وهذا هو الفرق بين الأديان وبين أحلام الفلاسفة؛ فالأديان جعلت تبديل الوسط رهنا بتبديل الفرد، فاستطاعت أن توجد هيئته الاجتماعية مسلمة أو مسيحية أو يهودية، ولكن طوبيات الفلاسفة - وخاصة في القرن التاسع عشر - لم تبال بالفرد أقل مبالاة، وإنما عنيت بالوسط.
ففي القرن التاسع عشر نجد صيحات إصلاحية عديدة أعلاها نبرة هي صيحة الإصلاح الاقتصادي، ولكن منها أيضا ما كان يدعو إلى إصلاح الحكومة أو التربية أو نحو ذلك من ملابسات الوسط الذي يعيش فيه الإنسان، وكلها خالية من شرطين أساسيين لنجاح أية دعاية:
الشرط الأول:
أن الغاية لم تكن واضحة، هل هي الصحة أو الجمال أو حسن الإدارة أو كثرة المال، وهب أن هذه الأشياء كانت - هي أو بعضها - غاية ذوي الأحلام من الفلاسفة، فهل كانت تؤدي إلى السعادة والرقي؟
الشرط الثاني:
أنها كانت خلوا من إيجاد أية وسيلة لتغيير الفرد، فإن الأديان غيرت قلوب الناس، وتمكنت بذلك من إنفاذ ما حسبته إصلاحا، ولكن الطوبويين لم يغيروا شيئا من قلوب الناس تمهيدا لقبولهم برامجهم.
وجمهور الناس في كل أمة ليسوا عامة فقط، بل أوباش، يميلون إلى القرد أكثر مما يميلون إلى السبرمان؛ ومن هنا تلك السهولة التي يملك بها زمامهم خطيب مفوه أو طاغية ماكر أو ولي أبله؛ لأن هؤلاء يخاطبون عواطفهم التي تستجيب إلى خطابهم، أما الفيلسوف الذي يخاطب فيهم عقولهم فلا يجد فيهم ملبيا، والعواطف أقدح وأرسخ في طبيعتها من العقل، وهي إذا طمت بنا طغت على العقل.
وعلى ذلك نقول: إن الطوبيات الأرضية لن يفلح أصحابها في تحقيقها ما لم يغيروا نفوس الأفراد، وليس هذا بالشيء العظيم كما يتصور القارئ؛ فقد استطاع الدين أن يغير قلوبهم، فلم لا تغير اليوجنية عقولهم بمنع البله والضعفاء من التناسل، حتى يرتقي الإنسان جيلا بعد جيل، فيتمشى رقي الوسط مع رقي الإنسان نفسه؟
وخلاصة فصلنا هذا أن الطوبيات قد تطورت ثلاثا: (1)
طوبى العامة التي نراها في أحاديثهم القديمة والحديثة، وهي سلواهم تكمل لهم ما نقصهم من حقائق الحياة . (2)
অজানা পৃষ্ঠা