Ahkam al-Lams fi al-Taharah
أحكام اللمس في الطهارة
প্রকাশক
الجامعة الإسلامية
প্রকাশনার স্থান
المدينة المنورة
জনগুলি
أحكام اللّمس في الطّهارة
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ١.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ٢
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ ٣.
أما بعد:
فإن التفقه في الدين أمر يجلُّ قدره، ويعظم شأنه، نوه الله تعالى بفضله في محكم تنزيله، فقال ﷿: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين﴾ ٤ وجعل رسول الله ﷺ الخيرية في التفقه في الدين حيث قال: "من يرد الله به
_________
١ آية: (١٠٢) من سورة آل عمران.
٢ آية: (١) من سورة النساء.
٣ آية: (٧٠) و(٧١) من سورة الأحزاب.
٤ آية: (١٢٢) من سورة التوبة.
1 / 205
خيرًا يفقهه في الدين" ١ فتبين بذلك ما للفقه في الدين من مكانة ومنزلة مرموقة، فأشرف العلوم علوم أحكام أفعال العباد، إذ الله لم يخلق الخلق عبثًا بل خلقهم لتحقيق أسمى الغايات وهي العبادة ولا يتحقق ذلك إلا بالتفقه في الدين ألا وإن من الأمور التي ينبغي للمرء معرفتها وفقهها أحكام اللمس ما تنتقض به الطهارة فلا تصح معه العبادة وما لا تنتقض به، فأحببت أن أفرد هذا الموضوع ببحث مستقل أبين فيه مباحثه ومسائله وما يتعلق به سائلًا الله ﷿ الإعانة والتوفيق.
_________
١ أخرجه البخاري ١/٢٥، ٢٦ في كتاب العلم باب من يرد الله به خيرًا يفقهه من حديث معاوية ﵁.
1 / 206
خطة البحث
قسمت هذا البحث إلى مقدمة، وتمهيد، وثلاثة فصول:
المقدمة:
وتشتمل على الافتتاحية، وخطة البحث ومنهجه.
التمهيد:
ويشتمل على تعريف اللمس والفرق بينه وبين المس ومفهومهما في الكتاب والسنة.
الفصل الأول:
في لمس العورة، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: في لمس الفرج، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في لمس الرجل فرجه.
المطلب الثاني: في لمس فرج الغير.
المطلب الثالث: في لمس المرأة فرجها.
المبحث الثاني: في لمس غير الفرج من العورة، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في لمس الدبر.
المطلب الثاني: في لمس الأنثيين والألية والعانة.
المطلب الثالث: في لمس فرج البهيمة.
المبحث الثالث: في كيفية اللمس، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في اللمس ببطن الكف وبظهره.
المطلب الثاني: في اللمس بقصد وبغير قصد.
المطلب الثالث: في اللمس من وراء حائل.
1 / 207
الفصل الثاني:
في لمس غير العورة من البدن، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: في لمس المرأة والرجل، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: في لمس الرجل للمرأة والمراة للرجل.
المطلب الثاني: في لمس الأمرد.
المطلب الثالث: في لمس الرجل للرجل.
المطلب الرابع: في لمس المرأة للمرأة.
المبحث الثاني: في لمس المحارم والصغير وما اتصل بالجسم ووضوء الملموس، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في لمس المحارم والصغيرة.
المطلب الثاني: في لمس ما اتصل بالجسم كالشعر والظفر والسن.
المطلب الثالث: في وضوء الملموس.
الفصل الثالث:
في لمس الميت والمصحف، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: في لمس الميت، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في لمس الميت أثناء تغسيله.
المطلب الثاني: في لمس الميت أثناء حمله أو غيره.
المبحث الثاني: في لمس المصحف، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في لمس المصحف باليد مباشرة.
المطلب الثاني: في حمل المصحف بدون ملامسته باليد مباشرة.
الخاتمة
1 / 208
منهج البحث
سلكت في إعداد هذا البحث المنهج الآتي:
١-جمعت المادة العلمية المتعلقة بأحكام اللمس في الطهارة.
٢-درست المسائل الواردة في هذا البحث دراسة موازنة، وحرصت على بيان المذاهب الأربعة في كل مسألة، وقد أذكر في المسألة أقوال بعض الصحابة والتابعين وغيرهم من الفقهاء كما أنني ذكرت قول الظاهرية في بعض المسائل مراعيًا في ذلك الترتيب الزمني بين الفقهاء.
