب التوحيد)، (والإحكام شرح أصول الأحكام) (وحاشية الروض المربع) . ومن أعماله الجليلة جمع وترتيب فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية. توفي ﵀ سنة ١٣٩٢ هـ. ينظر في ترجمته: علماء نجد خلال ستة قرون ٢ / ٤١٤- ٤١٦، الترجمة التي كتبها الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين في أول الجزء الأول من حاشية الروض المربع للمترجم له، الأعلام ٣ / ٣٣٦، مجلة العرب، السنة ١٦، س٨، ٩، مشاهير علماء نجد ص ٤٣٢-٤٣٤
1 / 5
وتتضح أهمية تحقيق هذه الرسالة في النقاط التالية:
١ - أن الموضوع الذي ألفت من أجله موضوع هام يحتاج الناس في كل وقت إلى معرفة الأحكام المتعلقة به، لتعلقه بركن من أركان الإسلام وهو الحج، بل يتعلق بأهم أركانه وهو الوقوف بعرفة.
٢ - أن موضوع الرسالة ومواضيع أخرى هامة تعرضت لها كالاختلاف في هلال رمضان، والاختلاف في هلال شوال وغيرها تمس الحاجة إلى معرفة القول الصحيح فيها، لكثرة وقوع الاختلاف في كل مسألة من هذه المسائل.
٣ - أن هذه الرسالة تبرز وتتعرض لحكم شرعي يدل على يسر هذا الدين وسماحته، وهو الحكم بصحة عبادات المسلمين عند خطئهم في وقت دخول شهر ذي الحجة، أو وقت دخوله شهر رمضان أو خروجه.
٤ - أن القول الذي مال إليه المؤلف في هده المسألة الهامة فيه جمع لكلمة المسلمين، ومنع للاختلاف والفرقة وتشتيت الكلمة، وفيه قطع لكثرة القيل والقال.
1 / 6
وقد انحصر عملي في هذه الرسالة في الأمور الآتية:
١ - تصحيح النص، وقد اعتمدت النص الصحيح وأشير إلى غيره في الحاشية.
٢ - دراسة جميع الموضوعات التي تعرض لها المؤلف بذكر أدلتها باختصار، إن لم يكن المؤلف تعرض لها، وإن كان في المسألة خلاف لم يتعرض له المؤلف ذكرته مع دليله بشيء من الاختصار، ثم ذكرت القول الراجح وسبب الترجيح.
٣ - تخريج جميع الأحاديث والآثار التي ساقها المؤلف وذكر طرقها وشواهدها والحكم على إسناد كل رواية من حيث القوة والضعف.
ولم يذكر المؤلف لهذه الرسالة عنوانا، وقد ذكرها ابن عبد الهادي ضمن مؤلفات ابن رجب، وأسماها: " قاعدة: غم هلال ذي الحجة " (١) ولعله أخذ هذا العنوان من قول المؤلف في مقدمة هذه الرسالة: " فقد وقع في هذا العام وهو عام أربعة وثمانين وسبعمائة حادثة وهو أنه غم هلال ذي الحجة فأكمل الناس هلال ذي القعدة. . . "
_________
(١) الجوهر المنضد ص ٥١.
1 / 7
وقد اخترت لها عنوانا يعبر عن مضمونها ومحتواها، وهو: " أحكام الاختلاف في رؤية هلال ذي الحجة ".
«ترجمة المؤلف (١)»:
هو الإمام الحافظ الفقيه الواعظ الزاهد أبو الفرج زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحسن بن محمد بن أبي البركات السلامي، البغدادي ثم الدمشقي.
