1
الإنجليزي، وكان وزيرا لهنري الثامن، فلم يكن حلمه مبنيا على أسس الخيال، فقد خبر الدول وعرف من ممارسته الطويلة للسياسة بعض حقائق الطبيعة البشرية؛ فهو لذلك يتخيل، ولكنه يبني خياله على أساس من الحقائق.
وبطل حلم توماس مور برتغالي يدعى «هيتلوداي» كان يعرف الإغريقية، وقد اعتاد المجازفات الفكرية من فلاسفة هذه اللغة، ولكنه لم يكن رجل كتب فقط، فقد عرف رجلا يدعى «فسيوتيوس» زار معه أمريكا الشمالية والجنوبية وجزائر الهند الشرقية، وهناك رأى بلادا تخالف ما ألفه في بلاده من حيث المؤسسات والنظم وتركيب الهيئة الاجتماعية؛ فهو لذلك يروي ما رآه في هذه الرؤيا.
يقول هيتلوداي: إنه زار جزيرة طولها مائتا ميل، قد خطت في وسط المحيط بهيئة الهلال يتقوس حول خليج كبير؛ بحيث يسهل الدفاع عنها من غارة أو عدو، وبالجزيرة 45 مدينة، أقربها تبعد عن الأخرى بمقدار 24 ميلا، وأبعدها تكون على مسيرة يوم منها، وعاصمة الجزيرة بلدة تدعى «أموروط»، ولكل بلدة اختصاص قضائي على ما حولها من الأرض إلى ما يبعد عنها بعشرين ميلا.
والزراعة هي أساس المعيشة في هذه الدولة، فليس فيها من يجهل هذه الصناعة، فهناك فلاحون يقضون كل حياتهم في الحقول، لهم دساكرهم منبثة في الريف، ولكن عند الحصاد يرسل عمال من المدن لمساعدة الفلاحين، وكل دسكرة تحتوي على أربعين رجلا وأربعين امرأة، وفي كل عام يعود عشرون من هذا العدد إلى المدينة ويستبدل بهم عشرون آخرون يرسلون من المدينة إلى الدسكرة كي يتعلموا الفلاحة.
والفلاحة متقدمة من وجهيها الاقتصادي والإنتاجي، فهم يعرفون كيفية إنتاج الدجاج بطريقة صناعية، ويعرفون مقدار الطعام المطلوب لأهل الجزيرة فيزرعون ما يكفي أو ما يفيض قليلا عن الكفاية.
ومع أن جميع سكان الجزيرة يعرفون الفلاحة، وقد مارسوها بعض عمرهم، فإنهم جميعهم يعرفون صناعة أخرى يزاولونها، كالبناء والتجارة والحدادة والحياكة، وجميع الصناعات متساوية القيمة فلا تفضل واحدة أخرى، والناس يتبعون آباءهم في الصناعات، فالصناعة تمارسها العائلات لا الأفراد، وإذا مال واحد إلى صناعة تخالف ما يزاوله أبوه ذهب إلى عائلة أخرى فتتبناه العائلة، ويأخذ في تعلم صناعتها، ويمكنه - إذا أراد - أن يتعلم صناعة أخرى باتباع هذه الطريقة نفسها، ثم له أن يختار ما شاء منهما.
وينحصر عمل القضاة تقريبا في إجبار الناس على العمل. وليس معنى هذا أن أهل الجزيرة يكدون أنفسهم ليل نهار، فإن لهم توقيتا للعمل والراحة، فهم ينامون ثماني ساعات، ويشتغلون ستا ويتصرفون بسائر اليوم كما يشاءون، وهم يشتغلون هذا العدد القليل من الساعات لأن كل إنسان مجبر على العمل، فليس بينهم أشراف أو أمراء أو شحاذون يعيشون عالة على غيرهم، ولا يعفى من هذا الإجبار سوى الطالب في المدرسة أو القاضي.
وبين المدينة ودساكر القرى مقايضة تحدث باحتفال عام كل شهر، فيأخذ الفلاحون ما يحتاجون إليه من صناعة أهل المدن ويأخذ أهل المدن ما يحتاجون إليه من غلات الريف، ولا بد أن لهذه المقايضة نظاما، ولكن هيتلوداي لم يذكر هذا النظام.
والمدينة مؤلفة من عائلات، والصناعة كما قلنا تمارسها العائلة لا الفرد، قال هيتلوداي: «كل مدينة مقسمة أربعة أقسام، وفي وسط كل قسم سوق، فما تحضره العائلات من مصنوعاتها يؤخذ ويصف كل إلى نوعه في أمكنة خاصة، ثم يذهب الآباء ويأخذون حاجاتهم من هذه الأشياء بدون أن يدفعوا ثمنه أو يضعوا شيئا بدلا منه على سبيل المقايضة.» «وليس هناك ما يدعو إلى أن ينكر على أحد طلبه؛ وذلك لوفرة ما هو معروض من هذه الأشياء؛ ولأنه لا خوف من أحد أن يأخذ أكثر من حاجته؛ إذ ليس هناك ما يغريه بذلك؛ لأنه متأكد من وجود هذه الأشياء على الدوام.»
অজানা পৃষ্ঠা