٣-حرصًا مني على إخراج المسائل بأسلوب مبسط، يسهل معه معرفة الحكم في المسألة، صدرتها بالإجماع إن كانت من المسائل المجمع عليها، كما أنني إن رأيت الخلاف ليس قويًا في المسألة صدرت المسألة بقول أكثر أهل العلم وبعد ذلك أشير إلى القول المخالف ثم أذكر أدلة كل قول وما قد يرد عليه من نقاش إن وجد، ثم أختم المسألة بالقول الراجح وقد أؤخر المناقشة مع الترجيح.
٤-حرصت على نقل أقوال الفقهاء من مصادرها الأصلية.
٥-ذكرت أرقام الآيات القرآنية الواردة في البحث مع بيان أسماء سورها.
٦-خرجت الأحاديث الواردة في البحث مبينًا الكتاب والباب والجزء والصفحة، فإن كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيت بتخريجه منهما أو من أحدهما، وإن لم يكن فيهما أو في أحدهما اجتهدت في تخريجه من كتب السنة الأخرى مع ذكر درجة الحديث صحة أو ضعفًا معتمدًا على الكتب التي تعنى بذلك.
٧-بينت معاني الكلمات التي تحتاج إلى بيان معتمدًا على الكتب التي تعنى بذلك.
1 / 209
٨-لم أترجم للأعلام الواردة في البحث خشية الإطالة.
٩-بينت في نهاية البحث في الخاتمة أهم النتائج التي توصلت إليها.
١٠-وضعت فهرسًا للمصادر التي اعتمدت عليها مرتبًا حسب الحروف الهجائية، وآخر للموضوعات.
1 / 210
التمهيد
في التعريف باللمس والفرق بينه وبين المس واللمس في الكتاب والسنة.
تعريف اللمس في اللغة:
لمس: بفتح فسكون مصدر لمس الشيء، أمسه بيده فهو لا مس، ولمس المرأة باشرها.
واللام والميم والسين أصل واحد يدل على تطلب شيء ومسيسه أيضًا. تقول: تلمست الشيءإذا تطلبته، ويأتي بمعنى الحس.
وقال ابن الأعرابي: اللمس قد يكون مس الشيء بالشيء ويكون معرفة الشيء وإن لم يكن ثم جوهر.
وقال الراغب الأصفهاني: "اللمس مطلقًا؛ لأنه يقال المس إدراك بظاهر البشرة، واللمس والملامسة المجامعة مجازًا"١.
تعريف اللمس في اصطلاح الفقهاء:
هو: قوة منبثقة في جميع البدن تدرك بها الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ونحو ذلك عند التماس الاتصال به٢.
وقيل هو: إلصاق الجارحة بالشيء وهو عرف باليد؛ لأنها آلته الغالبة
_________
١ انظر: تاج العروس ٤/٣٤٣، معجم مقاييس اللغة ٥/٢١٠، لسان العرب ٩/٢٠٩ مفردات ألفاظ القرآن ٧٤٧، المصباح المنير ٢/٦٧٧، المعجم الوسيط ٢/٨٣٨.
٢ انظر: التعريفات للجرجاني ص: ١٩٣.
1 / 211
،ويستعمل كناية عن الجماع١.
وقيل هو: أن يلمس الرجل بشرة المرأة والمرأة بشرة الرجل بلا حائل بينهما٢.
وقيل: حقيقة اللمس ملاقاة البشرتين٣.
وكما هو واضح من هذه التعاريف كلها تدل على أن المراد من اللمس ملاقاة البشرتين.
الفرق بين اللمس والمس:
ذُكرت بعض الفروق بين اللمس والمس ومن ذلك:
أن مطلق التقاء الجسمين يسمى مسًا، فإن كان بالجسد سمي مباشرة، وإن كان باليد سمي مسًا، وإن كان بالفم على وجه مخصوص سمي قبلة٤.
أن المس كاللمس لكن اللمس قد يقال لطلب شيء وإن لم يوجد والمس يقال فيما يكون معه إدراك بحاسة اللمس٥.
أن اللمس لصوق بإحساس، والمس أقل تمكنًا من الإصابة وهو أقل درجاتها.
أنه يكنى بالمس عن النكاح والجنون، ويقال في كل ما ينال الإنسان من أذى مس، ولا اختصاص له باليد لأنه لصوق فقط، وهذا بخلاف اللمس فإنه
_________
١ انظر: أحكام القرآن لأبن العربي المالكي ١/٤٤٣.
