إذا استطاع، أيها الصديق، شبح أمير راحل أن يعود فيتفقد الأماكن الفخمة التي شادها في أيامه الهانئة، وتركها لولد حبيب، فوجدها قد تهدمت بأيدي الأعداء، وصارت أطلالا؛ فماذا يكون شعوره؟ ذلك حالي، وا أسفاه!
الرسالة الحادية والستون
3 سبتمبر
طالما حرت في أمري؛ فلم أفهم كيف تستطيع أن تحب غيري، كيف يحق لها أن تحب غيري، بينا تحكم وحدها في هذا القلب، بينا يحتكر خيالها الجميل كل فكر، ويطرد كل ما عداه من الخواطر.
الرسالة الثانية والستون
الوقت وقت الحصاد، والطبيعة زاهية، ولكن كل ما في معتم كالشتاء، ومتى اصفرت أوراق الأشجار، وسقطت في الخريف، فسيبيض شعر رأسي، ويتساقط ملء اليد. بصري آخذ في الضعف، وكدت أفقد سمعي وكل حواسي، إلا «الشعور»؛ فهو باق متضاعف الحدة.
ذكرت لك في رسالة
1
سابقة شابا قرويا لقيته صدفة في أول مجيئي إلى هنا، وقد علمت بسؤالي عنه أنه عزل من عمله، ولم أتمكن من معرفة أكثر من ذلك عنه، واتفق أمس أن لقيته في الطريق المؤدي إلى القرية المجاورة، فحييته بسرور وشوق، حتى أخذ حالا يحدثني بقصته المحزنة، محزنة حقا كما سيرى صديقي حين يقرؤها، ولكن لم أقلق صديقي بكل حادث يؤلمني؟ لم أولمه؟ لم أجلب شفقته واستياءه؟ ولكن قدر لي أن أجر الشقاء لكل من يعرفني.
وكان في بادئ الأمر متكتما، ولكن صراحته العادية عاودته كما لو تذكرني فجأة، فأخذ بملء الصدق يعترف بخطيئاته ويسرد مصائبه، وإنني لأود لو أنقل إليك كلماته بنغماتها، والكيفية التي نطقت بها، بالانفعال الثائر، والحب الهائج الحار الذي منعه من الزاد والشراب والرقاد، والذي جعله عاجزا عن العمل، فإذا أراد عمل شيء نسيه حالا، وقد يأتي ضده تماما، وكانت عشيقته تعذله أبدا وتلومه، ولكنه تخيل ذلك الصوت الذي يعنفه عذبا فكان سعيدا. وحدثني أن روحا شيطانية قد أخذت بتلابيبه، وأغرته أخيرا على إتيان ما كان من الواجب عليه تجنبه؛ ففي ذات يوم تبع، أو بالأحرى دفع ليتبع عشيقته إلى مخدعها، ولما رفضت رجاءه واستعطافه أغوي - بطريقة لا يعلمها - أن ينال رضاها بالقوة اللينة، وقد أقسم لي أن أغراضه كانت دائما شريفة، وأن الزواج كان ما أمل، وأن في هذا الأمل قد انحصرت كل أمانيه في السعادة، واعترف بعد بعض التردد بما منحته له من الامتيازات، ثم خاف أن يكون قد صرح بالكثير، فأخذ يدافع عن سلوكها قائلا إن حبه كان جائرا ملتهبا، وكانت حالته مؤثرة جدا حتى لتعجز الكلمات عن تصويرها، ولو أن خياله لا يزال ماثلا أمام عيني، ولو رأيته لأشفقت عليه وغفرت له ذنبه، وإنني لأرى نفسي مهتما بأمره، ولكن لم أثير رحمتك به وأنت تعرف شخصا يشبهه في جده؟
অজানা পৃষ্ঠা