عنها وصاحبها أجاب بجواب غير ما أجبت أنا به عنها، فاضطررت لأن أبين خللها فيكون لمن يعتقد فيه الكمال تبصرة وتنبيها للغافلين عن مقامات هؤلاء وتذكرة ويبصر الحق من كان ذا عينين ويصغي للصدق من كان ذا أذنين، وأناقشهم على الكثير والقليل ولو مقدار النقير والقطمير والفتيل، فإن وجدت الحق أعترف به ولا أبخس صاحبه الكيل والميزان؛ لأن البخس ليس من شيم المنصفين من بني الإنسان، ونسأل الله تعالى الإعانة على تمام المؤمل وأن يخلص منا النية في القول والعمل إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة والإعطاء جدير
(تنبيه) ولا بد قبل الشروع في الجواب عن الأسئلة من تقديم نبذة مهمة تكون مفتاحا للدخول في رياض الأجوبة عن الأسئلة وبها يزول اللبس عن الناظر والغين إلا على من اعتاد التشكيك للخلق، وكان قلبه مطبقا بظلمات الرين والله الهادي من يشاء إلى الحق وإلى طريق مستقيم
(النبذة) لا يخفى على ذي لب مصيب وذهن ثاقب أن الأشياء من حيث هي تنقسم من حيث إدراك كنهها إلى أقسام: منها ما لا يدرك كنهه لا بالعقل ولا بالنقل، ومنها ما يدرك كنهه بالعقل ويكون النقل مؤكدا له، ومنها ما لا يدرك كنهه إلا بالنقل والعقل في عقال عنه حيث إنه لا سبيل له ولا واسطة لإدراكه كنه ذلك الشيء، فالقسم الأول هو ذات الله تعالى - تنزه ربنا عما يختلج في العقول من الظنون والأوهام - لا يعلم ذات الله تعالى إلا هو (١) والأدلة على ذلك كثيرة، والقسم
_________
(١) (قوله والأدلة إلخ) قال أبو عبد الله عمرو بن عثمان المكي كل ما توهمه قلبك أو سنح في مجاري فكرك أو خطر في معارضات قلبك من حسن أو بهاء أو أنس أو ضياء أو جمال أو شبح أو نور أو شخص أو خيال فالله ﷿ بخلاف ذلك كله هو أجل وأكبر وأعظم ألا تسمع لقوله تعالى: ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾ وقال: ﴿لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد﴾ وقال العلامة المحقق أحمد بن المبارك في كتاب الإبريز مما تلقاه عن شيخه صاحب الكشف الصحيح والحق الصريح القطب الدباغ سيدي عبد العزيز - نفعنا الله بأسراره - ما نصه: إنما تنزه جل وعلا عن أن يشبه بشيء من المخلوقات؛ لمخالفته جل شأنه لما يصوره الفكر؛ لأن الفكر لا يصور إلا ما هو مخلوق له تعالى فكل ما في الفكر له مثل، والله لا مثل له، فقلت له: إن الفكر يصور إنسانا مقلوبا يمشي على رأسه، فقال ﵁: والله لقد شاهدته يمشي كما تصوره الفكر ويده ساترا بها فرجه بمنزلة الحجاب له ولا يزيلها إلا إذا أراد قضاء حاجته من حدث أو جماع، ولقد جلست يوما مع سيدي محمد بن عبد الكريم البصري فقال لي: تعال نصور في أفكارنا أغرب صورة، ثم ننظر في مخلوقات الله تعالى أهي موجودة أم لا، فقلت له: صور ما شئت، فقال: نصور مخلوقا يمشي على أربع وهو على صورة جمل وظهره كله أفواه وعلى ظهره صومعة على لون مخالف للونه صاعدة إلى فوق وفي رأسها شرافات من شرافة منها يبول ويتغوط، ومن شرافة أخرى يشرب وبين الشرافات صورة إنسان برأسه ووجهه وجميع جوارحه، فما فرغ من تصويره حتى رأينا هذا المخلوق ومنه عدد كثير، وإذا بالذكر منه ينزو على الأنثى فتحمل منه وفي عام آخر تنزو عليه الأنثى بأن ينقلب الحال فيرجع الذكر أنثى، والأنثى ذكرا وهذا من أغرب ما يسمع والله أعلم ا. هـ وإلى ما سبق أشار بعض العارفين بقوله:
حقيقة المرء ليس المرء يعرفها ... فكيف معرفة الجبار في القدم
وقوله: إن الفكر يصور إنسانا إلخ أي ذاتا من غير نوع الإنسان تكون على الهيئة المذكورة حتى لا ينافي أن صورة الآدمي هي أشرف الصور فلا تكون على هذا القلب كما سيأتي إن شاء الله تعالى
1 / 5