٢ انظر: المهذب ١/٢٣.
٣ انظر: المغني ١/٢٥٨.
٤ انظر: تاج العروس ٤/٣٤٣، شرح منظومة المرشد المبين ١/٩٣٩.
٥ انظر: مفردات ألفاظ القرآن ص: ٧٦٦ و٧٦٧، المصباح المنير ٢/٦٧٧.
1 / 212
يكون باليد١.
أن اللمس أخص من المس إذ لا يطلق إلا على مس لطلب معنى من حرارة مثلًا.
أن المس لا يكون إلا بباطن الكف، واللمس يكون بأي جزء من البدن.
أن المس يكون من شخص واحد بخلاف اللمس فإنه لا يكون إلا بين اثنين.
أن المس يختص بالفرج بخلاف اللمس فلا يختص به٢.
مفهوم اللمس في القرآن الكريم:
ورد ذكر اللمس والمس في عدة آيات من القرآن الكريم:
١- قول الله تعالى: ﴿أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ ...﴾ ٣.
٢- قول الله تعالى: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ﴾ ٤.
٣- قول الله تعالى: ﴿قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا ...﴾ ٥.
٤- قول الله تعالى: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا﴾ ٦.
_________
١ انظر: الكليات ٤/١٧٥، الأشباه والنظائر ص: (٥١٥) و(٥١٦) .
٢ انظر: تفسير القرآن العظيم ٢/٢٧٦-٢٧٧، غاية المرام ٢/٩٤، المباشرة وأثرها في نقض الطهارة ص: ١٩.
٣ آية: (٤٣) من سورة النساء، وآية: (٦) من سورة المائدة.
٤ آية: (٧) من سورة الأنعام.
٥ آية: (١٣) من سورة الحديد.
٦ آية: (٨) من سورة الجن.
؟؟
؟؟
؟؟
؟؟
1 / 213
واللمس في القرآن الكريم ليس مقصورًا على معنى واحد أو مفهوم واحد فإنه يكنى به عن النكاح حيث يقال مسَّها وماسها ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ ١ والمسيس كناية عن النكاح.
ويكنى به عن المس بالجنون قال تعالى: ﴿الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ ٢.
والمس يقال في كل ما ينال من أذى كقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾ ٣.وكقوله تعالى: ﴿مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ﴾ ٤.
وكقوله تعالى: ﴿ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ﴾ ٥.
ويكنى باللمس عن الجس باليد كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ﴾ ٦.
ويكنى باللمس عن الطلب كقوله تعالى: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا﴾ ٧.
ويطلق اللمس والمس على المباشرة في الفرج ومنه قوله تعالى: ﴿وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ ٨.
_________
١ آية: (٢٣٧) من سورة البقرة.
٢ آية: (٢٧٥) من سورة البقرة.
٣ آية: (٨٠) من سورة البقرة.
٤ آية: (٢١٤) من سورة البقرة.
٥ آية: (٤٨) من سورة القمر.
٦ آية: (٧) من سورة الأنعام.
٧ آية: (٤) من سورة الجن.
٨ آية: (٢٨٧) من سورة البقرة.
1 / 214
أما قوله تعالى: ﴿أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ ١. وقريء: ﴿أو لمستم النساء﴾ ٢. فاختلف المفسرون والأئمة في معنى ذلك على قولين:
أحدهما: أن ذلك كناية عن الجماع.
الثاني: أن المراد بذلك: كل لمس بيد كان أو بغيرها من أعضاء الإنسان.
قال ابن جرير: "وأولى القولين بالصواب قول من قال عنى الله بقوله: ﴿أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ الجماع دون غيره من معاني اللمس لصحة الخبر٣ عن رسول الله ﷺ: "أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ" ٤.
وفسره بذلك حبر الأمة ابن عباس ﵄ الذي علمه الله تأويل كتابه واستجاب فيه دعوة رسوله ﷺ وتفسيره أولى من تفسير غيره لتلك المزية٥.
_________
١ من آية: (٤٣) من سورة النساء، ومن آية: (٦) من سورة المائدة.
٢ انظر: معالم التنزيل ١/٤٣٣، تفسير القرآن العظيم ٢/٢٧٥.
٣ انظر: جامع البيان في تفسير القرآن ٤/١٠٢، تفسير القرآن العظيم ٢/٢٧٥.