ولد في بغداد سنة ٧٣٦ هـ، وكان والده وجده من أهل العلم والصلاح (٢)، وقد عني والده بتعليمه عناية كبيرة، فكان يحضره إلى مجالس العلم وهو صغير قبل
_________
(١) ينظر في ترجمته: المقصد الأرشد ١٢ / ٨١، ٨٢، الجوهر المنضد ص ٤٦-٥٣، لحظ الألحاظ ص ١٨٠- ١٨٢، الرد الوافر ص ١٠٦، ١٠٧، أنباء الغمر ٣ / ١٧٥، ١٧٦، الدرر الكامنة ٢ / ٤٢٨، ٤٢٩، الدارس ٢ / ٧٦، ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي ٥ / ٣٦٧، طبقات الحافظ ص ٥٤٠، شذرات الذهب ٦ / ٣٣٩، ٣٤٠، البدر الطالع ١ / ٣٢٨، السحب الوابلة ص ١٩٧، ١٩٨، مختصر طبقات الحنابلة ص ٧١، ٧٢، هدية العارفين ١٠ / ٥٢٧، فهرس الفهارس ٢ / ٦٣٦، ٦٣٧، الرسالة المستطرفة ص ١١١، معجم المؤلفين ٥ / ١١٨، الأعلام ٣ / ٢٩٥، مقدمة تحقيق كتاب شرح العلل للمؤلف التي كتبها الدكتور همام عبد الرحيم.
(٢) الدارس ٢ / ٧٦، المقصد الأرشد ٢ / ٨١، شذرات الذهب ٦ / ٣٣٩.
1 / 8
التمييز في السنة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة من عمره (١)، ثم رحل به والده إلى دمشق ونابلس والقدس فسمع من علماء هذه البلاد وهو صغير (٢)، ثم رجع إلى بغداد فسمع الحديث بها من بعض علمائها (٣)، ثم حج مع والده سنة ٧٤٩ هـ فسمع الحديث بمكة (٤)، ثم رجع معه إلى دمشق، وبها لازم الإمام ابن القيم أكثر من سنة حتى توفي سنة ٧٥١ هـ، وسمع عليه قصيدته النونية في العقيدة وأشياء من تصانيفه وغيرها (٥)، ثم رحل مع والده إلى مصر، فسمع من بعض علمائها (٦) .
وقد أكثر الحافظ ابن رجب من سماع الحديث، وقرأ القران بالروايات (٧)، ودرس الفقه على كثير من شيوخه،
_________
(١) ذيل طبقات الحنابلة للمؤلف ١ / ٦٧، و٢ / ١٧٦، ٢١٣، ٢١٤، ٤٣٦.
(٢) ذيل طبقات الحنابلة ٢ / ١٠٩، ٣٦٥، شذرات الذهب ٦ / ٣٣٩، الدرر الكامنة ٢ / ٤٢٩.
(٣) ذيل طبقات الحنابلة ١ / ٢٨٩.
(٤) المرجع السابق ٢ / ٤٤٤.
(٥) ذيل طبقات الحنابلة ٢ / ٤٤٤، السحب الوابلة ص ١٩٧.
(٦) أنباء الغمر ٣ / ١٧٥، الدارس ٢ / ٧٧، المقصد الأرشد ٨٢٣٢، وينظر الذيل على طبقات الحنابلة ٢ / ٤١، ٨٢.
(٧) الدرر الكامنة ٢ / ٤٢٩.
1 / 9
وحفظ بعض المتون الفقهية في الفقه الحنبلي (١) .
وقد استقر ﵀ بعد تلك الرحلات الكثيرة في دمشق، وتفرغ للتعليم والتأليف والوعظ، فأقبل الطلاب على دروسه، وتتلمذوا على يديه، وأخذوا عنه الفقه، واستفادوا من علمه (٢) .
وقد برز الحافظ ابن رجب في فنون كثيرة من علوم الشريعة، فقد برز في علوم الحديث، وكان ذا معرفة واسعة بالرجال وبطرق الأحاديث وعللها ومعانيها، وبرز أيضا في الفقه، وكانت له مجالس تذكير ووعظ نافعة.
وكان صاحب عقيدة صافية نقية، وقد ألف رسالة في تفضيل علم السلف على علم الخلف (٣) .
