آخر حسبما يتبين لك إن شاء الله تعالى، فالإنسي إذا جرينا على أنه يوسوس في صدور الإنس لا يحتاج إلى جعل خرطوم له ومنقار يوضع على القلب حتى تصل وسوسته إلى القلب كما احتيج إلى ذلك في الوسواس غيره؛ لأن طريق وصول وسوسته إلى القلب أذن الرأس، وهذا أمر لا يكاد يخفى على صغار الطلبة، فضلا عن المشايخ، فضلا عن مجتهد بدعواه، فتبين بيان الشمس في رابعة النهار أن لا احتياج إلى جعل خرطوم للإنسي، وأن لا تعجيز، فافهم ولا تكن أسير التقليد فيما يؤخذ ويرد بالعقل.
والخطأ الضمني قوله "والموسوسين"، وذلك أن ابن عباس ﵄ فسر الناس بالخلق في قوله تعالى ﴿فِي صُدُورِ النَّاسِ﴾ ليعم الإنس والجن، وجعل قوله ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ بيانا للناس الذي فسره بالخلق، وعليه فيكون الوسواس من غير الإنس قطعا، وعليه فلا يحتاج إلى قوله "وإلا فليجعلوا ... إلخ"؛ لأن الوسواس غير الإنس مسلم له الجعل شرعا. تفهم ولا تغتر بصيته؛ لأنه على حد قولهم:
تسمع بالمعيدي خير من أن تراه
(الثالثة) تجرؤه وتهوره في شأن الناقلين لكيفية الوسوسة واتهامهم بالتجرؤ على الغيب وتكذيبهم فيما نقلوه عن سيد الخلق ﷺ حيث لم يصل عقله إلى ذلك، فهو من الجماعة -والله أعلم- الذين يقولون: إن أحكام الدين كلها معقولة المعنى، وما كان منها على خلاف العقل فليس من الدين. وهؤلاء لا نصيب يذكر لهم في الدين؛ لجهلهم بأحكام الدين، وإلا لو علموها لأقروا بأن كثيرا منها متعبد به غير معقول المعنى لنا، اتهم بما قال ورد ما نقلوه تهجما على الغيب حيث لا مستند له
1 / 30