إِسْلَامُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ يُكَنَّى أَبَا طَرِيفٍ ﵁
١ - أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْجَلِيلُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبُو الْحُسَيْنِ فَاذِشَاهْ قَالَ: أنا أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ اللَّخْمِيُّ الطَّبَرَانِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَسْوَارِيُّ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَازِنِي، قَالَ: ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ وَهَاجَرَ إِلَيْهَا جَعَلَ يَبْعَثُ السَّرَايَا، فَلَا يَزَالُ إِبِلُ قَوْمٍ قَدْ أَغَارَتْ عَلَيْهَا خَيلُهُ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: وَاللَّهِ لَوْ خَلَّفْتُ أَجْمَالًا مِنْ إِبِلِي، فَكَانَتْ تَكُونُ قَرِيبًا، فَوَاللَّهِ مَا شَعُرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ رَاعِي الْإِبِلِ قَدْ جَاءَ يَعْدُو بِعَصَاهُ، قُلْتُ: وَيْلَكَ مَا لَكَ؟ قَالَ: أُغِيرَ وَاللَّهِ عَلَى النُّعُومِ، قُلْتُ: مَنْ أَغَارَ عَلَيْهَا؟ قَالَ: خَيلُ مُحَمَّدٍ، قُلْتُ لِنَفْسِي: هَذَا الَّذِي كُنْتُ أَحْذَرُ، فَوَثَبْتُ أُرحِّلُ أَجْمَالِي أَنْجُو بِأَهْلِي، وَكُنْتُ نَصْرَانِيًّا وَلِيَ عَمَّةٌ فَدَخَلْتُ، فَقُلْتُ: مَا تُرَى يُصْنَعُ بِهَا؟ وحَمَلْتُ امْرَأَتِي، وَجَاءَتْنِي عَمَّتِي فَقَالَتْ: يَا عَدِيُّ، أَمَّا تتَّقي اللَّهَ أنْ تَنْجُوَ بِامْرَأَتِكَ وَتَدَعَ عَمَّتَكَ، فَقُلْتُ: مَا عَسَى أَنْ يَصْنَعُوا بِهَا؟ امْرَأَةٌ قَدْ خُلِّيَ مِنْ سِنِّهَا، فَمَضَيْتُ وَلَمْ أَلْتَفِتْ إِلَيْهَا حَتَّى وَرَدْتُ الشَّامَ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى قَيْصَرَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِحِمْصَ، فَقُلْتُ: إِنِي رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ وَأَنَا عَلَى دِينِكَ، وَإِنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَيَتَنَاوَلُنَا، فَكَانَ الْمَفَرُّ إِلَيْكَ، قَالَ: اذْهَبْ فَانْزِلْ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا حَتَّى نَرَى مِنْ رَأْيِكَ، فَذَهَبْتُ فَنَزَلْتُ الْمَكَانَ الَّذِي قَالَ لِي، فَكُنْتُ بِهِ حِينًا، فبَيْنَا أَنَا ذَاتَ يَوْمٍ إِذَا أَنَا بِظَعِينَةٍ مُتَوَجِّهَةٍ إِلَيْنَا حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى بُيُوتِنَا، فَإِذَا هِيَ عَمَّتِي، فَقَالَتْ لِي: يَا عَدِيُّ أَمَا اتَّقَيْتَ اللَّهَ أنْ تَنْجُوَ بِامْرَأَتِكَ وَتَرَكْتَ عَمَّتَكَ. قُلْتُ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ فَأَخْبِرِينَا مَا كَانَ بَعْدَنَا. قَالَتْ: إِنَّكُمْ لَمَّا انْطَلَقْتُمْ أَتَتْنَا الْخَيْلُ فَسَبَوْنَا وَذُهِبَ بِي فِي السَّبْيِ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكُنَّا فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَمَرَّ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ الْقَائِلَةِ وَخَلْفَهُ رَجُلٌ يَتْبَعُهُ وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَنْ كَلِّمِيهِ، فَهَتَفْتُ بِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْوَلَدُ وَغَابَ الْوَافِدُ، فَمُنَّ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَمَنْ وَافِدُكِ؟» قُلْتُ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ. قَالَ: «الَّذِي فَرَّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» . ثُمَّ مَضَى وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيَّ حَتَّى كَانَ الْغَدُ فَمَرَّ بِي نَحْوَ تِلْكَ السَّاعَةِ وَخَلْفَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ أَنْ كَلِّمِيهِ، فَهَتَفْتُ بِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْوَلَدُ، وَغَابَ الْوَافِدُ، فَمُنَّ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ. قَالَ: «وَمَنْ وَافِدُكِ؟» قُلْتُ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّائِيُّ. قَالَ: «الَّذِي فَرَّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيَّ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ نَحْوًا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ مَرَّ وَخَلْفَهُ ذَاكَ يَعْنِي عَلِيًّا، فَأَوْمَأَ أَنْ كَلِّمِيهِ، فَأَوْمَأْتُ إِلَيْهِ بِيَدِي أَنْ قَدْ كَلَّمْتُهُ مَرَّتَيْنِ، فَأَوْمَأَ: كَلِّمِيهِ أَيْضًا، فَهَتَفْتُ بِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْوَلَدُ، وَغَابَ الْوَافِدُ، فَمُنَّ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ. قَالَ: «وَمَنْ وَافِدُكِ» قُلْتُ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ. قَالَ: «الَّذِي فَرَّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبِي فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ ﷿، فَإِذَا وَجَدْتِ أَحَدًا يَأْتِي أَهْلَكِ فَأَخْبِرِينِي نَحْمِلْكِ إِلَى أَهْلِكِ» قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا أَنَا بِرُفْقَةٍ مِنْ تَنُوخَ يَحْمِلُونَ الزَّيْتَ، فَبَاعُوا زَيْتَهُمْ وَهُمْ يَرْجِعُونَ، فَحَمَلَنِي عَلَى هَذَا الْجَمَلِ وَزَوَّدَنِي. قَالَ عَدِيٌّ: ثُمَّ قَالَتْ لِي عَمَّتِي: أَنْتَ رَجُلٌ أَحْمَقُ، أَنْتَ قَدْ غَلَبَكَ عَلَى شَرَفِكَ مِنْ قَوْمِكَ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكَ، ائْتِ هَذَا الرَّجُلَ فَخُذْ بِنَصِيبِكَ، فَقُلْتُ: وَإِنَّهُ لَقَدْ نَصَحَتْ لِي عَمَّتِي، فَوَاللَّهِ لَوْ أَتَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ فَإِنْ رَأَيْتُ مَا يَسُرُّنِي أَخَذْتُ، وَإِنْ رَأَيْتُ غَيْرَ ذَلِكَ رَجَعْتُ، وَكُنْتُ أَضِنُّ بِدِينِي، فَأَتَيْتُ حَتَّى وَصَلْتُ الْمَدِينَةَ فِي غَيْرِ جِوَارٍ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا أَنَا فِيهِ بِحَلْقَةٍ عَظِيمَةٍ، وَلَمْ أَكُنْ قَطُّ فِي قَوْمٍ إِلَّا عُرِفْتُ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى الْحَلْقَةِ سَلَّمْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ: «مَنْ أَنْتَ؟» قُلْتُ: أَنَا عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّائيُّ، وَكَانَ أَعْجَبُ شَيْءٍ إِلَيْهِ أنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ أَشْرَافُ الْعَرَبِ وَرُءُوسُهُمْ، فَوَثَبَ مِنَ الْحَلْقَةِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَوَجَّهَ بِي إِلَى مَنْزِلِهِ، فَبَيْنَا هُوَ يَمْشِي مَعِي إِذْ نَادَتْهُ امْرَأَةٌ وَغُلَامٌ مَعَهَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لَنَا إِلَيْكَ حَاجَةً، فَخَلَوْا بِهِ قَائِمًا مَعَهُمَا حَتَّى أَوَيْتُ لَهُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، قُلْتُ فِي نَفْسِي: أَشْهَدُ أَنَّكَ بَرِيءٌ مِنْ دِينِي وَدِينِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَنَّكَ لَوْ كُنْتَ مَلِكًا لَمْ يَقُمْ مَعَهُ صَبِيٌّ وَامْرَأَةٌ طُولَ مَا رَأَى، فَقَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِي لَهُ حُبًّا، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَأَلْقَى إِلَيَّ وِسَادَةً حَشْوُهَا لِيفٌ، فَقَعَدْتُ عَلَيْهَا، وَقَعَدَ هُوَ عَلَى الْأَرْضِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَهَذَا، ثُمَّ قَالَ لِي: " مَا أَفْرَدَكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَنَّكَ سَمِعْتَهُمْ يَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ وَهَلْ مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ؟ وَمَا أَفْرَدَكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَنَّكَ سَمِعْتَهُمْ يَقُولُونَ اللَّهُ أَكْبَرُ؟ فَهَلْ تَعْلَمُ شَيْئًا هُوَ أَكْبَرُ مِنَ اللَّهِ ﷿؟: " فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى أَسْلَمْتُ وَأَذْهَبَ اللَّهُ ﷿ مَا كَانَ فِي قَلْبِي مِنْ حُبِّ النَّصْرَانِيَّةِ، فَسَأَلْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا بِأَرْضِ صَيْدٍ وَإِنَّ أَحَدَنَا يَرْمِي الصَّيْدَ بِسَهْمِهِ لَمْ يَقْتَصَّ أَثَرَهُ لِيَوْمٍ أَوْ لِيَوْمَيْنِ، ثُمَّ يَجِدُهُ مَيِّتًا فِيهِ سَهْمُهُ، فَيَأْكُلُهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِنْ شَاءَ»
١ - أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْجَلِيلُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبُو الْحُسَيْنِ فَاذِشَاهْ قَالَ: أنا أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ اللَّخْمِيُّ الطَّبَرَانِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَسْوَارِيُّ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَازِنِي، قَالَ: ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ وَهَاجَرَ إِلَيْهَا جَعَلَ يَبْعَثُ السَّرَايَا، فَلَا يَزَالُ إِبِلُ قَوْمٍ قَدْ أَغَارَتْ عَلَيْهَا خَيلُهُ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: وَاللَّهِ لَوْ خَلَّفْتُ أَجْمَالًا مِنْ إِبِلِي، فَكَانَتْ تَكُونُ قَرِيبًا، فَوَاللَّهِ مَا شَعُرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ رَاعِي الْإِبِلِ قَدْ جَاءَ يَعْدُو بِعَصَاهُ، قُلْتُ: وَيْلَكَ مَا لَكَ؟ قَالَ: أُغِيرَ وَاللَّهِ عَلَى النُّعُومِ، قُلْتُ: مَنْ أَغَارَ عَلَيْهَا؟ قَالَ: خَيلُ مُحَمَّدٍ، قُلْتُ لِنَفْسِي: هَذَا الَّذِي كُنْتُ أَحْذَرُ، فَوَثَبْتُ أُرحِّلُ أَجْمَالِي أَنْجُو بِأَهْلِي، وَكُنْتُ نَصْرَانِيًّا وَلِيَ عَمَّةٌ فَدَخَلْتُ، فَقُلْتُ: مَا تُرَى يُصْنَعُ بِهَا؟ وحَمَلْتُ امْرَأَتِي، وَجَاءَتْنِي عَمَّتِي فَقَالَتْ: يَا عَدِيُّ، أَمَّا تتَّقي اللَّهَ أنْ تَنْجُوَ بِامْرَأَتِكَ وَتَدَعَ عَمَّتَكَ، فَقُلْتُ: مَا عَسَى أَنْ يَصْنَعُوا بِهَا؟ امْرَأَةٌ قَدْ خُلِّيَ مِنْ سِنِّهَا، فَمَضَيْتُ وَلَمْ أَلْتَفِتْ إِلَيْهَا حَتَّى وَرَدْتُ الشَّامَ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى قَيْصَرَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِحِمْصَ، فَقُلْتُ: إِنِي رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ وَأَنَا عَلَى دِينِكَ، وَإِنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَيَتَنَاوَلُنَا، فَكَانَ الْمَفَرُّ إِلَيْكَ، قَالَ: اذْهَبْ فَانْزِلْ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا حَتَّى نَرَى مِنْ رَأْيِكَ، فَذَهَبْتُ فَنَزَلْتُ الْمَكَانَ الَّذِي قَالَ لِي، فَكُنْتُ بِهِ حِينًا، فبَيْنَا أَنَا ذَاتَ يَوْمٍ إِذَا أَنَا بِظَعِينَةٍ مُتَوَجِّهَةٍ إِلَيْنَا حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى بُيُوتِنَا، فَإِذَا هِيَ عَمَّتِي، فَقَالَتْ لِي: يَا عَدِيُّ أَمَا اتَّقَيْتَ اللَّهَ أنْ تَنْجُوَ بِامْرَأَتِكَ وَتَرَكْتَ عَمَّتَكَ. قُلْتُ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ فَأَخْبِرِينَا مَا كَانَ بَعْدَنَا. قَالَتْ: إِنَّكُمْ لَمَّا انْطَلَقْتُمْ أَتَتْنَا الْخَيْلُ فَسَبَوْنَا وَذُهِبَ بِي فِي السَّبْيِ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكُنَّا فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَمَرَّ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ الْقَائِلَةِ وَخَلْفَهُ رَجُلٌ يَتْبَعُهُ وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَنْ كَلِّمِيهِ، فَهَتَفْتُ بِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْوَلَدُ وَغَابَ الْوَافِدُ، فَمُنَّ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَمَنْ وَافِدُكِ؟» قُلْتُ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ. قَالَ: «الَّذِي فَرَّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» . ثُمَّ مَضَى وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيَّ حَتَّى كَانَ الْغَدُ فَمَرَّ بِي نَحْوَ تِلْكَ السَّاعَةِ وَخَلْفَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ أَنْ كَلِّمِيهِ، فَهَتَفْتُ بِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْوَلَدُ، وَغَابَ الْوَافِدُ، فَمُنَّ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ. قَالَ: «وَمَنْ وَافِدُكِ؟» قُلْتُ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّائِيُّ. قَالَ: «الَّذِي فَرَّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيَّ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ نَحْوًا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ مَرَّ وَخَلْفَهُ ذَاكَ يَعْنِي عَلِيًّا، فَأَوْمَأَ أَنْ كَلِّمِيهِ، فَأَوْمَأْتُ إِلَيْهِ بِيَدِي أَنْ قَدْ كَلَّمْتُهُ مَرَّتَيْنِ، فَأَوْمَأَ: كَلِّمِيهِ أَيْضًا، فَهَتَفْتُ بِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْوَلَدُ، وَغَابَ الْوَافِدُ، فَمُنَّ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ. قَالَ: «وَمَنْ وَافِدُكِ» قُلْتُ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ. قَالَ: «الَّذِي فَرَّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبِي فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ ﷿، فَإِذَا وَجَدْتِ أَحَدًا يَأْتِي أَهْلَكِ فَأَخْبِرِينِي نَحْمِلْكِ إِلَى أَهْلِكِ» قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا أَنَا بِرُفْقَةٍ مِنْ تَنُوخَ يَحْمِلُونَ الزَّيْتَ، فَبَاعُوا زَيْتَهُمْ وَهُمْ يَرْجِعُونَ، فَحَمَلَنِي عَلَى هَذَا الْجَمَلِ وَزَوَّدَنِي. قَالَ عَدِيٌّ: ثُمَّ قَالَتْ لِي عَمَّتِي: أَنْتَ رَجُلٌ أَحْمَقُ، أَنْتَ قَدْ غَلَبَكَ عَلَى شَرَفِكَ مِنْ قَوْمِكَ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكَ، ائْتِ هَذَا الرَّجُلَ فَخُذْ بِنَصِيبِكَ، فَقُلْتُ: وَإِنَّهُ لَقَدْ نَصَحَتْ لِي عَمَّتِي، فَوَاللَّهِ لَوْ أَتَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ فَإِنْ رَأَيْتُ مَا يَسُرُّنِي أَخَذْتُ، وَإِنْ رَأَيْتُ غَيْرَ ذَلِكَ رَجَعْتُ، وَكُنْتُ أَضِنُّ بِدِينِي، فَأَتَيْتُ حَتَّى وَصَلْتُ الْمَدِينَةَ فِي غَيْرِ جِوَارٍ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا أَنَا فِيهِ بِحَلْقَةٍ عَظِيمَةٍ، وَلَمْ أَكُنْ قَطُّ فِي قَوْمٍ إِلَّا عُرِفْتُ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى الْحَلْقَةِ سَلَّمْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ: «مَنْ أَنْتَ؟» قُلْتُ: أَنَا عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّائيُّ، وَكَانَ أَعْجَبُ شَيْءٍ إِلَيْهِ أنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ أَشْرَافُ الْعَرَبِ وَرُءُوسُهُمْ، فَوَثَبَ مِنَ الْحَلْقَةِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَوَجَّهَ بِي إِلَى مَنْزِلِهِ، فَبَيْنَا هُوَ يَمْشِي مَعِي إِذْ نَادَتْهُ امْرَأَةٌ وَغُلَامٌ مَعَهَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لَنَا إِلَيْكَ حَاجَةً، فَخَلَوْا بِهِ قَائِمًا مَعَهُمَا حَتَّى أَوَيْتُ لَهُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، قُلْتُ فِي نَفْسِي: أَشْهَدُ أَنَّكَ بَرِيءٌ مِنْ دِينِي وَدِينِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَنَّكَ لَوْ كُنْتَ مَلِكًا لَمْ يَقُمْ مَعَهُ صَبِيٌّ وَامْرَأَةٌ طُولَ مَا رَأَى، فَقَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِي لَهُ حُبًّا، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَأَلْقَى إِلَيَّ وِسَادَةً حَشْوُهَا لِيفٌ، فَقَعَدْتُ عَلَيْهَا، وَقَعَدَ هُوَ عَلَى الْأَرْضِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَهَذَا، ثُمَّ قَالَ لِي: " مَا أَفْرَدَكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَنَّكَ سَمِعْتَهُمْ يَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ وَهَلْ مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ؟ وَمَا أَفْرَدَكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَنَّكَ سَمِعْتَهُمْ يَقُولُونَ اللَّهُ أَكْبَرُ؟ فَهَلْ تَعْلَمُ شَيْئًا هُوَ أَكْبَرُ مِنَ اللَّهِ ﷿؟: " فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى أَسْلَمْتُ وَأَذْهَبَ اللَّهُ ﷿ مَا كَانَ فِي قَلْبِي مِنْ حُبِّ النَّصْرَانِيَّةِ، فَسَأَلْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا بِأَرْضِ صَيْدٍ وَإِنَّ أَحَدَنَا يَرْمِي الصَّيْدَ بِسَهْمِهِ لَمْ يَقْتَصَّ أَثَرَهُ لِيَوْمٍ أَوْ لِيَوْمَيْنِ، ثُمَّ يَجِدُهُ مَيِّتًا فِيهِ سَهْمُهُ، فَيَأْكُلُهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِنْ شَاءَ»
1 / 193
٢ - حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ الشُّعَيْثِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ، عَنْ رَجُلٍ كَانَ يُسَمَّى أَيْمَنُ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ حَدِيثٌ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْكَ، قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ، وَكُنْتُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ لَهُ كَرَاهِيَةً، كُنْتُ بِأَقْصَى أَرْضِ الْعَرَبِ مِمَّا يَلِي الرُّومَ، فَكَرِهْتُ مَكَانِي أَشَدَّ مِنْ كَرَاهَتِي مَكَانِي الْأَوَّلِ، فَقُلْتُ: لَآتِيَنَّ هَذَا الرَّجُلَ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا لَا يَخْفَى عَلَيَّ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا لَا يَخْفَى عَلَيَّ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَاسْتَشْرَفَنِي النَّاسُ فَقَالُوا: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ، ﷺ، فَقَالَ: «يَا عَدِيُّ أَسْلِمْ تَسْلَمْ» قُلْتُ: لِي دِينٌ، قَالَ: «أَنَا أَعْلَمُ بِدِينِكَ مِنْكَ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِدِينِي مِنِّي، أَلَسْتَ تَرْأَسُ قَوْمَكَ؟» قَالَ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «أَلَسْتَ تَأْخُذُ الْمِرْبَاعَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَكَ فِي دِينِكَ» قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ أَذْهَبَ بِبَعْضِ مَا فِي نَفْسِي، قَالَ: «إِنَّهُ يَمْنَعُكَ أَنْ تُسْلِمَ مُحَاسَبَةُ مَنْ تَرَى حَوْلَنَا وَأَنَّكَ تَرَى النَّاسَ عَلَيْنَا أَلْبًا وَاحِدًا؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «أَتَيْتَ الْحِيرَةَ؟» قُلْتُ: لَا، وَقَدْ عَلِمْتُ مَكَانَهَا، قَالَ: «تُوشِكُ الظَّعِينَةُ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ الْبَيْتَ بِغَيْرِ جِوَارٍ، وَيُوشِكُ أَنْ تُفْتَحَ كُنُوزُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ» قُلْتُ: كُنُوزُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ قَالَ: «كُنُوزُ كِسْرَى، وَيُوشِكُ الرَّجُلُ أَنْ يُخْرِجَ الْمَالَ مِنْ مَالِهِ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا» . قَالَ: فَقَدْ رَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَخْرُجُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِغَيْرِ جِوَارٍ، وَكُنْتُ فِي أَوَّلِ خَيْلٍ أَغَارَتْ عَلَى السَّوَادِ، وَاللَّهِ لَتَكُونَنَّ الثَّالِثَةُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ
1 / 196
إِسْلَامُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ ﵁
٣ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ الْمَكِّيُّ قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: ثنا زِيَادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَذْحِجِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُوسَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ قَعَدَ فِي مُصَلَاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَقَالَ يَوْمًا: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ مِنْ خَيْرِ ذِي يَمَنٍ، عَلَيْهِ مَسْحَةُ مَلَكٍ» فَطَلَعَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ فِي أَحَدَ عَشَرَ رَاكِبًا مِنْ قَوْمِهِ، فَعَلَّقُوا رِكَابَهُمْ ثُمَّ دَنَوْا، فَقَالَ جَرِيرٌ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ؟ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ، ﵇: «يَا جَرِيرُ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، إِنَّ غِلَظَ الْقُلُوبِ، وَالْجَفَاءَ، وَالْحَوْبَ فِي أَهْلِ الْوَبَرِ وَالصُّوفِ، يَا جَرِيرُ، إِنَّكَ لَا تَسْتَحِقُّ حَقِيقَةَ الْإِسْلَامِ، وَلَا تَسْتَكْمِلُ بَعْدُ الْإِيمَانَ حَتَّى تَدَعَ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ، يَا جَرِيرُ، إِنِي أُحَذِّرُكَ الدُّنْيَا، وَحَلَاوَةَ رِضَاعِهَا، وَمَرَارَةَ فِطَامِهَا» . قَالَ جَرِيرٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَشْرَحَ صَدْرِي لِلْإِسْلَامِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ، وَلَا تَجْعَلْهُ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَلَا تُكْثِرْ لَهُ فَيَطْغَى، وَلَا تُمْلِي لَهُ فَيَنْسَى» قَالَ جَرِيرٌ: فَمَا الَّذِي أَتَيْتُ وَإِنِي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ؟ قَالَ: «أَتَيْتَ وَأَنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَسْأَلَنِي عَنْ حَقِّ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ، إِنَّ مِنْ حَقِّ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ أَنْ يَخْضَعَ لَهُ فِي الْغَضَبِ، وَأَنْ يُؤْثِرَهُ فِي الرِّضَا، وَمِنْ حَقِّ الْوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ أَنْ يُحْسِنَ أَدَبَهُ، وَلَا يَجْحَدَ نَسَبَهُ، إِنَّ الْمُكَافِئَ لَيْسَ بِالْوَاصِلِ، إِنَّمَا الْوَاصِلُ مَنْ إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، هَذَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ، مَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ شَيْءٍ غَيْرِهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: «أَيْنَ تَنْزِلُونَ يَا جَرِيرُ؟» قَالَ: فِي أَكْنَافٍ بِبِيشَةَ بَيْنَ سَلْمٍ وَأَرَاكٍ، وَسَهْلٍ وَدَكْدَاكٍ، وَحَمُوضٍ وَتَمْلَاكٍ، وَنَخْلَةٍ وَضَالَّةٍ، وَسِدْرَةٍ وَآءَةٍ، وَنَجْمَةٍ وَأَثْلَةٍ، شِتَاؤُنَا رَبِيعٌ، وَرَبِيعُنَا لَسَرِيعٌ، وَمَاؤُنَا مَنِيعٌ، لَا يُقَامُ مَاتِحُهَا، وَلَا يَحْسِرُ صَابِحُهَا، وَلَا يَعْزُبُ سَارِحُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ، ﷺ: «أَمَا إِنَّ خَيْرَ الْمَاءِ الشَّبِمُ، وَخَيْرَ الْمَالِ الْغَنَمُ، وَخَيْرَ الْمَرْعَى الْأَرَاكُ وَالسَّلَمُ، إِذَا أَخْلَفَ كَانَ لَجِينًا، وَإِذا أُكِلَ كَانَ لَبِينًا يسيرًا، وَإِذَا سَقَطَ كَانَ دَرِينًا» فَقَالَ جَرِيرٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالْأَرْضِ السُّفْلَى، قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاءَ الدُّنْيَا مِنَ الْمَوْجِ الْمَلْفُوفِ، وَحَفَّفَهَا بِالنُّجُومِ وَجَعَلَهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ، وَخَلَقَ الْأَرْضَ السُّفْلَى مِنَ الزَّبَدِ الْحُبَارِ، وَالْمَاءِ الْكُبَارِ، وَجَعَلَهَا فَوْقَ صَخْرَةٍ عَلَى ظَهْرِ حُوتٍ، يَخْرُجُ مِنْهَا الْمَاءُ، فَلَوِ انْخَرَقَ مِنْهَا خَرْقٌ لَأَدَرَّتِ الْأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْهَا، سُبْحَانَ خَالِقِ النُّورِ» قَالَ جَرِيرٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْسُطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَدَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَعْتَقِدُ؟ قَالَ: «تَعْتَقِدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «وَأَنْ تَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «وَأَنْ تَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «وَأَنْ تَسْمَعَ وَتُطِيعَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا» قَالَ: نَعَمْ
