إنما الأمور على أساسها التي أسسها عليه نبي الله وأئمة الهدى من بعده والتابعون لهم بإحسان وذلك أنه إذا كانت الإمامة عن شورى المسلمين وأتمروا بينهم فاجتمعوا على رجل يرون أنه أفضل زمانه وأعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه وأورعهم وأشدهم إجتهادا وأكثرهم نصيحة فقدموه لإحياء كتاب الله وسنة نبيه محمد عليه السلام ليحي الحق ويميت الباطل ويسلك منهاج أهل العدل في سيرتهم، قال عمر بن الخطاب رحمه الله: ألا وإني تركت الإمام الذي من بعدي على مثل المحجة إلا أن يتركها تارك. فأحسن الله له الجزاء، فإن بحسن سيرته ظهرت فضائح المعتدين. فجائز لمثل هذا أن يستعمل العمال ويبعث الجباة ليأخذوا من أهل الأموال ما أوجب الله عليه (¬1) في الحبوب والثمار والمواشي، فإذا أخذوا ذلك من أهل الأموال كما جاءت به السنة، ووضعوها في أهلها كما أمرهم إمام الهدى، فلا أعرف في ذلك شيئا مؤقتا، لأن هذه سعايته تطول وتقصر، وأوقاتها مختلفة وبلدانها متفاوتة، غير أنه إذا قدم الساعي على ما استعاه جمع صلحاء المسلمين وعلمائهم فشاورهم فيما يرضخ له من ذلك، فإذا عرفوا عدد الأشهر والأيام التي غاب عن أهله وضيعته، وعلموا ما سعى عليه وما طاف به من أهل البلد أعطوه من ذلك على قدر عناه ومؤنته باجتهاد النظر من غير محاباة ولا إثرة، فيستسلم المعطي لذلك ويرضى إذ لم يتولى أموره والنظر فيها إلا أهل الدين والنصيحة الناظرين لله ولأهل دينه. أما شيء مؤقت فلا أعرفه. وكل من ائتمنته فلا تتهمه، ومن إتهمته فلا تأمنه، ولا سيما ما هو من الدين. لا ينبغي أن يتولى القدوة فيها بالناس إلا أهل العلم والصلاح.
পৃষ্ঠা ৪২