٤ أخرجه أحمد في المسند ٦/٢١٠، وأبو داود ١/١٢٤ في الطهارة باب: الوضوء من القبلة والترمذي ١/١٣٣ في الطهارة باب: ما جاء في ترك الوضوء من القبلة، وابن ماجه ١/١٦٨ في الطهارة باب: الوضوء. والنسائي١/١٠٤ في الطهارة باب: ترك الوضوء من القبلة، والدارقطني١/١٣٨، والبيهقي١/١٢٥، وصححه ابن عبد البر في التمهيد٢١/١٧٤،والزيلعي في نصب الراية١/٧٢، والتركماني في الجوهر النقي١/١٢٣ و١٢٧، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه ١/٨٢، وأحمد شاكر في حاشيته على سنن الترمذي ١/١٣٤.
٥ انظر: معالم التنزيل ١/٤٣٣، تفسير القرآن العظيم ٢/٢٧٥و٢٧٦، نيل الأوطار ١/١٩٥.
1 / 215
وبناء على هذا الاختلاف في مفهوم اللمس اختلف الفقهاء في أثر هذا اللمس هل ينتقض به الوضوء أو لا؟ وسيأتي الكلام عليه مفصلًا إن شاء الله في الفصل الثاني من هذا البحث.
مفهوم اللمس في السنة:
ورد ذكر اللمس في عدة أحاديث من ذلك:
١-حديث أبي سعيد الخدري ﵁ أن رسول ﷺ نهى عن المنابذة: وهي طرح الرجل ثوبه إلى رجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه؛ ونهى عن الملامسة والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه١.
قال ابن الأثير: "هو أن يقول: إذا لمست ثوبي أو لمست ثوبك فقد وجب البيع"٢.
٢-حديث ابن عباس ﵄ قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي ﷺ قال له: "لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟ " ٣
٣-ما جاء عن عائشة ﵂ في حديث البيعة أنها قالت: "ولا والله ما مست يده امرأة قط في المبايعة ما يبايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك" ٤.
_________
١ أخرجه البخاري ٣/٢٥ في البيوع باب: بيع المنابذة واللفظ له، ومسلم ٢/١١٥٢ في البيوع باب إبطال بيع الملامسة والمنابذة.
٢ انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر ٤/٢٦١.
٣ أخرجه البخاري ٧/٢٤ في كتاب الحدود باب: هل يقول الإمام لعلك لمست أو غمزت.
٤ أخرجه البخاري ٦/٦١ في كتاب التفسير باب: إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات.
1 / 216
ويظهر من هذه الأحاديث أن اللمس الوارد فيها هو اللمس باليد وهو ليس مقصورًا على ذلك.
بل ورد اللمس بمعنى البحث والتحري ومنه:
١-حديث عائشة ﵂ قالت: "فقدت رسول الله ﷺ ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان"١.
٢-حديث ابن عباس ﵄ في شأن ليلة القدر: أن النبي ﷺ قال: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان"٢.
_________
١ أخرجه مسلم ١/٣٥٢ في الصلاة: باب الركوع والسجود.
٢ أخرجه البخاري ٢/٢٥٤ في كتاب فضل ليلة القدر، باب: تحري ليلة القدر ومسلم ١/٨٢٣ في كتاب الصيام باب فضل ليلة القدر.
1 / 217
الفصل الأول: في لمس العورة
المبحث الأول: في لمس الفرج
المطلب الأول: في لمس الرجل فرجه
...
المطلب الأول
في لمس الرجل فرجه
اتفق الفقهاء على أن من لمس فرجه بغير يده من أعضائه أنه لا ينتقض وضوءه١.
واختلفوا فيمن مس فرجه بيده على قولين:
القول الأول: أن من لمس ذكره انتقض وضوءه، وهو مروي عن عمر ابن الخطاب، وسعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي أيوب الأنصاري، وزيد بن ثابت، وجابر بن عبد الله، وعائشة، وأم حبيبة، وبسرة بنت صفوان، وبه قال مكحول، وسعيد بن المسيب، وعطاء، ومجاهد، وعروة، وسليمان بن يسار، والزهري، ويحيى بن أبي كثير، والشعبي، وأبو العالية، والأوزاعي، والليث.
وهو المشهور من مذهب الإمام مالك والشافعي إذا كان اللمس بباطن الكف، وأحمد في المذهب، وداود وابن حزم٢.