٣ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ الْمَكِّيُّ قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: ثنا زِيَادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَذْحِجِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُوسَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ قَعَدَ فِي مُصَلَاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَقَالَ يَوْمًا: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ مِنْ خَيْرِ ذِي يَمَنٍ، عَلَيْهِ مَسْحَةُ مَلَكٍ» فَطَلَعَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ فِي أَحَدَ عَشَرَ رَاكِبًا مِنْ قَوْمِهِ، فَعَلَّقُوا رِكَابَهُمْ ثُمَّ دَنَوْا، فَقَالَ جَرِيرٌ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ؟ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ، ﵇: «يَا جَرِيرُ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، إِنَّ غِلَظَ الْقُلُوبِ، وَالْجَفَاءَ، وَالْحَوْبَ فِي أَهْلِ الْوَبَرِ وَالصُّوفِ، يَا جَرِيرُ، إِنَّكَ لَا تَسْتَحِقُّ حَقِيقَةَ الْإِسْلَامِ، وَلَا تَسْتَكْمِلُ بَعْدُ الْإِيمَانَ حَتَّى تَدَعَ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ، يَا جَرِيرُ، إِنِي أُحَذِّرُكَ الدُّنْيَا، وَحَلَاوَةَ رِضَاعِهَا، وَمَرَارَةَ فِطَامِهَا» . قَالَ جَرِيرٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَشْرَحَ صَدْرِي لِلْإِسْلَامِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ، وَلَا تَجْعَلْهُ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَلَا تُكْثِرْ لَهُ فَيَطْغَى، وَلَا تُمْلِي لَهُ فَيَنْسَى» قَالَ جَرِيرٌ: فَمَا الَّذِي أَتَيْتُ وَإِنِي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ؟ قَالَ: «أَتَيْتَ وَأَنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَسْأَلَنِي عَنْ حَقِّ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ، إِنَّ مِنْ حَقِّ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ أَنْ يَخْضَعَ لَهُ فِي الْغَضَبِ، وَأَنْ يُؤْثِرَهُ فِي الرِّضَا، وَمِنْ حَقِّ الْوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ أَنْ يُحْسِنَ أَدَبَهُ، وَلَا يَجْحَدَ نَسَبَهُ، إِنَّ الْمُكَافِئَ لَيْسَ بِالْوَاصِلِ، إِنَّمَا الْوَاصِلُ مَنْ إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، هَذَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ، مَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ شَيْءٍ غَيْرِهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: «أَيْنَ تَنْزِلُونَ يَا جَرِيرُ؟» قَالَ: فِي أَكْنَافٍ بِبِيشَةَ بَيْنَ سَلْمٍ وَأَرَاكٍ، وَسَهْلٍ وَدَكْدَاكٍ، وَحَمُوضٍ وَتَمْلَاكٍ، وَنَخْلَةٍ وَضَالَّةٍ، وَسِدْرَةٍ وَآءَةٍ، وَنَجْمَةٍ وَأَثْلَةٍ، شِتَاؤُنَا رَبِيعٌ، وَرَبِيعُنَا لَسَرِيعٌ، وَمَاؤُنَا مَنِيعٌ، لَا يُقَامُ مَاتِحُهَا، وَلَا يَحْسِرُ صَابِحُهَا، وَلَا يَعْزُبُ سَارِحُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ، ﷺ: «أَمَا إِنَّ خَيْرَ الْمَاءِ الشَّبِمُ، وَخَيْرَ الْمَالِ الْغَنَمُ، وَخَيْرَ الْمَرْعَى الْأَرَاكُ وَالسَّلَمُ، إِذَا أَخْلَفَ كَانَ لَجِينًا، وَإِذا أُكِلَ كَانَ لَبِينًا يسيرًا، وَإِذَا سَقَطَ كَانَ دَرِينًا» فَقَالَ جَرِيرٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالْأَرْضِ السُّفْلَى، قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاءَ الدُّنْيَا مِنَ الْمَوْجِ الْمَلْفُوفِ، وَحَفَّفَهَا بِالنُّجُومِ وَجَعَلَهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ، وَخَلَقَ الْأَرْضَ السُّفْلَى مِنَ الزَّبَدِ الْحُبَارِ، وَالْمَاءِ الْكُبَارِ، وَجَعَلَهَا فَوْقَ صَخْرَةٍ عَلَى ظَهْرِ حُوتٍ، يَخْرُجُ مِنْهَا الْمَاءُ، فَلَوِ انْخَرَقَ مِنْهَا خَرْقٌ لَأَدَرَّتِ الْأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْهَا، سُبْحَانَ خَالِقِ النُّورِ» قَالَ جَرِيرٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْسُطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَدَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَعْتَقِدُ؟ قَالَ: «تَعْتَقِدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «وَأَنْ تَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «وَأَنْ تَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «وَأَنْ تَسْمَعَ وَتُطِيعَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا» قَالَ: نَعَمْ
1 / 197
٤ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ الْمَكِّيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: ثنا حُصَيْنُ بْنُ عُمَرَ الْأَحْمَسِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: لَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ ﷺ أَتَيْتُهُ فَقَالَ: " لِأَيِّ شَيْءٍ جِئْتَ يَا جَرِيرُ؟ قُلْتُ: جِئْتُ لِأُسْلِمَ عَلَى يَدَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ»، فَأَلْقَى لِي كِسَاءَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ»
1 / 199
إِسْلَامُ أَبِي ذَرٍ الْغِفَارِيِّ ﵁
٥ - حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَائِذٍ، قَالَ: ثنا أَبُو طَرَفَةَ عَبَّادُ بْنُ الرَّيَانِ اللَّخْمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ رُوَيْمٍ اللَّخْمِيَّ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ لُدَيْنٍ الْأَشْعَرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا لَيلَى الْأَشْعَرِيَّ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو ذَرٍّ، قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا دَعَانِي إِلَى الْإِسْلَامِ أَنَّا كُنَّا قَوْمًا عَرَبًا، فَأَصَابَتْنَا السَّنَةُ، فَاحْتَمَلْتُ أُمِّي وَأَخِي وَكَانَ اسْمُهُ أُنَيْسًا إِلَى أَصْهَارٍ لَنَا بِأَعْلَى نَجْدٍ، فَلَمَّا حَلَلْنَا بِهِمْ أَكْرَمُونَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْحَيِّ، مَشَى إِلَى خَالِي فَقَالَ: تَعْلَمُ أَنَّ أُنَيْسًا يُخَالِفُكَ إِلَى أَهْلِكَ، قَالَ: فَحَزَّ فِي قَلْبِهِ فَانْصَرَفْتُ مِنْ رِعْيَةِ الْإِبِلِ فَوَجَدْتُهُ كَئِيبًا يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا بُكَاؤُكَ يَا خَالِ؟ فَأَعْلَمَنِي الْخَبَرَ، فَقُلْتُ: حَجَزَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّا نَعَافُ الْفَاحِشَةَ وَإِنْ كَانَ الزَّمَانُ قَدْ أَخَلَّ بِنَا، وَلَقَدْ كَدَّرْتَ عَلَيْنَا صَفْوَ مَا ابْتَدَأْتَنَا بِهِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى اجْتِمَاعٍ، فَاحْتَمَلْتُ أُمِّي وَأَخِي حَتَّى نَزَلْنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ، فَقَالَ أَخِي: إِنِي مُدَافِعٌ رَجُلَا عَلَى الْمَاءِ بِشِعْرٍ، وَكَانَ رَجُلًا شَاعِرًا، فَقُلْتُ: لَا تَفْعَلْ، فَخَرَجَ بِهِ اللِّجَاجُ حَتَّى دَافَعَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ صِرْمَتَهُ، إِلَى صِرْمَتِهِ، وَايْمِ اللَّهِ لَدُرَيْدٌ يَوْمَئِذٍ أَشْعَرُ مِنْ أَخِي، فَتَقَاضَيْنَا إِلَى خَنْسَاءَ، فَقَضَتْ لِأَخِي عَلَى دُرَيْدٍ، وَذَلِكَ أَنَّ دُرَيْدًا خَطَبَهَا إِلَى أَبِيهَا فَقَالَتْ: شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ، فَحَقَدَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَضَمَمْنَا صِرْمَتَهُ إِلَى صِرْمَتِنَا وَكَانَتْ لَنَا هَجْمَةٌ، ثُمَّ أَتَيْتُ مَكَّةَ فَابْتَدَأْتُ بِالصَّفَا فَإِذَا عَلَيْهِ رِجَالَاتُ قُرَيْشٍ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بِهَا صَابِئًا، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ شَاعِرًا، أَوْ سَاحِرًا، فَقُلْتُ: أَيْنَ هَذَا الَّذِي تَزْعُمُونَهُ؟ قَالُوا: هُوَ ذَاكَ حَيْثُ تَرَى، فَانْقَلَبْتُ إِلَيْهِ، مَا جُزْتُ عَنْهُمْ قَيْسَ حَجَرٍ، فَوَاللَّهِ أَكَبُّوا عَلَى كُلِّ حَجَرٍ وَعَظْمٍ وَمَدَرٍ وَضَرَّجُونِي بِدَمِي، فَأَتَيْتُ الْبَيْتَ فَدَخَلْتُ بَيْنَ السُّتُورِ وَالْبِنَاءِ وَصَوَّمْتُ فِيهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَا أَكْلَ وَلَا شَرَابَ إِلَّا مِنْ مَاءِ زَمْزَمٍ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ قَمْرَاءُ إِضْحِيَانٌ أَقْبَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ خُزَاعَةَ وَطَافَتَا بِالْبَيْتِ ثُمَّ ذَكَرَتَا إِسَافًا وَنَائلةَ، وَهُمَا وَثَنَانِ وَكَانُوا يَعْبُدُونَهُمَا فَأَخْرَجْتُ رَأْسِي مِنْ تَحْتِ السُّتُورِ فَقُلْتُ: احْمِلَا أَحَدَهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَغَضِبَتَا ثُمَّ قَالَتَا: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ كَانَتْ رِجَالُنَا حُضُورًا مَا تَكَلَّمْتَ بِهَذَا، ثُمَّ وَلَّتَا، فَخَرَجْتُ أَقْفُو آثَارَهُمَا حَتَّى لَقِيَتَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «مَا أَنْتُمَا؟ وَمِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا؟ وَمِنْ أَيْنَ جِئْتُمَا؟ وَمَا جَاءَ بِكُمَا؟» فَأَخْبَرَتَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: " أَيْنَ تَرَكْتُمَا الصَّابِئَ؟ فَقَالَتَا: تَرَكْنَاهُ بَيْنَ السُّتُورِ وَالْبِنَاءِ، فَقَالَ لَهُمَا: «هَلْ قَالَ لَكُمَا شَيْئًا؟» قَالَتَا: نَعَمْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ تَمْلَأُ الْفَمَّ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ انْسَلَّتَا، وَأَقْبَلْتُ حَتَّى جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: «مَنْ أَنْتَ؟ وَمِمَّنْ أَنْتَ؟ وَمِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ وَمَا جَاءَ بِكَ؟» فَأَنْشَأْتُ أُعْلِمُهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: «مِمَّ كُنْتَ تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ؟» فَقُلْتُ: مِنْ مَاءِ زَمْزَمٍ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ طَعَامُ طُعْمٍ» وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، ﵁، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي أَنْ أُضَيِّفَهُ، قَالَ: «نَعَمْ» ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ يَمْشِي، وَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِي حَتَّى وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِبَابِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ بَيْتَهُ، ثُمَّ أَتَى بِزَبِيبٍ مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ فَجَعَلَ يُلْقِيهِ لَنَا قَبْضًا قَبْضًا، وَنَحْنُ نَأْكُلُ مِنْهُ حَتَّى تَمَلَّأْنَا مِنْهُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ: «يَا أَبَا ذَرٍّ» فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ رُفِعَتْ لِي أَرْضٌ، وَهِيَ ذَاتُ نَخْلٍ، لَا أَحْسَبُهَا إِلَّا تِهَامَةَ، فَاخْرُجْ إِلَى قَوْمِكَ فَادْعُهُمْ إِلَى مَا دَخَلْتَ فِيهِ» قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ أُمِّي وَأَخِي فَأَعْلَمْتُهُمَا الْخَبَرَ، فَقَالَا: مَا بِنَا رَغْبَةٌ عَنِ الدِّينِ الَّذِي دَخَلْتَ فِيهِ، فأَسْلَمَا، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ فَأَعْلَمْتُ قَوْمِي فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ صَدَّقْنَاكَ، وَلَكِنَّا نَلْقَى مُحَمَّدًا، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَقِينَاهُ، فَقَالَتْ لَهُ غِفَارٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا ذَرٍّ قَدْ أَعْلَمَنَا مَا أَعْلَمْتَهُ، وَقَدْ أَسْلَمْنَا وَشَهِدْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ تَقَدَّمَتْ أَسْلَمُ خُزَاعَةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَدْ رَغِبْنَا وَدَخَلْنَا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ إِخْوَانُنَا وَحُلَفَاؤُنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ: «أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ، وَغِفَارٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا» ثُمَّ أَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِي، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: هَلْ كُنْتَ تَأْلَهُ فِي جَاهِلِيَّتِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَقُومُ عِنْدَ الشَّمْسِ فَلَا أَزَالُ مُصَلِّيًا حَتَّى يُؤْذِيَنِي حَرُّهَا، فَأَخِرُّ كَأَنِّي خَفَاءٌ، فَقَالَ لِي: فَأَيْنَ كُنْتَ تَوَجَّهُ؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي إِلَّا حَيْثُ وَجَّهَنِي اللَّهُ، حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ "
٥ - حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَائِذٍ، قَالَ: ثنا أَبُو طَرَفَةَ عَبَّادُ بْنُ الرَّيَانِ اللَّخْمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ رُوَيْمٍ اللَّخْمِيَّ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ لُدَيْنٍ الْأَشْعَرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا لَيلَى الْأَشْعَرِيَّ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو ذَرٍّ، قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا دَعَانِي إِلَى الْإِسْلَامِ أَنَّا كُنَّا قَوْمًا عَرَبًا، فَأَصَابَتْنَا السَّنَةُ، فَاحْتَمَلْتُ أُمِّي وَأَخِي وَكَانَ اسْمُهُ أُنَيْسًا إِلَى أَصْهَارٍ لَنَا بِأَعْلَى نَجْدٍ، فَلَمَّا حَلَلْنَا بِهِمْ أَكْرَمُونَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْحَيِّ، مَشَى إِلَى خَالِي فَقَالَ: تَعْلَمُ أَنَّ أُنَيْسًا يُخَالِفُكَ إِلَى أَهْلِكَ، قَالَ: فَحَزَّ فِي قَلْبِهِ فَانْصَرَفْتُ مِنْ رِعْيَةِ الْإِبِلِ فَوَجَدْتُهُ كَئِيبًا يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا بُكَاؤُكَ يَا خَالِ؟ فَأَعْلَمَنِي الْخَبَرَ، فَقُلْتُ: حَجَزَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّا نَعَافُ الْفَاحِشَةَ وَإِنْ كَانَ الزَّمَانُ قَدْ أَخَلَّ بِنَا، وَلَقَدْ كَدَّرْتَ عَلَيْنَا صَفْوَ مَا ابْتَدَأْتَنَا بِهِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى اجْتِمَاعٍ، فَاحْتَمَلْتُ أُمِّي وَأَخِي حَتَّى نَزَلْنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ، فَقَالَ أَخِي: إِنِي مُدَافِعٌ رَجُلَا عَلَى الْمَاءِ بِشِعْرٍ، وَكَانَ رَجُلًا شَاعِرًا، فَقُلْتُ: لَا تَفْعَلْ، فَخَرَجَ بِهِ اللِّجَاجُ حَتَّى دَافَعَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ صِرْمَتَهُ، إِلَى صِرْمَتِهِ، وَايْمِ اللَّهِ لَدُرَيْدٌ يَوْمَئِذٍ أَشْعَرُ مِنْ أَخِي، فَتَقَاضَيْنَا إِلَى خَنْسَاءَ، فَقَضَتْ لِأَخِي عَلَى دُرَيْدٍ، وَذَلِكَ أَنَّ دُرَيْدًا خَطَبَهَا إِلَى أَبِيهَا فَقَالَتْ: شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ، فَحَقَدَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَضَمَمْنَا صِرْمَتَهُ إِلَى صِرْمَتِنَا وَكَانَتْ لَنَا هَجْمَةٌ، ثُمَّ أَتَيْتُ مَكَّةَ فَابْتَدَأْتُ بِالصَّفَا فَإِذَا عَلَيْهِ رِجَالَاتُ قُرَيْشٍ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بِهَا صَابِئًا، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ شَاعِرًا، أَوْ سَاحِرًا، فَقُلْتُ: أَيْنَ هَذَا الَّذِي تَزْعُمُونَهُ؟ قَالُوا: هُوَ ذَاكَ حَيْثُ تَرَى، فَانْقَلَبْتُ إِلَيْهِ، مَا جُزْتُ عَنْهُمْ قَيْسَ حَجَرٍ، فَوَاللَّهِ أَكَبُّوا عَلَى كُلِّ حَجَرٍ وَعَظْمٍ وَمَدَرٍ وَضَرَّجُونِي بِدَمِي، فَأَتَيْتُ الْبَيْتَ فَدَخَلْتُ بَيْنَ السُّتُورِ وَالْبِنَاءِ وَصَوَّمْتُ فِيهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَا أَكْلَ وَلَا شَرَابَ إِلَّا مِنْ مَاءِ زَمْزَمٍ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ قَمْرَاءُ إِضْحِيَانٌ أَقْبَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ خُزَاعَةَ وَطَافَتَا بِالْبَيْتِ ثُمَّ ذَكَرَتَا إِسَافًا وَنَائلةَ، وَهُمَا وَثَنَانِ وَكَانُوا يَعْبُدُونَهُمَا فَأَخْرَجْتُ رَأْسِي مِنْ تَحْتِ السُّتُورِ فَقُلْتُ: احْمِلَا أَحَدَهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَغَضِبَتَا ثُمَّ قَالَتَا: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ كَانَتْ رِجَالُنَا حُضُورًا مَا تَكَلَّمْتَ بِهَذَا، ثُمَّ وَلَّتَا، فَخَرَجْتُ أَقْفُو آثَارَهُمَا حَتَّى لَقِيَتَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «مَا أَنْتُمَا؟ وَمِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا؟ وَمِنْ أَيْنَ جِئْتُمَا؟ وَمَا جَاءَ بِكُمَا؟» فَأَخْبَرَتَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: " أَيْنَ تَرَكْتُمَا الصَّابِئَ؟ فَقَالَتَا: تَرَكْنَاهُ بَيْنَ السُّتُورِ وَالْبِنَاءِ، فَقَالَ لَهُمَا: «هَلْ قَالَ لَكُمَا شَيْئًا؟» قَالَتَا: نَعَمْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ تَمْلَأُ الْفَمَّ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ انْسَلَّتَا، وَأَقْبَلْتُ حَتَّى جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: «مَنْ أَنْتَ؟ وَمِمَّنْ أَنْتَ؟ وَمِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ وَمَا جَاءَ بِكَ؟» فَأَنْشَأْتُ أُعْلِمُهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: «مِمَّ كُنْتَ تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ؟» فَقُلْتُ: مِنْ مَاءِ زَمْزَمٍ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ طَعَامُ طُعْمٍ» وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، ﵁، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي أَنْ أُضَيِّفَهُ، قَالَ: «نَعَمْ» ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ يَمْشِي، وَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِي حَتَّى وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِبَابِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ بَيْتَهُ، ثُمَّ أَتَى بِزَبِيبٍ مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ فَجَعَلَ يُلْقِيهِ لَنَا قَبْضًا قَبْضًا، وَنَحْنُ نَأْكُلُ مِنْهُ حَتَّى تَمَلَّأْنَا مِنْهُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ: «يَا أَبَا ذَرٍّ» فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ رُفِعَتْ لِي أَرْضٌ، وَهِيَ ذَاتُ نَخْلٍ، لَا أَحْسَبُهَا إِلَّا تِهَامَةَ، فَاخْرُجْ إِلَى قَوْمِكَ فَادْعُهُمْ إِلَى مَا دَخَلْتَ فِيهِ» قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ أُمِّي وَأَخِي فَأَعْلَمْتُهُمَا الْخَبَرَ، فَقَالَا: مَا بِنَا رَغْبَةٌ عَنِ الدِّينِ الَّذِي دَخَلْتَ فِيهِ، فأَسْلَمَا، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ فَأَعْلَمْتُ قَوْمِي فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ صَدَّقْنَاكَ، وَلَكِنَّا نَلْقَى مُحَمَّدًا، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَقِينَاهُ، فَقَالَتْ لَهُ غِفَارٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا ذَرٍّ قَدْ أَعْلَمَنَا مَا أَعْلَمْتَهُ، وَقَدْ أَسْلَمْنَا وَشَهِدْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ تَقَدَّمَتْ أَسْلَمُ خُزَاعَةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَدْ رَغِبْنَا وَدَخَلْنَا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ إِخْوَانُنَا وَحُلَفَاؤُنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ: «أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ، وَغِفَارٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا» ثُمَّ أَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِي، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: هَلْ كُنْتَ تَأْلَهُ فِي جَاهِلِيَّتِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَقُومُ عِنْدَ الشَّمْسِ فَلَا أَزَالُ مُصَلِّيًا حَتَّى يُؤْذِيَنِي حَرُّهَا، فَأَخِرُّ كَأَنِّي خَفَاءٌ، فَقَالَ لِي: فَأَيْنَ كُنْتَ تَوَجَّهُ؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي إِلَّا حَيْثُ وَجَّهَنِي اللَّهُ، حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ "
1 / 200
إِسْلَامُ زَيْدِ بْنِ سُعْنَةَ ﵁
٦ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى هَدْيَ زَيْدِ بْنِ سُعْنَةَ، قَالَ زَيْدُ بْنُ سُعْنَةَ: مَا مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ عَرَفْتُهَا فِي وَجْهِ مُحَمَّدٍ ﷺ حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ، إِلَّا اثْنَتَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا مِنْهُ، يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلَا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا، فَكُنْتُ أَلْطُفُ لَهُ لِأَنْ أُخَالِطَهُ فَأَعْرِفُ حِلْمَهُ مِنْ جَهْلِهِ. قَالَ زَيْدُ بْنُ سُعْنَةَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا مِنَ الْحُجُرَاتِ وَمَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ﵁، فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ كَالْبَدَوِيِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بُصْرَى قَرْيَةَ بَنِي فُلَانٍ قَدْ أَسْلَمُوا وَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَكُنْتُ حَدَّثْتُهُمْ إِنْ أَسْلَمُوا أَتَاهُمُ الرِّزْقُ، وَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ وَشِدَّةٌ وَقُحُوطٌ مِنَ الْغَيْثِ، فَأَنَا أَخْشَى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ الْإِسْلَامِ طَمَعًا كَمَا دَخَلُوا فِيهِ طَمَعًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِشَيْءٍ تُعِينُهُمْ بِهِ فَعَلْتَ، فَنَظَرَ إِلَى رَجُلٍ إِلَى جَانِبِهِ أَرَاهُ عَلِيًّا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ، قَالَ زَيْدُ بْنُ سُعْنَةَ: فَدَنَوْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ لَكَ أَنْ تَبِيعَنِي تَمْرًا مَعْلُومًا مِنْ حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: «لَا يَا يَهُودِيُّ، وَلَكِنِّي