ولم يكد يمشي خطوات قليلة حتى سمع مناديا يقول له: «قف عندك وإلا قتلت.»
فلم يجبه وظل ماشيا كأنه يتجاهل وركبتاه ترتعدان وإذا بالرجال أسرعوا إليه وحدثته نفسه بالفرار ولكنه يعلم عجزه عن ذلك لتعبه وضعفه، فرأى أن يقف وقوف المتجلد فالتفت إلى جهة الصوت وقال: «من تعني؟»
فتقدم إليه أربعة رجال علم من قيافتهم لما اقتربوا أنهم من الجند المصري ومعهم ذلك اليهودي وهو يقول: «هذا هو، أمسكوه.»
فنظر زكريا إليه وقال: «تبا لك من خائن!» ثم التفت إلى الرجال وقال: «لا حاجة بكم إلى القبض علي؛ فإني أسير بين أيديكم وأنا أعزل.»
فتقدم أحدهم وبيده حبل وبجانبه رجل آخر وأخذا يشدان وثاقه ويقولان: «قد أمرنا أن نأتي بك موثقا.»
فلما شدوا وثاقه ساقوه بين أيديهم إلى مكان آخر وراء الهرم كانوا قد خبئوا فيه جيادهم فأركبوه أحدها وهم حوله يخفرونه وساروا يطلبون الفسطاط.
ووصلوا إلى الفسطاط في الهزيع الأخير من الليل، فأدخلوا زكريا غرفة منفردة وقاموا بحراسته إلى الصباح. أما هو فمع خوفه على حياته كان يجد تعزية في إنقاذ الأسطوانة من يدي مرقس، فبات بقية تلك الليلة وهو يفكر فيما مر به وكيف وقع في هذه الشراك بعد أن أوشك أن ينجو. وعلم أن المكيدة كلها من ذلك اليهودي وأدرك أنه مرسل من قبل مرقس أو إسطفانوس ليتعقبه واستغرب كيف انطلت عليه حيلته حتى وقع في الأسر، ولكنه شكر الله على نجاة الأسطوانة.
وفي الصباح سمع الباب يفتح ودخل عليه رجل لم يقع بصره عليه حتى أجفل؛ لأنه المعلم مرقس. ولكنه تجلد ولم يبد حراكا، فقال له مرقس: «أهذا جزاء التربية والخبز والملح؟ تفسد علي ابنتي وتفر بها حتى أضاعت مستقبلها وأصبحت شريدة طريدة؟»
فظل زكريا صامتا مطرقا، فحسبه مرقس ندم على عمله، فازداد جرأة عليه فقال: «بماذا أجازيك على هذا العمل إن القتل قليل لجانب ذنبك.»
فرفع زكريا بصره إليه وقال: «إن القتل لا يخيفني ولا أنت تستطيعه، ومن كان مثلك لا يخشى بأسه.»
অজানা পৃষ্ঠা