وقد أثنى عليه غير واحد من أهل العلم:
قال ابن ناصر الدين: " الشيخ الإمام العلامة الزاهد القدوة، البركة الحافظ العمدة الثقة الحجة، واعظ المسلمين،
_________
(١) ذيل طبقات الحنابلة ٢ / ٤٣٢.
(٢) الجوهر المنضد ص ٥٢، الشذرات ٦ / ٣٣٩، ٣٤٠، المقصد الأرشد ٢ / ٢٣٧، ٢٦٥، الضوء اللامع ٢ / ٢٣٤، و٤ / ٨٢، ١٣٧، و٦ / ٣٤.
(٣) ينظر مؤلفاته في هذه المقدمة ص (١٠) .
1 / 10
مفيد المحدثين،. . أحد الأئمة الزهاد والعلماء العباد " (١) .
وقال ابن فهد: " الإمام الحافظ الحجة، والفقيه العمدة، أحد العلماء الزهاد الأئمة العباد، مفيد المحدثين، واعظ المسلمين،. . كان ﵀ إماما ورعا زاهدا مالت القلوب بالمحبة إليه، وأجمعت الفرق عليه، كانت مجالس تذكيره للقلوب وللناس عامة نافعة وللقلوب صادعة " (٢) .
وقال ابن العماد الحنبلي: " الشيخ الإمام العالم العلامة، الزاهد القدوة البركة، الحافظ العمدة الثقة الحجة وكانت مجالس تذكيره للقلوب وللناس عامة مباركة نافعة، اجتمعت الفرق عليه، ومالت القلوب بالمحبة إليه، وله مصنفات مفيدة ومؤلفات عديدة. . وكان لا يعرف شيئا من أمور الناس ولا يتردد إلى أحد من ذوي الولايات " (٣) .
وقال ابن المبرد: " الشيخ الإمام، أوحد الأنام، قدوة الحفاظ، جامع الشتات والفضائل،. . الفقيه الزاهد البارع
_________
(١) الرد الوافر ص ١٠٦.
(٢) لحظ الألحاظ ٥ / ١٨٠، ١٨١.
(٣) شذرات الذهب ٦ / ٣٣٩.
1 / 11
الأصولي المفيد المحدث " (١) .
وقال السيوطي: " الإمام الحافظ المحدث الفقيه الواعظ " (٢) .
وقال أبو اليمن العليمي: " هو الشيخ الإمام والحبر البحر الهمام العلم العامل البدر الكامل القدوة الورع الزاهد الحافظ الحجة الثقة، شيخ الإسلام والمسلمين، وزين الملة والدين، واعظ المسلمين مفيد المحدثين، جمال المصنفين. . وكان أحد الأئمة الكبار والحفاظ والعلماء والزهاد والأخيار، وكانت مجالس تذكيره للقلوب صادعة وللناس عامة مباركة نافعة، اجتمعت الفرق عليه، ومالت القلوب بالمحبة إليه، وزهده وورعه فائق الحد، وكان ﵀ لا يعرف شيئا من أمور الناس، ولا يتردد إلى ذوي الولايات " (٣) .
وقال تلميذه ابن اللحام: " سيدنا وشيخنا الإمام العالم العلامة الأوحد الحافظ، شيخ الإسلام مجلي المشكلات وموضح المبهمات " (٤)،
وقال أيضا: " الإمام العالم الحافظ،
_________
(١) الجوهر المنضد ص٤٦، ٤٧.
(٢) طبقات الحفاظ ص ٥٤٠، ذيل تذكرة الحافظ ٥ / ٣٦٧.
(٣) السحب الوابلة ص ١٩٧، ١٩٨، مختصر طبقات الحنابلة ص ٧٢.
(٤) الجوهر المنضد ص ٤٧.
1 / 12
بقية السلف الكرام، وحيد عصره، وفريد دهره، شيخ الإسلام " (١) .