القول الثاني: أن من لمس ذكره لا ينتقض وضوءه، وهو مروي عن علي، وابن مسعود، وعمار بن ياسر، وابن عباس، وحذيفة، وعمران بن حصين، وأبي
_________
١ انظر: الإفصاح ١/١٣٩، مراتب الإجماع ١/٢٢.
٢ انظر: مصنف ابن أبي شيبة ١/١٦٣و١٦٤، السنن الكبرى ١/١٣١، شرح معاني الآثار ١/٧٦و٧٧، الأوسط ١/١٩٥، التمهيد ١٧/١٩٩، الاستذكار ١/٣١، البيان والتحصيل١٨/٤٥،حلية العلماء١/١٤٩،الغاية القصوى١/٢١٦،مغني المحتاج ١/٣، مسائل الإمام أحمد لابنه عبد الله ص: (١٦)، الإنصاف١/٢٠٢، المغني ١/٢٤٠، المحلى ١/٢٣٥.
1 / 220
الدرداء، وهو قول سعيد بن جبير، وطاووس والنخعي، والحسن بن حيي، وشريك، وابن المبارك، ويحيى بن معين، والحسن البصري، وقتادة، والثوري.
وإليه ذهب أبو حنيفة، ومالك في قول، وأحمد في رواية، واختاره ابن المنذر، وابن تيمية١.
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بالأدلة التالية:
١-حديث بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من مس ذكره فليتوضأ" ٢.
_________
١ انظر مصنف ابن أبي شيبة ١/١٦٤و١٦٥، السنن الكبرى ١/١٣١، شرح معاني الآثار ١/٧٦و٧٧، الأوسط ١/٤٥٥، الاستذكار ١/٣١٥، المبسوط ١/٦٦، الأصل ١/٤٦بدائع الصنائع ١/٣٠، اللباب ١/١٤٨، مقدمات ابن رشد ١/٢٩و٣٠، عقد الجواهر الثمينة ١/٥٧، المغني ١/٢٤١، الفروع ١/١٧٩، الإنصاف ١/٢٠٢، مجموع الفتاوى ٢١/٢٤١.
٢ أخرجه مالك في الموطأ ١/٤٢ في الطهارة باب: الوضوء من مس الفرج، والشافعي في مسنده ١/٢١، وأحمد في المسند ٦/٤٠٦، وأبو داود ١/١٢٦ في الطهارة باب: الوضوء من مس الذكر، والترمذي ١/١٢٦ في الطهارة باب: الوضوء من مس الذكر وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي ١/١٠٠، في الطهارة باب: الوضوء من مس الذكر وابن ماجه ١/١٦١ في الطهارة باب: الوضوء من مس الذكر، وابن حبان في الإحسان١/٢٢٠، والبيهقي١/١٢٨، والدارقطني١/١٤٦وصححه، وابن خزيمة١/٢٢، والحديث صححه الإمام أحمد كما في مسائل الإمام أحمد لأبي داود ص ٣٠٩ وصححه ابن حبان، وابن خزيمة، والدارقطني، ونقل الترمذي عن البخاري أنه قال: أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة، وحسنه النووي في المجموع ٢/٣٥. وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير ١/١٢٢: صححه يحيى ابن معين والبيهقي والحازمي. وقال البيهقي: هو على شرط البخاري بكل حال، ونقل عن الإسماعيلي أنه يلزم البخاري إخراجه فقد أخرج نظيره، وصححه الألباني في إرواء الغليل ١/١٥٠.
1 / 221
٢-حديث أم حبيبة ﵂ عن النبي ﷺ أنه قال: "من مس فرجه فليتوضأ" ١.
٣-حديث أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينهما شيء فليتوضأ وضوءه للصلاة" ٢.
_________
١ أخرجه ابن ماجة١/١٦٢في الطهارة باب: الوضوء من مس الذكر، والبيهقي١/١٣٠ والطحاوي ١/٧٥، وقال الحافظ في التلخيص١/١٢٤: أما حديث أم حبيبة فصححه أبو زرعة والحاكم، وأعله البخاري بأن مكحولًا لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان، وكذا قال يحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي أنه لم يسمع منه، وخالفهم دحيم وهو أعرف بحديث الشاميين، فأثبت مكحول من عنبسة، وقال الخلال في العلل: صحح أحمد حديث أم حبيبة. أخرجه ابن ماجة من حديث العلاء بن الحارث عن مكحول. وقال ابن السكن: لا أعلم به علة. وقال الألباني في إرواء الغليل ١/١٥١: والحديث صحيح على كل حال؛ لأنه إن لم يصح بهذا السند فهو شاهد جيد لما ورد في الباب من أحاديث.
