فأدرك غرضها، فقال «فهمت. أما هذا المغرور الذي يتطاول إليك فإنه لن يحصل منك على قلامة ظفر، ومهما يكن من طول باعه عند صاحب الخراج فإن صاحب مصر أطول باعا وأرفع مقاما.» وحانت منها التفاتة فرأت العم زكريا مسرعا نحوها يقول: «إن الرجل آت.» قالت: «أي رجل؟»
قال همسا: «إسطفانوس.»
فلما سمعت اسمه تراجعت وامتقع لونها، ونظرت فرأت إسطفانوس داخلا يتمايل ويزيح الناس بيده ويمشي مختالا، فبغتت حتى كاد الدم يجمد في عروقها.
ولحظ سعيد اضطرابها فهبت فيه الحمية وعزم على التفاني في الدفاع عنها. فتقدم حتى وقف بحيث يعترض إسطفانوس إذا اتجه نحو دميانة، وقد كاد الشرر يتطاير من عينيه. ووصل إسطفانوس يترنح من السكر، فلما وقع نظره على سعيد ثاب إلى رشده وتبخر سكره وثارت الغيرة فيه وأخذته العزة بمنصب أبيه بعد أن رأى الناس يوسعون له ويحترمونه، فأشار إلى سعيد أن يفسح له طريقه فلم يجبه فمد يده وهم بأن يزيحه من الطريق وهو يخاطب العم زكريا وينهره ويقول: «ما هذا الوقوف هنا إلى هذه الساعة؟ إن مولاك ينتظركما وقد غربت الشمس.»
فلما رأى سعيد يد إسطفانوس ممدودة إليه دفعها عنه بعنف فتقهقر إسطفانوس حتى كاد يقع على الأرض وكبر ذلك عليه في مشهد من الناس، فعاد إليه وقد شرع يده كأنه يهدده وقال: «ما هذه القحة؟ أنا لا أخاطبك. امش في سبيلك.»
فدفع سعيد يد إسطفانوس عنه وقال: «امش أنت. عد إلى مكانك حتى تنتهي من سكرك.»
فأكبر إسطفانوس هذه الإهانة، ومد يده إلى جانبه كأنه يحاول أن يستل خنجرا، فابتدره سعيد بلطمة على خده، فدار على نفسه وقلب على ظهره، وكان لوقوعه صوت لفت أنظار الجمهور. فارتبكت دميانة وخافت الفتنة، وأمسكت سعيدا بيده وتوسلت إليه أن يتركه ويمضي لسبيله خوفا من الفضيحة، فقال: «لا خوف عليك ليس للأمر علاقة بك.» وتقدم إسطفانوس وهو يتحفز للقيام وهم بأن يركل بقدمه فتهافت الناس ومنهم من يريد الدفاع عن إسطفانوس لوجاهته عندهم وهم لا يعرفون سعيدا، وأراد بعضهم أن يرده فصاح سعيد: «ارجعوا، والله لولا حرمة هذا المعبد لأرقت دماءكم على بلاطه.»
فتراجعوا وعمدوا إلى اللين وكان إسطفانوس قد نهض ورجع إلى رشده وأدرك عجزه عن مناوأة سعيد، فلجأ إلى الحيلة، فتحول من غضب إلى عتاب، وقال لسعيد: «إني لم أكلمك فلماذا تعتدي علي. إن أبا هذه الفتاة استبطأ غيابها، فكلفني أن أدعوها فكأنك ظننتني أريد بها سوءا، فأخذتك الغيرة عليها لأنك جار أبيها - على ما أذكر - فتعرضت لي؟».
فلما رأى سعيد جبنه واحتياله ازداد احتقارا له، فقال: «مهما يكن السبب فمثلك لا يليق أن يأتي لهذه المهمة وهو يترنح من السكر، فإذا كان أبو الفتاة يطلبها فليأت هو ليأخذها وأنا واقف هنا في خدمتها حتى يصل.»
فضحك إسطفانوس جبنا ورياء وقال: «كأنك لم تصدق قولي. اسأل العم زكريا؛ فإنه يعرفني. ثم إني لم أخاطب السيدة نفسها وإنما خاطبت خادمها.»
অজানা পৃষ্ঠা