আহমদ উরাবি জাসিম মুফতারা আলাইহি
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
জনগুলি
وكيف لا يستحي دعاة الاستعمار من أن يلوموا هذا الرجل بالأمس ويتهموه بالفوضى لمجرد أنه شكا أمره إلى رؤسائه، حتى إذا قبضت الحكومة عليه عد ذلك منها عين الصواب، ثم يعودون اليوم فينددون به ويستصرخ بعضهم بعضا عليه لا لشيء إلا لأنه يقدم إلى المحاكمة فريقا ممن يتآمرون على قتله! ألا ما أشد ما تحسه النفس من ضيق وغيظ تلقاء هذه المقارنة بين الموقفين!
واتت الفرصة كلفن ومالت وأشياعهما من الثعالب وبنات آوى، وهيهات أن تواتي الإنجليز فرصة فيضيعوها، لذلك ما كان أسرعهم إلى استغلال الحادث فبدأوا أولا يذكرون التعصب الأعمى، ثم انتقلوا إلى ذكر الفوضى الحكومية، وعدوا ترقية الوطنيين مظهرا من مظاهر الرشوة التي أريد بها التأثير في رجال الجيش كي يكونوا على استعداد عند أول صيحة، ثم رأوا في محاكمة الشراكسة مظهرا من مظاهر الظلم والاستبداد الغاشم قائلين في منطق عجيب ليس مثله في معنى الصفاقة والتبجح: إن المؤامرة وهمية لم توجد إلا في رأس عرابي، وإن الغرض منها لم يكن سوى التخلص من الشراكسة بأي وسيلة، وإن المحكمة العسكرية التي فصلت في الأمر كانت جلساتها سرية فكانت تعمل بما يشير به عرابي، لذلك جاء حكمها في منتهى القوة بحيث لا يقل عن الإعدام، ولم يكفهم ذلك حتى يدعوا في جرأة وفي إمعان في القحة أن عرابيا كان يذهب إلى السجن فيعذب هؤلاء الشراكسة أيام المحاكمة ويشفي غليل نفسه بمنظر ذلتهم وخضوعهم ...
ولقد جعل الأفاكون الخراصون هذه المحاكمة من أكبر سوءات ذلك العهد ومن كبائر خطيئات عرابي، وحذا المؤرخون من الإنجليز حذو الساسة في موقفهم من هذه المسألة، وما كان ينتظر منهم أن يفعلوا غير ذلك، ومن هؤلاء كرومر، وهو رجل كان بحكم صلته برجال ذلك العهد جميعا يعلم حقيقة الأمر، ومع ذلك طاوعه ضميره على أن يقول في كتابه «لم يظهر دليل جدير بالتصديق ولا ظهر دليل على أن تهمة المؤامرة كانت تهمة حقيقية، وكان حكم المحكمة العسكرية وثيقة وحشية تحمل طابع المظاهرة السياسية أكثر مما تحمل طابع الحكم القضائي، وكان عرابي كثير الظنون شأنه في ذلك شأن كل جاهل من الرجال، ولم تعش المؤامرة على قتله إلا في خياله هو فحسب.»
هذا الذي شاء أدب كرومر أو على الأصح شاءت سخيمته أن يكتبه مع علمه باعتراف بعض المتآمرين بالتهمة ...
ولقد أخذ بعض المؤرخين من المصريين هذا الكلام المرسل على عواهنه وشايعوا الإنجليز - وا أسفاه - في رأيهم هذا في عرابي كما شايعوهم في غير هذا من الآراء، الأمر الذي يؤلم النفوس أكبر الألم، فليس يعنينا ما يقول خصوم الوطن وخصوم عرابي، ولكنا نضيق كل الضيق أن تجوز الأباطيل على المصريين في رجل منهم، ومن هنا ضاع تاريخ عرابي وأنكره بنو قومه، ونجح الاحتلال في مآربه فساق الجيل الذي خلف جيل عرابي كما يحب، فأضاف هؤلاء إلى عيب خضوعهم للدخيل فضيحة مشايعته فيما يسبهم به في شخص بطل من أبطالهم! ...