وقال ابن قاضي شهبة: " الشيخ الإمام العلامة الحافظ الزاهد الورع، شيخ الحنابلة وفاضلهم، أوحد المحدثين " (٢) . وقال أيضا: " كتب وقرأ وأتقن الفن، واشتغل في المذهب حتى أتقنه، وأكب على الاشتغال بمعرفة متون الحديث وعلله ومعانيه. . وكان منجمعا عن الناس لا يخالط ولا يتردد إلى أحد من ذوي الولايات " (٣) .
وقال ابن حجي: " أتقن الفن- أي فن الحديث- وصار أعرف أهل عصره بالعلل وتتبع الطرق، وكان لا يخالط الناس ولا يتردد إلى أحد. . . تخرج له غالب أصحابنا الحنابلة بدمشق " (٤) .
وقال الحافظ ابن حجر: " مهر في فنون الحديث أسماء ورجالا وعللا وطرقا، واطلاعا على معانيه، وكان
_________
(١) المرجع السابق.
(٢) المرجع السابق ص ٤٨.
(٣) ينظر مقدمة تحقيق شرح علل الترمذي للدكتور همام عبد الرحيم ص ٢٤٩، والجوهر المنضد ص ٤٨.
(٤) شذرات الذهب ٦ / ٣٣٩، ٣٤٠، أنباء الغمر ٣ / ١٧٦.
1 / 13
صاحب عبادة وتهجد " (١) .
وقال النعمي: " الشيخ العلامة، الحافظ الزاهد، شيخ الحنابلة، وكان لا يعرف شيئا من أمور الناس، ولا يتردد إلى أحد من ذوي الولايات " (٢) .
وللحافظ ابن رجب مؤلفات كثيرة نافعة في فنون عديدة، ومن هذه المؤلفات:
١ - فضل علم السلف على الخلف (٣) .
٢ - شرح سنن الترمذي (٤)، عشرون مجلدا، وقد فقد أكثره (٥) .
٣ - شرح صحيح البخاري. ولم يتمه، وصل فيه إلى كتاب الجنائز (٦)، وقد أسماه: فتح الباري في شرح البخاري (٧) .
_________
(١) أنباء الغمر ٣ / ١٧٦.
(٢) الدارس ٢ / ٧٦، ٧٧.
(٣) الجوهر المنضد ص ٥٠.
(٤) الدرر الكامنة ٢ / ٤٢٩، لحظ الألحاظ ٥ / ١٨١، طبقات الحافظ ص ٥٤٠، البدر الطالع ١ / ٣٢٨.
(٥) الجوهر. المنضد ص ٤٩، أنباء الغمر ٥ / ١٧٦.
(٦) ذيل تذكرة الحافظ للسيوطي ٥ / ٣٦٧، لحظ الألحاظ ٥ / ١٨١، الرد الوافر ص ١٠٦.
(٧) المقصد الأرشد ٢ / ٨٣ شذرات الذهب ٦ / ٣٣٩، الدارس ٢ / ٧٧.
1 / 14
٤ - القواعد الفقهية (١) .
قال ابن المبرد: " وهو كتاب نافع من عجائب الدهر" (٢) .
٥ - جامع العلوم والحكم (٣) .
٦ - ذيل طبقات الحنابلة (٤) .
٧ - الاستغناء بالقرآن (٥) .
٨ - الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة (٦) .
٩ - لطائف المعارف (٧) .
_________
(١) الدر الكامنة ٢ / ٤٢٩، شذرات الذهب ٦ / ٣٣٩، الدارس ٢ / ٧٧، الدر المنضد ص ٤٨.
(٢) الجوهر المنضد ص ٤٩.
(٣) المقصد الأرشد ٢ / ٨٢، كشف الظنون ١ / ٥٩، ذيل كشف الظنون ٣ / ٣٣٥.
(٤) الدرر الكامنة ٢ / ٤٢٩، الرد الوافر ص ١٠٦، لحظ الألحاظ ٥ / ١٨١، البدر الطالع ١ / ٣٢٨.
(٥) الجوهر المنضد ص ٥١، هدية العارفين ١ / ٥٢٧.
(٦) الجوهر المنضد ص ٥٠، ٥١.
