خِطَابٌ وَاحِدٌ مُتَّصِلٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ.
وَلَمَّا عَرَفَ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْخِطَابَ لَا يَتَوَجَّهُ إِلَّا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ قَالُوا: الْخِطَابُ لَهُ وَالْمُرَادُ بِهِ هَذَا الصِّنْفُ الشَّاكُّ، وَكُلُّ هَذَا فِرَارٌ مِنْ تَوَهُّمِ مَا لَيْسَ بِمَوْهُومٍ: وَهُوَ وُقُوعُ الشَّكِّ مِنْهُ وَالسُّؤَالُ، وَقَدْ بَيَّنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إِمْكَانُ ذَلِكَ فَضْلًا عَنْ وُقُوعِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا وَلَا مُمْكِنًا فَمَا مَقْصُودُ الْخِطَابِ وَالْمُرَادُ بِهِ؟
قِيلَ: الْمَقْصُودُ بِهِ إِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَى مُنْكِرِي النُّبُوَّاتِ وَالتَّوْحِيدِ، وَأَنَّهُمْ مُقِرُّونَ بِذَلِكَ لَا يَجْحَدُونَهُ وَلَا يُنْكِرُونَهُ وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ كُتُبَهُ بِذَلِكَ، وَأَرْسَلَ مَلَائِكَتَهُ إِلَى أَنْبِيَائِهِ بِوَحْيِهِ وَكَلَامِهِ، فَمَنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَلْيَسْأَلْ أَهْلَ الْكِتَابِ، فَأُخْرِجَ هَذَا الْمَعْنَى فِي أَوْجَزِ عِبَارَةٍ وَأَدَلِّهَا عَلَى الْمَقْصُودِ، بِأَنْ جُعِلَ الْخِطَابُ لِرَسُولِهِ الَّذِي لَمْ يَشُكَّ قَطُّ وَلَمْ يَسْأَلْ قَطُّ وَلَا عَرَضَ لَهُ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَأَنْتَ إِذَا تَأَمَّلْتَ هَذَا الْخِطَابَ بَدَا لَكَ عَلَى صَفَحَاتِهِ: مَنْ شَكَّ فَلْيَسْأَلْ فَرَسُولِي لَمْ يَشُكَّ وَلَمْ يَسْأَلْ.
وَالْمَقْصُودُ ذِكْرُ بَعْضِ الْحِكْمَةِ فِي إِبْقَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْجِزْيَةِ، وَهَذِهِ الْحِكْمَةُ مُنْتَفِيَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ، فَيَجِبُ قِتَالُهُمْ حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ.
[سَبَبُ وَضْعِ الْجِزْيَةِ]
وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى حَرْفٍ وَهُوَ أَنَّ الْجِزْيَةَ هَلْ وُضِعَتْ عَاصِمَةً لِلدَّمِ، أَوْ مَظْهَرًا لِصَغَارِ الْكُفْرِ وَإِذْلَالِ أَهْلِهِ فَهِيَ عُقُوبَةٌ؟
فَمَنْ رَاعَى فِيهَا الْمَعْنَى الْأَوَّلَ قَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ عِصْمَتِهَا لِدَمِ مَنْ خَفَّ كُفْرُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِ وَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ - أَنْ تَكُونَ عَاصِمَةً لِدَمِ مَنْ
1 / 105