٢ أخرجه أحمد في المسند ٢/٣٣٣، والدارقطني ١/١٤٧، والبيهقي ١/١٣٣، والطحاوي في شرح معاني الآثار ١/٧٤، والحاكم في المستدرك ١/١٣٨ وصححه، وابن حبان في الإحسان ٢/٢٢٢. وقال ابن عبد البر في التمهيد ١٧/١٩٥، والاستذكار ١/٣١٢ كان هذا الحديث لا يعرف إلا ليزيد بن عبد الملك النوفلي وهذا مجمع على ضعفه حتى رواه عبد الرحمن بن القاسم عن نافع بن أبي نعيم القاري وهذا إسناد صالح إن شاء الله. وقال النووي في المجموع ٢/٣٥، وفي إسناده ضعف لكنه يقوى بكثرة طرقه. قال الحافظ في التلخيص ١/١٢: قال ابن السكن: هو أجود ما روي في هذا الباب.
1 / 222
٤-ولأنه لمس يفضي إلى خروج المذي فأشبه مس الفرج بالفرج١.
٥-أن الذكر يختلف عن سائر الجسد لأنه تتعلق به أحكام ينفرد بها من وجوب الغسل بإيلاجه والحد والمهر وغير ذلك٢.
وقد اعترض على هذه الأدلة بما يأتي:
حديث بسرة اعترض عليه بعدة اعتراضات أهمها:
١-رواه عنها مروان بن الحكم وهو كان يحدث في زمانه مناكير ولذلك لم يقبل عروة منه٣.
٢-أن ربيعه شيخ مالك قال: "ويحكم مثل هذا يأخذ به أحد ويعمل بحديث بسرة؟ والله لو أن بسرة شهدت على هذا النعل لما أجزت شهادتها، وإنما قوام الدين الصلاة، وإنما قوام الصلاة الطهور، فلم يكن في صحابة رسول الله ﷺ من يقيم هذا الدين إلا بسرة"٤.
٣-قال ابن معين: لم يصح في مس الذكر حديث٥.
٤-رواية ابن وهب عن مالك أن الوضوء من مس الذكر سنة فكيف يصح عنده هذا الحديث ثم يستجيز هذا القول؟ ٦
_________
١ انظر: المعرفة ١/١٥٦، الذخيرة ١/٢٢٢.
٢. انظر: المغني ١/٢٤٢.
٣ انظر: شرح معاني الآثار ١/٧١-٧٣.
٤ انظر: شرح معاني الآثار ١/٧١.
٥ انظر: التخليص الحبير ١/١٢٣.
٦ انظر: الاستذكار ١/٣٠٨و٣٠٩.
1 / 223
٥-أن الرجل أولى بنقله من بسرة١.
٦-أنه مما تعم به البلوى فينبغي أن ينقل مستفيضًا ولما لم يكن كذلك دل على ضعفه٢.
٧-إنكار كبار الصحابة لحكمه كعلي وابن مسعود وغيرهما كما تقدم في القول الثاني٣.
٨-أنه مخالف لإجماع الصحابة٤.
٩-لو سلم بصحته يحمل على غسل اليد لأنهم كانوا يستجمرون ثم يعرقون ثم يؤمر من مس موضع الحدث بالوضوء الذي هو النظافة٥.
١٠-أنه معارض بحديث طلق، والقياس على سائر الأعضاء٦.
وقد أجيب على هذه الاعتراضات بما يأتي:
١-أن مروان كان عدلًا ولذلك كانت الصحابة تأتم به وتغشى طعامه وما فعل شيئًا إلا عن اجتهاد، وإنكار عروة لعدم اطلاعه٧.
٢-أن عدم استقلال المرأة في الشهادة لا يدل على عدم قبول روايتها وإلا لما قبلت رواية كثير من الصحابيات.
_________
١ انظر: الذخيرة١/٢٢٢.
٢ انظر: بدائع الصنائع، ١/٣٠
٣ وانظر: بدائع الصنائع، ١/٣٠، الذخيرة ١/٢٢٢.