(٧) الدرر الكامنة ٢ / ٤٢٩، شذرات الذهب ٦ / ٣٣٩، الدارس ٢ / ٧٧، أنباء الغمر ٣ / ١٧٦.
1 / 15
وغيرها كثير، وقد ذكر ابن المبرد منها ستة وأربعين مؤلفا بين كتاب ورسالة، ثم قال: "وغير ذلك من الكتاب النافعة المفيدة، التي لم نر مثلها" (١)، وقد طبعت أكثر مؤلفاته، وكانت وفاته ﵀، في دمشق سنة ٧٩٥ هـ (٢) .
_________
(١) الجوهر المنضد ص٤٩- ٥١، وانظر السحب الوابلة ص ١٩٧، ١٩٨، هدية العارفين ١ / ٥٢٧.
(٢) الرد الوافر ص١٠٧، الدرر الكامنة ٢ / ٤٢٩، المقصد الأرشد ٢ / ٨٢ وغيرها.
1 / 16
«النّصّ المحقّق»:
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن ووفق للخير يا كريم (١)
قال الشيخ الإمام العالم العلامة الأوحد الفهامة (٢) وحيد عصره، وفريد دهره: أبو الفرج (٣) عبد الرحمن بن الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد بن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى (٤) .
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل (٥) فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
_________
(١) جملة '' رب يسر وأعن ووفق للخير يا كريم '' غير موجودة في '' ع '' و'' ق ''.
(٢) في '' ع '': '' الإمام الأوحد العلامة والحبر الهمام الفهامة ''.
(٣) في '' ع '': '' الحافظ أبو الفرج زين الدين ''.
(٤) في ''ع '': ''رحمة الله علينا وعليه آمين ''.
(٥) لفظة: ''ومن يضلل '' مكررة في ''ق ''.
1 / 17
أما بعد:
فقد وقع في هذا العام وهو عام أربعة وثمانين وسبعمائة حادثة، وهو أنه غم هلال ذي الحجة (١) فأكمل الناس هلال ذي القعدة، ثم تحدث الناس برؤية هلال ذي الحجة، وشهد به أناس (٢) لم يسمع الحاكم شهادتهم، واستمر الحال على إكمال عدة (٣) شهر ذي القعدة،
فتوقف بعض الناس عن (٤) صيام التاسع (٥) الذي هو يوم عرفة في هذا العام. وقالوا هو يوم النحر على ما أخبر به أولئك الشهود الذين لم تقبل شهادتهم، وقيل: إن بعضهم ضحى في ذلك اليوم، وحصل للناس بسبب ذلك اضطراب.
_________
(١) أي حال دون رؤيته غيم أو ضباب أو غيرهما، من غممت الشيء إذا غطيته. انظر غريب الحديث لابن الجوزي ٢ / ١٦٤، النهاية في غريب الحديث ٣ / ٣٨٨، المصباح المنير ص٤٥٤.
(٢) في ''م'' و''ق'': ''ناس''.
(٣) في '' ع '': '' عدد ''، ووضع عليها علامة نسخة، وفي هامشها: '' عدة '' ووضع علما علامة نسخة أخرى.
(٤) في '' ع '': '' في '' ووضع عليه علامة نسخة، وفي هامشها: '' عن '' ووضع عليه علامة نسخة أخرى.
(٥) في '' ع '': '' اليوم التاسع ''.
1 / 18
فأحببت أن أكتب في ذلك ما يسره الله تعالى. وبه (١) المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فنقول: هذه المسألة لها صورتان:
إحداهما:
أن يكون الشك مستندا إلى قرائن مجردة (٢)، أو إلى شهادة من لا تقبل شهادته (٣) إما لانفراده بالرؤية أو لكونه ممن لا يجوز قبول قوله ونحو ذلك.
فهذه المسألة قد اختلف الناس فيها (٤) على قولين.
أحدهما: أنه لا يصام في هذه الحالة (٥) . قال النخعي (٦) في صوم يوم عرفة في الحضر:
إذا كان فيه اختلاف فلا تصومن (٧)
_________
(١) في '' ع '': '' وبالله ''.
(٢) في '' ع '': '' محررة '' وعليها علامة نسخة، وفي هامشها: '' مجردة '' ووضع عليها علامة نسخة أخرى وعلامة تصحيح.
(٣) في '' ع '': '' شهادتهم ''.
(٤) في '' ع '': '' قد اختلف فيها السلف ''، وعليها علامة نسخة، وفي هامشها: '' الناس '' وعليها علامة نسخة أخرى.
(٥) في هامش ''ع '': ''الحال '' ووضع عليها علامة نسخة أخرى.
(٦) هو الإمام الحافظ فقيه العراق إبراهيم بن يزيد النخعي، من صغار التابعين، توفي سنة ٩٦ هـ. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء ٤ / ٥٢٠ - ٥٢٩، البداية والنهاية ٩ / ١٤٦.
(٧) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه- كما قال المؤلف- في كتاب الصيام: ما قالوا في صوم يوم عرفة بغير عرفة ٣ / ٩٧: حدثنا إسحاق الأزرق عن أبي العلاء عن أبي هاشم عن إبراهيم، وإسناده حسن، إن شاء الله - رجاله ثقات رجال الصحيحين، عدا أبي العلاء، وهو أيوب بن أبي مسكين التميمي القصاب، فهو صدوق له أوهام كما في التقريب ص١١٩.
1 / 19
وعنه قال: كانوا لا يرون بصوم يوم عرفة بأسا إلا أن يتخوفوا أن يكون يوم الذبح (١) . خرجهما ابن أبي شيبة في كتابه، وسنذكر عن مسروق (٢) وغيره من التابعين مثل ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى (٣) .
وكلام هؤلاء قد يقال- والله أعلم- إنه محمول (٤) على الكراهة دون التحريم. وقد ذكر شيخ الإسلام تقي
_________
(١) رواه ابن أبي شيبة - كما قال المؤلف- في الموضع السابق: حدثنا يزيد بن هارون قال: نا ابن عون عن إبراهيم. وإسناده صحيح، رجاله رجال الصحيحين.
ويوم الذبح هو يوم عيد الأضحى، ويسمى أيضا يوم النحر، لأنه تنحر وتذبح فيه الأضاحي. وقد ثبت نهيه ﷺ عن صيام يومي العيدين من حديث عدة من أصحابه ﷺ، فقد رواه البخاري برقم (١٩٩٠)، ومسلم برقم (١١٣٧) من حديث عمر بن الخطاب ﵁. ورواه البخاري برقم (١٩٩٥)، ومسلم برقم (٨٢٧) من حديث أبي سعيد ﵁، ورواه مسلم برقم (١١٤٠) من حديث أم المؤمنين عائشة ﵂، ورواه مسلم أيضا برقم (١١٣٨) من حديث أبي هريرة ﵁، وروى البخاري برقم (١٩٩٤)، ومسلم برقم (١١٣٩) عن عبد الله بن عمر ﵄ أنه جاء إليه رجل فقال: إني نذرت أن أصوم يوما، فوافق يوم أضحى أو فطر، فقال ابن عمر: أمر الله بوفاء النذر، ونهى رسول الله ﷺ عن صيام هذا اليوم.
(٢) هو الإمام مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني الكوفي، من كبار التابعين. توفي سنة ٦٢ هـ وقيل سنة ٦٣. انظر سير أعلام النبلاء ٤؛ ٦٣- ٦٩، الأنساب ٥ / ٦٥٠، ٦٥١.
(٣) وذلك أنهم لم يصوموا يوم عرفة حينما حصل شك في أنه يوم النحر، كما سيأتي ص (١٩- ٢١) عن مسروق وأبي عطية حينما دخلا على عائشة يوم عرفة وهما مفطران من أجل الشك في كونه يوم النحر.
(٤) في '' ع '': '' قد يقال إنه محمول والله أعلم ''.