ويجدر بنا أن نضع أمام عيني القارئ بعض ما كتبه الشيخ محمد عبده تعقيبا على المؤامرة ... قال في كتابه إلى بلنت: «كانت الوزارة يخالجها منذ زمن طويل شبهات عما عسى أن ينجم من شر، فمنذ أن عاد راتب أول مرة إلى مصر، طلب البارودي رئيس الوزراء الحالي وكان يومئذ وزير الحربية، من شريف باشا في حضرة الخديو إخراج راتب، فقد داخلته الريبة بسبب أن راتبا ترك الخديو السابق فجأة في نابلي، ولكن شريفا رفض ذلك على الرغم من أن البارودي حمله تبعة ما عسى أن يقع من الحوادث يوما ما، وكان ذلك لأن راتبا كان صهر شريف، وربما كان شريف لذلك يرى رأيه في العمل على إعادة إسماعيل.»
ثم قال الشيخ محمد عبده: «وقد أحدث هذا الحادث شيئا من الهياج بين عامة الناس. إن كل امرئ يعلم أن حياة عرابي معرضة للخطر كل يوم كحياة غيره، كما أنه لا يتفق لرجل مهما يكن من عظمته ألا يكون بين الناس من يريده بالسوء، ولكننا لا يسعنا إلا أن نضحك إذا أعلن أن إنجلترا على وشك الفوضى لأن أحد المجانين من المدنيين أو من العسكريين حاول قتل ملكتكم.»
وليت هؤلاء المغرضين قد اقتصر أمرهم على الكذب والاتهام، فلم يخطوا تلك الخطوة النكراء التي أكدت القطيعة بين الخديو والوزراء وعجلت الكارثة للبلاد، وما كانت ادعاءاتهم إلا مقدمة بدأوا بها ما كانوا يبيتون من المكر السيئ ... يقول في ذلك بلنت: «وفي تلك الأثناء بلغت الحوادث في مصر مبلغا عظيما من الحرج بسبب المؤامرة الشركسية التي وصلت أنباؤها لندن في الأسبوع الثالث من أبريل، ولم أعرها أول الأمر كثيرا من الاهتمام، وأخذتها على أنها إحدى الشائعات التي كانت تذاع يومئذ، ولكن سرعان ما أصبحت ذات خطر كبير لا من حيث هي في ذاتها، ولكن بوجه خاص لأنها أمدت رجالنا السياسيين بالفرصة التي طالما ترقبوها، لكي يوقعوا الخلاف الصريح بين الخديو ووزرائه، وكان مالت يومئذ قد خضع تمام الخضوع لكلفن، وصار منذ ذلك الحين يهتدي في حركاته حتى النهاية بما يعرض كلفن من آرائه الإنجليزية الهندية.»
عرض قرار المحكمة العسكرية على الخديو فأسقط في يده، أيوافق على هذا الحكم فيظهر أمام الإنجليز أنه يظاهر وزراءه فيخسر الذين يظاهرونه هو، أم يرفض التصديق عليه فيرضي الإنجليز ويقضي على كل أمل في إرضاء عواطف الوطنيين؟
وكان مالت قد أشار عليه برفض هذا الحكم الذي ينطوي على القسوة والظلم على حد قوله، وللقارئ أن يقدر مبلغ ما في هذا التدخل من تطفل وقحة؛ إذ ما شأن مالت وهذا الحكم مهما كان ظالما كما يزعم؟ وإنهم ليعلمون أن جلسات المحاكم العسكرية كانت سرية حتى في عهد المراقبة، وأن الخديو لا يملك رفض أحكامها، وكل ما له من حق في هذا الصدد هو تخفيف تلك الأحكام بعض الشيء بعد التصديق عليها ...
অজানা পৃষ্ঠা