٤ انظر: بدائع الصنائع، ١/٣٠.
٥ انظر: إعلاء السنن ١/١١٨-١٢٤، تحفة الأحوذي ١/٢٧٥-٢٨٠، المجموع ٢/٤٣.
٦ انظر: الذخيرة ١/٢٢٣، المغني ١/٢٤٢.
٧ انظر: الاعتبار ٢٩،٣٠، الذخيرة ١/٢٢٢.
1 / 224
قال الشافعي: "والذي يعيب علينا الرواية عن بسرة يروي عن عائشة بنت عجرد وأم خداش وعدة من النساء لسن بمعروفات ويحتج بروايتهن ويضعف بسرة مع سابقتها وقديم هجرتها وصحبتها النبي ﷺ وقد حدثت بهذا في دار المهاجرين والأنصار وهم متوافرون ولم يدفعه
منهم أحد بل علمنا بعضهم صار إليه منهم عروة بن الزبير"١.
٣- إذا لم يصح الحديث عند ابن معين فقد صح عند غيره فقد صححه الجماهير من الأئمة الحفاظ واحتج به الأوزاعي والشافعي وأحمد وهم أعلام الحديث والفقه فلو كان باطلًا لم يحتجوا به، لكنه مع هذا لم يثبت عند ابن معين كما قال الحافظ ابن حجر وابن الجوزي٢.
٤-أن مالكًا لم يطعن في الصحة وإنما تردد في دلالة اللفظ هل هي للوجوب أم للندب؟ ٣
٥-أن بسرة لم تنفرد بروايته بل رواه نحو خمسة عشر من الرجال والنساء فإن في الباب عن أم حبيبة وأبي هريرة وأروى بنت أنس وعائشة وجابر وزيد بن خالد وعبد الله بن عمرو وسعد بن أبي وقاص وأم سلمة وابن عباس وابن عمر والنعمان بن بشير وأنس وأُبي بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة رضي الله عنه٤.
٦-أن الخبر نقل مستفيضًا٥.
_________
١ انظر: الاعتبار ٢٩.
٢ انظر: المجموع ٢/٤٢، التلخيص الحبير ١/١٢٣.
٣ انظر: الذخيرة ١/٢٢٢.
٤ انظر: المجموع ٢/٤٢، التلخيص الحبير ١/١٢٣و١٢٤، شرح ابن القيم على سنن أبي داود ١/١١٣.
٥ انظر: المصادر السابقة.
1 / 225
٧-أن الحديث لم يثبت عندهم أو لم يبلغهم، وقد بلغهم حديث طلق ولم يبلغهم ما ينسخه ولو بلغهم لقالوا به ولا يجب على الصحابي أن يطلع على سائر الأحاديث١.
٨-أنه لم ينعقد في هذه المسألة إجماع وإلاَّ لما ساغ الخلاف فيها ومن أراد الاطلاع على معرفة قدر اختلاف الصحابة فيها فليراجع المصادر التي ذكرتها عند عرض الأقوال في أول المسألة٢.
٩-أن حديث طلق الذي استدل به أصحاب القول الثاني لا يصح والقياس الذي ذكروه في قبالة النص فيكون فاسدًا٣.
١٠-أن الألفاظ الشرعية الأصل فيها أن تحمل على الحقيقة إلا إذا ورد دليل يصرفها عنها ولم يرد٤ بل ورد هنا ما يخالفه كما تقدم في حديث أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره - ليس بينهما شيء - فليتوضأ وضوءه للصلاة" ٥.
قال البيهقي وغيره: "ويكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق أن حديث طلق لم يحتج الشيخان بأحد من رواته، وحديث بسرة قد احتجا بسائر رواة حديثها، وهذا وجه رجحان حديثها على حديث طلق من طريق الإسناد؛ لأن الرجحان إنما يقع بوجود شرائط الصحة والعدالة في حق هؤلاء الرواة دون من خالفهم"٦.
_________
١ انظر: الذخيرة ١/٢٢٢، المجموع ٢/٤٣.
٢ انظر: عرض الأقوال في المسألة ص: (٢٢٠) .
٣ انظر: الذخيرة ١/٢٢٢.
٤ انظر: المجموع ٢/٤٢.
٥ انظر: سبق تخريجه ص: (٢٢٢) .
٦ انظر: معرفة السنن والآثار ١/٤١٣، التلخيص الحبير ١/١٢٥.
1 / 226