1 / 20
الدين بن تيمية رحمه الله تعالى في صوم هذا اليوم في هذه الحالة (١) أنه جائز بلا نزاع بين العلماء. قال: لأن الأصل عدم العاشر كما أنهم لو شكوا ليلة الثلاثين من رمضان هل طلع الهلال أم (٢) لم يطلع؟ فإنهم يصومون ذلك اليوم باتفاق الأئمة وإنما (٣) يوم الشك الذي رويت فيه الكراهة الشك (٤) في أول رمضان (٥)، لأن الأصل بقاء شعبان. انتهى (٦) .
_________
(١) في '' ع '': ''في هذا الحال ''.
(٢) في '' ع '': ''أو''.
(٣) في '' ع '': '' فإنما ''. وفي هامشها: '' وإنما '' وعليها علامة نسخة أخرى وعلامة تصحيح.
(٤) لفظة: ''الشك '': ليست في ''م '' والصحيح إثباتها، كما في مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٥ / ٢٠٤.
(٥) سيأتي ذكر أقوال أهل العلم في حكم صوم هذا اليوم ص (١٥- ١٦) .
(٦) جاء في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ ج ٢٥ ص ٢٠٢-٢٠٤ ما نصه: '' وسئل شيخ الإسلام ﵀ عن أهل مدينة رأى بعضهم هلال ذي الحجة، ولم يثبت عند حاكم المدينة، فهل لهم أن يصوموا اليوم الذي في الظاهر التاسع وإن كان في الباطن العاشر؟ فأجاب: نعم يصومون التاسع في الظاهر المعروف عند الجماعة، وإن كان في نفس الأمر يكون عاشرا، ولو قدر ثبوت تلك الرؤية، فإن في السنن عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: '' صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون '' أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه. وعن عائشة ﵂ أنها قالت: قال رسول الله ﷺ: '' الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس '' رواه الترمذي. وعلى هذا العمل عند أئمة المسلمين كلهم.
فإن الناس لو وقفوا بعرفة في اليوم العاشر خطأ أجزأهم الوقوف بالاتفاق، وكان ذلك اليوم يوم عرفة في حقهم، ولو وقفوا الثامن خطأ ففي الإجزاء نزاع، والأظهر صحة الوقوف أيضا، وهو أحد القولين في مذهب مالك ومذهب أحمد وغيره.
قالت عائشة ﵂: ''إنما عرفة اليوم الذي يعرفه الناس '' وأصل ذلك أن الله ﷾ علق الحكم بالهلال والشهر، فقال تعالى: يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج. والهلال: اسم لما يستهل به: أي يعلن به ويجهر به، فإذا طلع في السماء ولم يعرفه الناس ويستهلوا لم يكن هلالا.
وكذا الشهر مأخوذ من الشهرة، فإن لم يشهر بين الناس لم يكن الشهر قد دخل، وإنما يغلط كثير من الناس في هذه المسألة، لظنهم أنه إذا طلع في السماء كانت تلك الليلة أول الشهر، سواء ظهر ذلك للناس واستهلوا به أو لا، وليس كذلك، بل ظهوره للناس واستهلالهم به لا بد منه، ولهذا قال النبي ﷺ: '' صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون ''. أي هذا اليوم الذي تعلمون أنه وقت الصوم والفطر والأضحى، فإذا لم تعلموه لم يترتب عليه حكم. وصوم اليوم الذي يشك فيه: هل هو تاسع ذي الحجة؟ أو عاشر ذي الحجة؟ جائز بلا نزاع بين العلماء، لأن الأصل عدم العاشر، كما أنهم لو شكوا ليلة الثلاثين من رمضان هل طلع الهلال أم لم يطلع؟ فإنهم يصومون ذلك اليوم المشكوك فيه باتفاق الأئمة، وإنما يوم الشك الذي رويت فيه الكراهة هو الشك في أول رمضان، لأن الأصل بقاء شعبان. ا. هـ.
1 / 21