أَبِيعُكَ تَمْرًا مَعْلُومًا إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، وَلَا يُسَمِّي حَائِطَ بَنِي فُلَانٍ» قُلْتُ: نَعَمْ، فَبَايَعَنِي فَأَطْلَقْتُ هِمْيَانِي فَأَعْطَيْتُهُ ثَمَانِينَ مِثْقَالًا مِنْ ذَهَبٍ فِي تَمْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، فَأَعْطَاهَا الرَّجُلَ، فَقَالَ: «أَعْجِلْ عَلَيْهِمْ وَأَعِنْهُمْ بِهَا»، قَالَ زَيْدُ بْنُ سُعْنَةَ: فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ بِمَجَامِعِ قَمِيصِهِ وَرِدَائِهِ، وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِوَجْهٍ غَلِيظٍ، فَقُلْتُ لَهُ: أَلَا تَقْضِينِي يَا مُحَمَّدُ حَقِّي، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُكُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَمُطْلٌ، وَلَقَدْ كَانَ لِي بِمُخَالَطَتِكُمْ عِلْمٌ، وَنَظَرْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ وَإِذَا عَيْنَاهُ تَدُورَانِ فِي وَجْهِهِ كَالْفَلَكِ الْمُسْتَدِيرِ، ثُمَّ رَمَانِي بِبَصَرِهِ، وَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ تَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا أَسْمَعُ، وَتَصْنَعُ بِهِ مَا أَرَى، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، لَوْلَا مَا أُحَاذِرُ قُوَّتَهُ لَضَرَبْتُ بِسَيْفِي رَأْسَكَ. وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ، يَنْظُرُ إِلَى عُمَرَ فِي سُكُونٍ وَتُؤْدَةٍ وَتَبَسُّمٍ، ثُمَّ قَالَ: «يَا عُمَرُ، أَنَا وَهُوَ كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا، أنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الْأَدَاءِ، وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ، اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ فَأَعْطِهِ حَقَّهُ وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ مَكَانَ مَا رُعْتَهُ» . قَالَ زَيْدٌ: فَذَهَبَ بِي عُمَرُ ﵁ فَأَعْطَانِي حَقِّي وَزَادَنِي عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ أَزِيدَكَ مَكَانَ مَا رُعْتُكَ، قُلْتُ: وَتَعْرِفُنِي يَا عُمَرُ؟ قَالَ: لَا، مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا زَيْدُ بْنُ سُعْنَةَ، قَالَ: الْحَبْرُ؟ قُلْتُ: الْحَبْرُ، قَالَ: فَمَا دَعَاكَ أَنْ فَعَلْتَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا فَعَلْتَ، وَقُلْتَ لَهُ مَا قُلْتَ؟ قُلْتُ: يَا عُمَرُ، لَمْ يَكُنْ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ إِلَّا قَدْ عَرَفْتُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ، إِلَّا اثْنَتَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا مِنْهُ، يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلَا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا، فَقَدِ اخْتَبَرْتُهُمَا فَأُخْبِرُكَ يَا عُمَرُ أَنِّي قَدْ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ ﷺ نَبِيًّا، وَأُشْهِدُكَ أَنَّ شَطْرَ مَالِي، فَإِنِّي أَكْثَرُهَا مَالًا، صَدَقَةٌ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَقَالَ عُمَرُ: أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَإِنَّكَ لَا تَسَعُهُمْ، قُلْتُ: وَعَلَى بَعْضِهِمْ، فَرَجَعَ عُمَرُ وَزيْدٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ، فَقَالَ زَيْدٌ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَبَايَعَهُ وَشَهِدَ مَعَهُ مَشَاهِدَ كَثِيرَةً، ثُمَّ تُوُفِّيَ زَيْدٌ ﵁ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ، ﵁
٦ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى هَدْيَ زَيْدِ بْنِ سُعْنَةَ، قَالَ زَيْدُ بْنُ سُعْنَةَ: مَا مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ عَرَفْتُهَا فِي وَجْهِ مُحَمَّدٍ ﷺ حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ، إِلَّا اثْنَتَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا مِنْهُ، يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلَا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا، فَكُنْتُ أَلْطُفُ لَهُ لِأَنْ أُخَالِطَهُ فَأَعْرِفُ حِلْمَهُ مِنْ جَهْلِهِ. قَالَ زَيْدُ بْنُ سُعْنَةَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا مِنَ الْحُجُرَاتِ وَمَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ﵁، فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ كَالْبَدَوِيِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بُصْرَى قَرْيَةَ بَنِي فُلَانٍ قَدْ أَسْلَمُوا وَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَكُنْتُ حَدَّثْتُهُمْ إِنْ أَسْلَمُوا أَتَاهُمُ الرِّزْقُ، وَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ وَشِدَّةٌ وَقُحُوطٌ مِنَ الْغَيْثِ، فَأَنَا أَخْشَى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ الْإِسْلَامِ طَمَعًا كَمَا دَخَلُوا فِيهِ طَمَعًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِشَيْءٍ تُعِينُهُمْ بِهِ فَعَلْتَ، فَنَظَرَ إِلَى رَجُلٍ إِلَى جَانِبِهِ أَرَاهُ عَلِيًّا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ، قَالَ زَيْدُ بْنُ سُعْنَةَ: فَدَنَوْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ لَكَ أَنْ تَبِيعَنِي تَمْرًا مَعْلُومًا مِنْ حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: «لَا يَا يَهُودِيُّ، وَلَكِنِّي أَبِيعُكَ تَمْرًا مَعْلُومًا إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، وَلَا يُسَمِّي حَائِطَ بَنِي فُلَانٍ» قُلْتُ: نَعَمْ، فَبَايَعَنِي فَأَطْلَقْتُ هِمْيَانِي فَأَعْطَيْتُهُ ثَمَانِينَ مِثْقَالًا مِنْ ذَهَبٍ فِي تَمْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، فَأَعْطَاهَا الرَّجُلَ، فَقَالَ: «أَعْجِلْ عَلَيْهِمْ وَأَعِنْهُمْ بِهَا»، قَالَ زَيْدُ بْنُ سُعْنَةَ: فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ بِمَجَامِعِ قَمِيصِهِ وَرِدَائِهِ، وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِوَجْهٍ غَلِيظٍ، فَقُلْتُ لَهُ: أَلَا تَقْضِينِي يَا مُحَمَّدُ حَقِّي، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُكُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَمُطْلٌ، وَلَقَدْ كَانَ لِي بِمُخَالَطَتِكُمْ عِلْمٌ، وَنَظَرْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ وَإِذَا عَيْنَاهُ تَدُورَانِ فِي وَجْهِهِ كَالْفَلَكِ الْمُسْتَدِيرِ، ثُمَّ رَمَانِي بِبَصَرِهِ، وَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ تَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا أَسْمَعُ، وَتَصْنَعُ بِهِ مَا أَرَى، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، لَوْلَا مَا أُحَاذِرُ قُوَّتَهُ لَضَرَبْتُ بِسَيْفِي رَأْسَكَ. وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ، يَنْظُرُ إِلَى عُمَرَ فِي سُكُونٍ وَتُؤْدَةٍ وَتَبَسُّمٍ، ثُمَّ قَالَ: «يَا عُمَرُ، أَنَا وَهُوَ كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا، أنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الْأَدَاءِ، وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ، اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ فَأَعْطِهِ حَقَّهُ وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ مَكَانَ مَا رُعْتَهُ» . قَالَ زَيْدٌ: فَذَهَبَ بِي عُمَرُ ﵁ فَأَعْطَانِي حَقِّي وَزَادَنِي عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ أَزِيدَكَ مَكَانَ مَا رُعْتُكَ، قُلْتُ: وَتَعْرِفُنِي يَا عُمَرُ؟ قَالَ: لَا، مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا زَيْدُ بْنُ سُعْنَةَ، قَالَ: الْحَبْرُ؟ قُلْتُ: الْحَبْرُ، قَالَ: فَمَا دَعَاكَ أَنْ فَعَلْتَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا فَعَلْتَ، وَقُلْتَ لَهُ مَا قُلْتَ؟ قُلْتُ: يَا عُمَرُ، لَمْ يَكُنْ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ إِلَّا قَدْ عَرَفْتُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ، إِلَّا اثْنَتَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا مِنْهُ، يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلَا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا، فَقَدِ اخْتَبَرْتُهُمَا فَأُخْبِرُكَ يَا عُمَرُ أَنِّي قَدْ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ ﷺ نَبِيًّا، وَأُشْهِدُكَ أَنَّ شَطْرَ مَالِي، فَإِنِّي أَكْثَرُهَا مَالًا، صَدَقَةٌ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَقَالَ عُمَرُ: أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَإِنَّكَ لَا تَسَعُهُمْ، قُلْتُ: وَعَلَى بَعْضِهِمْ، فَرَجَعَ عُمَرُ وَزيْدٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ، فَقَالَ زَيْدٌ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَبَايَعَهُ وَشَهِدَ مَعَهُ مَشَاهِدَ كَثِيرَةً، ثُمَّ تُوُفِّيَ زَيْدٌ ﵁ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ، ﵁
1 / 202
إِسْلَامُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ﵁
٧ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمُؤَدِّبِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ الْبَغْدَادِيُّ، ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابتٍ، وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ أُخْبِرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ بِقُدُومِهِ وَهُوَ فِي نَخْلِهِ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ أَشْيَاءَ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا نَبِيٌّ، فَإِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهَا آمَنْتُ بِكَ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْهُنَّ عَرَفْتُ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ، قَالَ: «وَمَا هُوَ؟» فَسَأَلَهُ عَنِ الشَّبَهِ، وَعَنْ أَوَّلِ شَيْءٍ يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَعَنْ أَوَّلِ شَيْءٍ يُحْشَرُ النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ: «أَخْبَرَنِيهُنَّ جِبْرِيلُ ﵇ آنِفًا» قَالَ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ، قَالَ: «أَمَّا الشَّبَهُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ ذَهَبَ بِالشَّبَهِ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ ذَهَبَ بِالشَّبَهِ، وَأَمَّا أَوَّلُ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ، وَأَمَّا أَوَّلُ شَيْءٍ يُحْشَرُ النَّاسُ فِيهِ فَنَارٌ تَجِيءُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَتَحْشُرُهُمْ إِلَى الْمَغْرِبِ» فَآمَنَ وَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهْتٌ، وَإِنْ هُمْ سَمِعُوا بِإِسْلَامِي بَهَتُونِي، فَأخْبِئْنِي عِنْدَكَ وَابْعَثْ إِلَيْهِمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي، فَخَبَأَهُ رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ، فَجَاءُوا، فَقَالَ: " أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ؟ فَقَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ، أَتُسْلِمُونَ؟» قَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ اخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَأَخْبِرْهُمْ» فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالُوا: بَلْ شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا، وَجَاهِلُنَا وَابْنُ جَاهِلِنَا، قَالَ ابْنُ سَلَامٍ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهْتٌ
٧ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمُؤَدِّبِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ الْبَغْدَادِيُّ، ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابتٍ، وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ أُخْبِرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ بِقُدُومِهِ وَهُوَ فِي نَخْلِهِ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ أَشْيَاءَ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا نَبِيٌّ، فَإِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهَا آمَنْتُ بِكَ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْهُنَّ عَرَفْتُ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ، قَالَ: «وَمَا هُوَ؟» فَسَأَلَهُ عَنِ الشَّبَهِ، وَعَنْ أَوَّلِ شَيْءٍ يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَعَنْ أَوَّلِ شَيْءٍ يُحْشَرُ النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ: «أَخْبَرَنِيهُنَّ جِبْرِيلُ ﵇ آنِفًا» قَالَ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ، قَالَ: «أَمَّا الشَّبَهُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ ذَهَبَ بِالشَّبَهِ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ ذَهَبَ بِالشَّبَهِ، وَأَمَّا أَوَّلُ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ، وَأَمَّا أَوَّلُ شَيْءٍ يُحْشَرُ النَّاسُ فِيهِ فَنَارٌ تَجِيءُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَتَحْشُرُهُمْ إِلَى الْمَغْرِبِ» فَآمَنَ وَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهْتٌ، وَإِنْ هُمْ سَمِعُوا بِإِسْلَامِي بَهَتُونِي، فَأخْبِئْنِي عِنْدَكَ وَابْعَثْ إِلَيْهِمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي، فَخَبَأَهُ رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ، فَجَاءُوا، فَقَالَ: " أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ؟ فَقَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ، أَتُسْلِمُونَ؟» قَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ اخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَأَخْبِرْهُمْ» فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالُوا: بَلْ شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا، وَجَاهِلُنَا وَابْنُ جَاهِلِنَا، قَالَ ابْنُ سَلَامٍ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهْتٌ
1 / 205
إِسْلَامُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ ﵁
٨ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ الْمَكِّيُّ، ثنا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: ثنا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَازِنِيُّ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سَلَامَةَ الْعِجْلِيِّ، قَالَ: جَاءَ ابْنُ أُخْتٍ لِي مِنَ الْبَادِيَةِ يُقَالَ لَهُ قُدَامَةُ، فَقَالَ لِيَ ابْنُ أُخْتِي: أُحِبُّ أَنْ أَلْقَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ فَأُسَلِّمَ عَلَيْهِ، فَخَرَجْنَا فَوَجَدْنَاهُ بِالْمَدَائِنِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا، وَوَجَدْنَاهُ عَلَى سَرِيرٍ يَسُفُّ خُوصًا فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، هَذَا ابْنُ أُخْتٍ لِي قَدِمَ عَلَيَّ مِنَ الْبَادِيَةِ فَأَحَبَّ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْكَ، قَالَ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، قُلْتُ: يَزْعُمُ أَنَّهُ يُحِبُّكَ، قَالَ: أَحَبَّهُ اللَّهُ، قَالَ: فتَحَدَّثْنَا، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أَلَا تُحَدِّثُنَا عَنْ أَصْلِكَ وَمِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَمَّا أَصْلِي وَمِمَّنْ أَنَا، فَأَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ رَامَهُرْمُزَ، كُنَّا قَوْمًا مَجُوسًا، فَأَتَانَا رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ كَانَتْ أُمُّهُ مِنَّا، فَنَزَلَ فِينَا وَاتَّخَذَ فِينَا دَيْرًا، وَكُنْتُ فِي كُتَّابِ الْفَارِسِيَّةِ، فَكَانَ لَا يَزَالُ غُلَامٌ مَعِي فِي الْكُتَّابِ يَجِيءُ مَضْرُوبًا يَبْكِي قَدْ ضَرَبَهُ أَبَوَاهُ، فَقُلْتُ لَهُ يَوْمًا: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: يَضْرِبُنِي أَبَوَايَ، قُلْتُ: وَلِمَ يَضْرِبَانِكَ؟ قَالَ: آتِي صَاحِبَ هَذَا الدَّيْرِ فَإِذَا عَلِمَا ذَلِكَ ضَرَبَانِي، وَأَنْتَ لَوْ أَتَيْتَهُ سَمِعْتَ مِنْهُ حَدِيثًا عَجِيبًا، قُلْتُ: اذْهَبْ بِي مَعَكَ، فَأَتَيْنَاهُ فَحَدَّثَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ، وَعَنْ بَدْءِ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، قَالَ: فَحَدَّثَنَا بِأَحَادِيثَ عَجَبٍ، فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَيْهِ مَعَهُ، وَفَطِنَ لَنَا غِلْمَانٌ مِنَ الْكُتَّابِ فَجَعَلُوا يَجِيئُونَ مَعَنَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ أَتَوْهُ، فَقَالُوا: يَا هَذَا، إِنَّكَ قَدْ جَاوَرْتَنَا فَلَمْ تَرَ فِي جِوَارِنَا إِلَّا الْحَسَنَ، وَإِنَّا نَرَى غِلْمَانَنَا يَخْتَلِفُونَ إِلَيْكَ، وَنَحْنُ نَخَافُ أَنْ تُفْسِدَهُمْ عَلَيْنَا، اخْرُجْ عَنَّا، قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لِذَلِكَ الْغُلَامِ الَّذِي كَانَ يَأْتِيهِ: اخْرُجْ مَعِي، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، قَدْ عَلِمْتَ شِدَّةَ أَبَوَيَّ عَلَيَّ، قُلْتُ: لَكِنِّي أَخْرُجُ مَعَكَ، وَكُنْتُ يَتِيمًا لَا أَبَ لِي، فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَأَخَذْنَا جَبَلَ رَامَهُرْمُزَ، فَجَعَلْنَا نَمْشِي وَنَتَوَكَّلُ وَنَأْكُلُ مِنَ ثَمَرِ الشَّجَرِ، حَتَّى قَدِمْنَا الْجَزِيرَةَ، فَقَدِمْنَا نُصَيْبِينَ، فَقَالَ لِي صَاحِبِي: يَا سَلْمَانُ، إِنَّ هَهُنَا قَوْمًا هُمْ عُبَّادُ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْقَاهُمْ، قَالَ: فَجِئْنَا إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْأَحَدِ وَقَدِ اجْتَمَعُوا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ صَاحِبِي، فَحَيَّوْهُ وَبَشُّوا بِهِ، وَقَالُوا: أَيْنَ كَانَتْ غَيْبَتُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ فِي إِخْوَانٍ لِي مِنْ قِبَلِ فَارِسَ، فَتَحَدَّثْنَا مَا تَحَدَّثْنَا، ثُمَّ قَالَ لِي صَاحِبِي: قُمْ يَا سَلْمَانُ انْطَلِقْ، فَقُلْتُ: لَا، دَعْنِي مَعَ هَؤُلَاءِ، قَالَ، إِنَّكَ لَا تُطِيقُ مَا يُطِيقُ هَؤُلَاءِ، هَؤُلَاءِ يَصُومُونَ الْأَحَدَ إِلَى الْأَحَدِ، وَلَا يَنَامُونَ هَذَا اللَّيْلَ، فَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ تَرَكَ الْمُلْكَ وَدَخَلَ فِي الْعِبَادَةِ، وَكُنْتُ فِيهِمْ حَتَّى أَمْسَيْنَا فَجَعَلُوا يَذْهَبُونَ وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى غَارِهِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ، فَلَمَّا أَمْسَيْنَا قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ: هَذَا الْغُلَامُ لَا تَضَعُوهُ، لِيَأْخُذْهُ رَجُلٌ مِنْكُمْ، فَقَالُوا: خُذْهُ أَنْتَ، فَقَالَ: هَلُمَّ يَا سَلْمَانُ، فَذَهَبَ بِي مَعَهُ حَتَّى أَتَى غَارَهُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ، فَقَالَ: يَا سَلْمَانُ هَذَا خُبْزٌ وَهَذَا أَدَمٌ، فَكُلْ إِذَا غَرِثْتَ، وَصُمْ إِذَا نَشِطْتَ، وَصَلِّ مَا بَدَا لَكَ، وَنَمْ إِذَا كَسِلْتَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى صَلَاتِهِ فَلَمْ يُكَلِّمْنِي إِلَّا ذَاكَ، وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيَّ، فَأَخَذَنِي الْغَمُّ تِلْكَ السَّبْعَةَ أَيَّامٍ لَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ حَتَّى إِذَا كَانَ الْأَحَدُ فَانْصَرَفَ إِلَيَّ، فَذَهَبْنَا إِلَى مَكَانِهِمُ الَّذِي كَانُوا يَجْتَمِعُونَ، قَالَ: وَهُمْ يَجْتَمِعُونَ كُلَّ أَحَدٍ يُفْطِرُونَ فِيهِ فَيَلْقَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ لَا يَلْتَقُونَ إِلَى مِثْلِهِ، قَالَ: فَرَجَعْنَا إِلَى مَنْزِلِنَا، فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ: هَذَا خُبْزٌ وَأَدَمٌ فَكُلْ مِنْهُ إِذَا غَرِثْتَ، وَصُمْ إِذَا نَشِطْتَ، وَصَلِّ مَا بَدَا لَكَ، وَنَمْ إِذَا كَسِلْتَ، ثُمَّ دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيَّ، وَلَمْ يُكَلِّمْنِي إِلَى الْأَحَدِ الْآخَرِ، فَأَخَذَنِي غَمٌّ وَحَدَّثْتُ نَفْسِي بِالْفِرَارِ، فَقُلْتُ أَصْبِرُ أَحَدَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ رَجَعْنَا إِلَيْهِمْ، فَأَفْطَرُوا وَاجْتَمَعُوا، فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي أُرِيدُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَقَالُوا: وَمَا تُرِيدُ إِلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا عَهْدَ لِي بِهِ، قَالُوا: إِنَّا نَخَافُ أَنْ يَحْدُثَ بِكَ حَادِثٌ فَيَلِيكَ غَيْرُنَا، وَكُنَّا نُحِبُّ أَنْ نَلِيَكَ، قَالَ: لَا عَهْدَ لِي بِهِ، فَلَمَّا سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ ذَلِكَ فَرِحْتُ، قُلْتُ: نُسَافِرُ وَنَلْقَى النَّاسَ، فَيَذْهَبُ عَنِّي الْغَمُّ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُ، فَخَرَجْنَا أَنَا وَهُوَ، وَكَانَ يَصُومُ مِنَ الْأَحَدِ إِلَى الْأَحَدِ، وَيُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ، وَيَمْشِي النَّهَارَ، فَإِذَا نَزَلْنَا قَامَ يُصَلِّي، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَعَلَى بَابِهِ رَجُلٌ مُقْعَدٌ يَسْأَلُ النَّاسَ، فَقَالَ: أَعْطِنِي، فَقَالَ: مَا مَعِي شَيْءٌ، فَدَخَلْنَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَلَمَّا رَآهُ أَهْلُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَشُّوا إِلَيْهِ وَاسْتَبْشَرُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: غُلَامِي هَذَا فَاسْتَوْصُوا بِهِ، فَذَهَبُوا بِي فَأَطْعَمُونِي خُبْزًا وَلَحْمًا، وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَنْصَرِفْ إِلَيَّ حَتَّى كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ الْآخَرِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ لِي: يَا سَلْمَانُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَضَعَ رَأْسِي، فَإِذَا بَلَغَ الظِّلُّ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَأَيْقِظْنِي، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ، فَبَلَغَ الظِّلُّ الَّذِي قَالَ، فَلَمْ أُوقِظْهُ مَأْوَاةً لَهُ مِمَّا ذَاقَ مِنِ اجْتِهَادِهِ وَنَصَبِهِ، فَاسْتَيْقَظَ مَذْعُورًا، فَقَالَ: يَا سَلْمَانُ، أَلَمْ أَكُنْ قُلْتُ لَكَ إِذَا بَلَغَ الظِّلُّ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَأَيْقِظْنِي؟ قُلْتُ: بَلَى، لَكِنْ إِنَّمَا مَنَعَنِي مِنْ ذَلِكَ مَأْوَاةً لِمَا رَأَيْتُ مِنْ دَأَبِكَ، قَالَ: وَيْحَكَ يَا سَلْمَانُ، إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَفُوتَنِي شَيْءٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ أَعْمَلْ لِلَّهِ فِيهِ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اعْلَمْ يَا سَلْمَانُ أَنَّ أَفْضَلَ دِينٍ الْيَوْمَ النَّصْرَانِيَّةُ، قُلْتُ: وَيَكُونُ بَعْدَ الْيَوْمِ دِينٌ أَفْضَلَ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ؟ كَلِمَةً أُلْقِيَتْ عَلَى لِسَانِي، قَالَ: نَعَمْ، يُوشِكُ أَنْ يُبْعَثَ نَبِيٌّ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَإِذَا أَدْرَكْتَهُ فَاتَّبِعْهُ وَصَدِّقْهُ، قُلْتُ: وَإِنْ أَمَرَنِي أَنْ أَدَعَ النَّصْرَانِيَّةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَإِنَّهُ نَبِيٌّ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا، وَاللَّهِ لَوْ أَدْرَكْتُهُ ثُمَّ أَمَرَنِي أَنْ أَقَعَ فِي النَّارِ لَوَقَعْتُهَا، ثُمَّ خَرَجْنَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَمَرَرْنَا عَلَى ذَلِكَ الْمُقْعَدِ، فَقَالَ لَهُ: دَخَلْتَ فَلَمْ تُعْطِنِي، وَهَذَا تَخْرُجُ فَأَعْطِنِي، فَالْتَفَتَ فَلَمْ يَجِدْ حَوْلَهُ أَحَدًا، قَالَ: فَأَعْطِنِي يَدَكَ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ، فَقَالَ: قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَقَامَ صَحِيحًا سَوِيًّا فَتَوَجَّهَ نَحْوَ أَهْلِهِ، فَاتَّبَعَهُ بَصَرِي تَعَجُّبًا مِمَّا رَأَيْتُ، وَخَرَجَ صَاحِبِي فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ وَتَبِعْتُهُ، فَتَلَقَّانِي رُفْقَةٌ مِنْ كَلْبٍ أَعْرَابٌ فَسَبَوْنِي، فَحَمَلُونِي عَلَى بَعِيرٍ وَشَدُّونِي، فَتَدَاوَلَنِي الْبُيَّاعُ حَتَّى سَقَطْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَاشْتَرَانِي رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَجَعَلَنِي فِي حَائِطٍ لَهُ مِنْ نَخْلٍ، فَكُنْتُ فِيهِ، قَالَ: وَمِنْ ثَمَّ تَعَلَّمْتُ عَمَلَ الْخُوصِ، أَشْتَرِي خُوصًا بِدِرْهَمٍ فَأَعْمَلُهُ فَأَبِيعُهُ بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَرُدُّ أَحَدَهُمَا فِي الْخُوصِ وَأَسْتَنْفِقُ دِرْهَمًا، أُحِبُّ أَنْ آكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِي، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا. فَبَلَغَنَا وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ أَنَّ رَجُلًا قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَهُ، فَمَكَثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ نَمْكُثَ، فَهَاجَرَ إِلَيْنَا وَقَدِمَ عَلَيْنَا، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأُجَرِبَنَّهُ، فَذَهَبْتُ إِلَى السُّوقِ فَاشْتَرَيْتُ لَحْمَ جَزُورٍ بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ طَبَخْتُهُ، فَجَعَلْتُ قَصْعَةً مِنْ ثَرِيدٍ، فَاحْتَمَلْتُهَا حَتَّى أَتَيْتُهُ بِهَا عَلَى عَاتِقِي، حَتَّى وَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: «مَا هَذِهِ، أَصَدَقَةٌ أَمْ هَدِيَّةٌ؟» قُلْتُ: بَلْ صَدَقَةٌ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «كُلُوا بِاسْمِ اللَّهِ»، وَأَمْسَكَ وَلَمْ يَأْكُلْ، فَلَبِثْتُ أَيَّامًا ثُمَّ اشْتَرَيْتُ لَحْمًا أَيْضًا بِدِرْهَمٍ فَأَصْنَعُ مِثْلَهَا، فَاحْتَمَلْتُهَا حَتَّى أَتَيْتُهُ بِهَا فَوَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: «مَا هَذِهِ، هَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ؟» قُلْتُ: بَلْ هَدِيَّةٌ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «كُلُوا بِاسْمِ اللَّهِ» وَأَكَلَ مَعَهُمْ، قُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، فَنَظَرْتُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَرَأَيْتُ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ فَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ ذَاتَ يَوْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ قَوْمٍ النَّصَارَى؟ قَالَ: «لَا خَيْرَ فِيهِمْ» وَكُنْتُ أُحِبُّهُمْ حُبًّا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُ مِنِ اجْتِهَادِهِمْ، ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُهُ أَيْضًا بَعْدَ أَيَّامٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ قَوْمٍ النَّصَارَى؟ قَالَ: «لَا خَيْرَ فِيهِمْ وَلَا فِيمَنْ يُحِبُّهُمْ» قُلْتُ فِي نَفْسِي: فَأَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّهُمْ. قَالَ: وَذَاكَ وَاللَّهِ حِينَ بَعَثَ السَّرَايَا وَجَرَّدَ السَّيْفَ، فَسَرِيَّةٌ تَدْخُلُ، وَسَرِيَّةٌ تَخْرُجُ، وَالسَّيْفُ يَقْطُرُ، قُلْتُ: يُحَدَّثُ بِيَ الْآنَ أَنِّي أُحِبُّهُمْ فَيَبْعَثُ إِلَيَّ فَيَضْرِبُ عُنُقِي، فَقَعَدْتُ فِي الْبَيْتِ، فَجَاءَنِي الرَّسُولُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «يَا سَلْمَانُ أَجِبْ» قُلْتُ: مَنْ؟ قَالَ: «رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ» قُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي كُنْتُ أَحْذَرُ، قُلْتُ: نَعَمْ، أَنِ اذْهَبْ حَتَّى أَلْحَقَكَ، قَالَ: «لَا وَاللَّهِ حَتَّى تَجِيءَ» وَأَنَا أُحَدِّثُ نَفْسِي أَنْ لَوْ ذَهَبَ أَنْ أَفِرَّ، فَانْطَلَقَ بِي فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَآنِي تَبَسَّمَ وَقَالَ لِي: «يَا سَلْمَانُ، أَبْشِرْ فَقَدْ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْكَ» ثُمَّ تَلَا عَلَيَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ. وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ، إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ. أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا، وَيَدْرءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ، وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ، وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقَّ، لَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَوْ أَدْرَكْتُهُ وَأَمَرَنِي أَنْ أُوقَعَ فِي النَّارِ لَوَقَعْتُهَا، إِنَّهُ نَبِيٌّ لَا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا وَلَا يَأْمُرُ إِلَّا بِالْحَقِّ "
٨ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ الْمَكِّيُّ، ثنا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: ثنا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَازِنِيُّ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سَلَامَةَ الْعِجْلِيِّ، قَالَ: جَاءَ ابْنُ أُخْتٍ لِي مِنَ الْبَادِيَةِ يُقَالَ لَهُ قُدَامَةُ، فَقَالَ لِيَ ابْنُ أُخْتِي: أُحِبُّ أَنْ أَلْقَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ فَأُسَلِّمَ عَلَيْهِ، فَخَرَجْنَا فَوَجَدْنَاهُ بِالْمَدَائِنِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا، وَوَجَدْنَاهُ عَلَى سَرِيرٍ يَسُفُّ خُوصًا فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، هَذَا ابْنُ أُخْتٍ لِي قَدِمَ عَلَيَّ مِنَ الْبَادِيَةِ فَأَحَبَّ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْكَ، قَالَ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، قُلْتُ: يَزْعُمُ أَنَّهُ يُحِبُّكَ، قَالَ: أَحَبَّهُ اللَّهُ، قَالَ: فتَحَدَّثْنَا، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أَلَا تُحَدِّثُنَا عَنْ أَصْلِكَ وَمِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَمَّا أَصْلِي وَمِمَّنْ أَنَا، فَأَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ رَامَهُرْمُزَ، كُنَّا قَوْمًا مَجُوسًا، فَأَتَانَا رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ كَانَتْ أُمُّهُ مِنَّا، فَنَزَلَ فِينَا وَاتَّخَذَ فِينَا دَيْرًا، وَكُنْتُ فِي كُتَّابِ الْفَارِسِيَّةِ، فَكَانَ لَا يَزَالُ غُلَامٌ مَعِي فِي الْكُتَّابِ يَجِيءُ مَضْرُوبًا يَبْكِي قَدْ ضَرَبَهُ أَبَوَاهُ، فَقُلْتُ لَهُ يَوْمًا: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: يَضْرِبُنِي أَبَوَايَ، قُلْتُ: وَلِمَ يَضْرِبَانِكَ؟ قَالَ: آتِي صَاحِبَ هَذَا الدَّيْرِ فَإِذَا عَلِمَا ذَلِكَ ضَرَبَانِي، وَأَنْتَ لَوْ أَتَيْتَهُ سَمِعْتَ مِنْهُ حَدِيثًا عَجِيبًا، قُلْتُ: اذْهَبْ بِي مَعَكَ، فَأَتَيْنَاهُ فَحَدَّثَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ، وَعَنْ بَدْءِ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، قَالَ: فَحَدَّثَنَا بِأَحَادِيثَ عَجَبٍ، فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَيْهِ مَعَهُ، وَفَطِنَ لَنَا غِلْمَانٌ مِنَ الْكُتَّابِ فَجَعَلُوا يَجِيئُونَ مَعَنَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ أَتَوْهُ، فَقَالُوا: يَا هَذَا، إِنَّكَ قَدْ جَاوَرْتَنَا فَلَمْ تَرَ فِي جِوَارِنَا إِلَّا الْحَسَنَ، وَإِنَّا نَرَى غِلْمَانَنَا يَخْتَلِفُونَ إِلَيْكَ، وَنَحْنُ نَخَافُ أَنْ تُفْسِدَهُمْ عَلَيْنَا، اخْرُجْ عَنَّا، قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لِذَلِكَ الْغُلَامِ الَّذِي كَانَ يَأْتِيهِ: اخْرُجْ مَعِي، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، قَدْ عَلِمْتَ شِدَّةَ أَبَوَيَّ عَلَيَّ، قُلْتُ: لَكِنِّي أَخْرُجُ مَعَكَ، وَكُنْتُ يَتِيمًا لَا أَبَ لِي، فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَأَخَذْنَا جَبَلَ رَامَهُرْمُزَ، فَجَعَلْنَا نَمْشِي وَنَتَوَكَّلُ وَنَأْكُلُ مِنَ ثَمَرِ الشَّجَرِ، حَتَّى قَدِمْنَا الْجَزِيرَةَ، فَقَدِمْنَا نُصَيْبِينَ، فَقَالَ لِي صَاحِبِي: يَا سَلْمَانُ، إِنَّ هَهُنَا قَوْمًا هُمْ عُبَّادُ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْقَاهُمْ، قَالَ: فَجِئْنَا إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْأَحَدِ وَقَدِ اجْتَمَعُوا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ صَاحِبِي، فَحَيَّوْهُ وَبَشُّوا بِهِ، وَقَالُوا: أَيْنَ كَانَتْ غَيْبَتُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ فِي إِخْوَانٍ لِي مِنْ قِبَلِ فَارِسَ، فَتَحَدَّثْنَا مَا تَحَدَّثْنَا، ثُمَّ قَالَ لِي صَاحِبِي: قُمْ يَا سَلْمَانُ انْطَلِقْ، فَقُلْتُ: لَا، دَعْنِي مَعَ هَؤُلَاءِ، قَالَ، إِنَّكَ لَا تُطِيقُ مَا يُطِيقُ هَؤُلَاءِ، هَؤُلَاءِ يَصُومُونَ الْأَحَدَ إِلَى الْأَحَدِ، وَلَا يَنَامُونَ هَذَا اللَّيْلَ، فَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ تَرَكَ الْمُلْكَ وَدَخَلَ فِي الْعِبَادَةِ، وَكُنْتُ فِيهِمْ حَتَّى أَمْسَيْنَا فَجَعَلُوا يَذْهَبُونَ وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى غَارِهِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ، فَلَمَّا أَمْسَيْنَا قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ: هَذَا الْغُلَامُ لَا تَضَعُوهُ، لِيَأْخُذْهُ رَجُلٌ مِنْكُمْ، فَقَالُوا: خُذْهُ أَنْتَ، فَقَالَ: هَلُمَّ يَا سَلْمَانُ، فَذَهَبَ بِي مَعَهُ حَتَّى أَتَى غَارَهُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ، فَقَالَ: يَا سَلْمَانُ هَذَا خُبْزٌ وَهَذَا أَدَمٌ، فَكُلْ إِذَا غَرِثْتَ، وَصُمْ إِذَا نَشِطْتَ، وَصَلِّ مَا بَدَا لَكَ، وَنَمْ إِذَا كَسِلْتَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى صَلَاتِهِ فَلَمْ يُكَلِّمْنِي إِلَّا ذَاكَ، وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيَّ، فَأَخَذَنِي الْغَمُّ تِلْكَ السَّبْعَةَ أَيَّامٍ لَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ حَتَّى إِذَا كَانَ الْأَحَدُ فَانْصَرَفَ إِلَيَّ، فَذَهَبْنَا إِلَى مَكَانِهِمُ الَّذِي كَانُوا يَجْتَمِعُونَ، قَالَ: وَهُمْ يَجْتَمِعُونَ كُلَّ أَحَدٍ يُفْطِرُونَ فِيهِ فَيَلْقَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ لَا يَلْتَقُونَ إِلَى مِثْلِهِ، قَالَ: فَرَجَعْنَا إِلَى مَنْزِلِنَا، فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ: هَذَا خُبْزٌ وَأَدَمٌ فَكُلْ مِنْهُ إِذَا غَرِثْتَ، وَصُمْ إِذَا نَشِطْتَ، وَصَلِّ مَا بَدَا لَكَ، وَنَمْ إِذَا كَسِلْتَ، ثُمَّ دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيَّ، وَلَمْ يُكَلِّمْنِي إِلَى الْأَحَدِ الْآخَرِ، فَأَخَذَنِي غَمٌّ وَحَدَّثْتُ نَفْسِي بِالْفِرَارِ، فَقُلْتُ أَصْبِرُ أَحَدَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ رَجَعْنَا إِلَيْهِمْ، فَأَفْطَرُوا وَاجْتَمَعُوا، فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي أُرِيدُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَقَالُوا: وَمَا تُرِيدُ إِلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا عَهْدَ لِي بِهِ، قَالُوا: إِنَّا نَخَافُ أَنْ يَحْدُثَ بِكَ حَادِثٌ فَيَلِيكَ غَيْرُنَا، وَكُنَّا نُحِبُّ أَنْ نَلِيَكَ، قَالَ: لَا عَهْدَ لِي بِهِ، فَلَمَّا سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ ذَلِكَ فَرِحْتُ، قُلْتُ: نُسَافِرُ وَنَلْقَى النَّاسَ، فَيَذْهَبُ عَنِّي الْغَمُّ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُ، فَخَرَجْنَا أَنَا وَهُوَ، وَكَانَ يَصُومُ مِنَ الْأَحَدِ إِلَى الْأَحَدِ، وَيُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ، وَيَمْشِي النَّهَارَ، فَإِذَا نَزَلْنَا قَامَ يُصَلِّي، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَعَلَى بَابِهِ رَجُلٌ مُقْعَدٌ يَسْأَلُ النَّاسَ، فَقَالَ: أَعْطِنِي، فَقَالَ: مَا مَعِي شَيْءٌ، فَدَخَلْنَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَلَمَّا رَآهُ أَهْلُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَشُّوا إِلَيْهِ وَاسْتَبْشَرُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: غُلَامِي هَذَا فَاسْتَوْصُوا بِهِ، فَذَهَبُوا بِي فَأَطْعَمُونِي خُبْزًا وَلَحْمًا، وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَنْصَرِفْ إِلَيَّ حَتَّى كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ الْآخَرِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ لِي: يَا سَلْمَانُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَضَعَ رَأْسِي، فَإِذَا بَلَغَ الظِّلُّ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَأَيْقِظْنِي، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ، فَبَلَغَ الظِّلُّ الَّذِي قَالَ، فَلَمْ أُوقِظْهُ مَأْوَاةً لَهُ مِمَّا ذَاقَ مِنِ اجْتِهَادِهِ وَنَصَبِهِ، فَاسْتَيْقَظَ مَذْعُورًا، فَقَالَ: يَا سَلْمَانُ، أَلَمْ أَكُنْ قُلْتُ لَكَ إِذَا بَلَغَ الظِّلُّ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَأَيْقِظْنِي؟ قُلْتُ: بَلَى، لَكِنْ إِنَّمَا مَنَعَنِي مِنْ ذَلِكَ مَأْوَاةً لِمَا رَأَيْتُ مِنْ دَأَبِكَ، قَالَ: وَيْحَكَ يَا سَلْمَانُ، إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَفُوتَنِي شَيْءٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ أَعْمَلْ لِلَّهِ فِيهِ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اعْلَمْ يَا سَلْمَانُ أَنَّ أَفْضَلَ دِينٍ الْيَوْمَ النَّصْرَانِيَّةُ، قُلْتُ: وَيَكُونُ بَعْدَ الْيَوْمِ دِينٌ أَفْضَلَ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ؟ كَلِمَةً أُلْقِيَتْ عَلَى لِسَانِي، قَالَ: نَعَمْ، يُوشِكُ أَنْ يُبْعَثَ نَبِيٌّ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَإِذَا أَدْرَكْتَهُ فَاتَّبِعْهُ وَصَدِّقْهُ، قُلْتُ: وَإِنْ أَمَرَنِي أَنْ أَدَعَ النَّصْرَانِيَّةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَإِنَّهُ نَبِيٌّ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا، وَاللَّهِ لَوْ أَدْرَكْتُهُ ثُمَّ أَمَرَنِي أَنْ أَقَعَ فِي النَّارِ لَوَقَعْتُهَا، ثُمَّ خَرَجْنَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَمَرَرْنَا عَلَى ذَلِكَ الْمُقْعَدِ، فَقَالَ لَهُ: دَخَلْتَ فَلَمْ تُعْطِنِي، وَهَذَا تَخْرُجُ فَأَعْطِنِي، فَالْتَفَتَ فَلَمْ يَجِدْ حَوْلَهُ أَحَدًا، قَالَ: فَأَعْطِنِي يَدَكَ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ، فَقَالَ: قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَقَامَ صَحِيحًا سَوِيًّا فَتَوَجَّهَ نَحْوَ أَهْلِهِ، فَاتَّبَعَهُ بَصَرِي تَعَجُّبًا مِمَّا رَأَيْتُ، وَخَرَجَ صَاحِبِي فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ وَتَبِعْتُهُ، فَتَلَقَّانِي رُفْقَةٌ مِنْ كَلْبٍ أَعْرَابٌ فَسَبَوْنِي، فَحَمَلُونِي عَلَى بَعِيرٍ وَشَدُّونِي، فَتَدَاوَلَنِي الْبُيَّاعُ حَتَّى سَقَطْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَاشْتَرَانِي رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَجَعَلَنِي فِي حَائِطٍ لَهُ مِنْ نَخْلٍ، فَكُنْتُ فِيهِ، قَالَ: وَمِنْ ثَمَّ تَعَلَّمْتُ عَمَلَ الْخُوصِ، أَشْتَرِي خُوصًا بِدِرْهَمٍ فَأَعْمَلُهُ فَأَبِيعُهُ بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَرُدُّ أَحَدَهُمَا فِي الْخُوصِ وَأَسْتَنْفِقُ دِرْهَمًا، أُحِبُّ أَنْ آكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِي، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا. فَبَلَغَنَا وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ أَنَّ رَجُلًا قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَهُ، فَمَكَثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ نَمْكُثَ، فَهَاجَرَ إِلَيْنَا وَقَدِمَ عَلَيْنَا، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأُجَرِبَنَّهُ، فَذَهَبْتُ إِلَى السُّوقِ فَاشْتَرَيْتُ لَحْمَ جَزُورٍ بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ طَبَخْتُهُ، فَجَعَلْتُ قَصْعَةً مِنْ ثَرِيدٍ، فَاحْتَمَلْتُهَا حَتَّى أَتَيْتُهُ بِهَا عَلَى عَاتِقِي، حَتَّى وَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: «مَا هَذِهِ، أَصَدَقَةٌ أَمْ هَدِيَّةٌ؟» قُلْتُ: بَلْ صَدَقَةٌ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «كُلُوا بِاسْمِ اللَّهِ»، وَأَمْسَكَ وَلَمْ يَأْكُلْ، فَلَبِثْتُ أَيَّامًا ثُمَّ اشْتَرَيْتُ لَحْمًا أَيْضًا بِدِرْهَمٍ فَأَصْنَعُ مِثْلَهَا، فَاحْتَمَلْتُهَا حَتَّى أَتَيْتُهُ بِهَا فَوَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: «مَا هَذِهِ، هَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ؟» قُلْتُ: بَلْ هَدِيَّةٌ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «كُلُوا بِاسْمِ اللَّهِ» وَأَكَلَ مَعَهُمْ، قُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، فَنَظَرْتُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَرَأَيْتُ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ فَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ ذَاتَ يَوْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ قَوْمٍ النَّصَارَى؟ قَالَ: «لَا خَيْرَ فِيهِمْ» وَكُنْتُ أُحِبُّهُمْ حُبًّا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُ مِنِ اجْتِهَادِهِمْ، ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُهُ أَيْضًا بَعْدَ أَيَّامٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ قَوْمٍ النَّصَارَى؟ قَالَ: «لَا خَيْرَ فِيهِمْ وَلَا فِيمَنْ يُحِبُّهُمْ» قُلْتُ فِي نَفْسِي: فَأَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّهُمْ. قَالَ: وَذَاكَ وَاللَّهِ حِينَ بَعَثَ السَّرَايَا وَجَرَّدَ السَّيْفَ، فَسَرِيَّةٌ تَدْخُلُ، وَسَرِيَّةٌ تَخْرُجُ، وَالسَّيْفُ يَقْطُرُ، قُلْتُ: يُحَدَّثُ بِيَ الْآنَ أَنِّي أُحِبُّهُمْ فَيَبْعَثُ إِلَيَّ فَيَضْرِبُ عُنُقِي، فَقَعَدْتُ فِي الْبَيْتِ، فَجَاءَنِي الرَّسُولُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «يَا سَلْمَانُ أَجِبْ» قُلْتُ: مَنْ؟ قَالَ: «رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ» قُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي كُنْتُ أَحْذَرُ، قُلْتُ: نَعَمْ، أَنِ اذْهَبْ حَتَّى أَلْحَقَكَ، قَالَ: «لَا وَاللَّهِ حَتَّى تَجِيءَ» وَأَنَا أُحَدِّثُ نَفْسِي أَنْ لَوْ ذَهَبَ أَنْ أَفِرَّ، فَانْطَلَقَ بِي فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَآنِي تَبَسَّمَ وَقَالَ لِي: «يَا سَلْمَانُ، أَبْشِرْ فَقَدْ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْكَ» ثُمَّ تَلَا عَلَيَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ. وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ، إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ. أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا، وَيَدْرءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ، وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ، وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ قُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقَّ، لَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَوْ أَدْرَكْتُهُ وَأَمَرَنِي أَنْ أُوقَعَ فِي النَّارِ لَوَقَعْتُهَا، إِنَّهُ نَبِيٌّ لَا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا وَلَا يَأْمُرُ إِلَّا بِالْحَقِّ "
1 / 206
٩ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسَاوِرٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ، قَالَ: ثنا عُبَيْدٌ الْمُكَتِّبُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الطُّفَيْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ جَيَّ، وَكَانَ أَهْلُ قَرْيَتِي يَعْبُدُونَ الْخَيْلَ الْبُلْقَ، فَكُنْتُ أَعْرِفُ أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ، فَقِيلَ لِي: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ إِنَّمَا هُوَ بِالْمَغْرِبِ، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ الْمَوْصِلَ، فَسَأَلْتُ عَنْ أَفْضَلِ رَجُلٍ بِهَا، فَدُلِلْتُ عَلَى رَجُلٍ فِي صَوْمَعَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: بِعْنِي نَفْسِي، قَالَ: نَعَمْ، عَلَى أَنْ تُنْبِتَ لِي مِائَةَ نَخْلَةٍ، فَإِذَا نَبَتْنَ جِئْتَنِي بِوَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، ﷺ، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اشْتَرِ نَفْسَكَ بِالَّذِي سَأَلَكَ، وَائْتِنِي بِدَلْوٍ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ الَّتِي كُنْتَ تَسْقِي مِنْهَا النَّخْلَ» قَالَ: فَدَعَا لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيهَا ثُمَّ سَقَيتُهَا، فَوَاللَّهِ لَقَدْ غَرَسْتُ مِائَةَ نَخْلَةٍ فَمَا غَادَرَتْ مِنْهَا نَخْلَةٌ إِلَّا نَبَتَتْ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، ﷺ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ النَّخْلَ قَدْ نَبَتْنَ، فَأَعْطَانِي قِطْعَةً مِنْ ذَهَبٍ فَانْطَلَقْتُ بِهَا فَوَضَعْتُهَا فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ وَوَضَعَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ نَوَاةً، فَوَاللَّهِ مَا اسْتَقَلَّتِ الْقِطْعَةُ الذَّهَبُ مِنَ الْأَرْضِ، قَالَ: وَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ، ﷺ فَأَخْبَرْتُهُ فَأَعْتَقَنِي "
1 / 211
إِسْلَامُ أَبِي قِرْصَافَةَ وَاسْمُهُ جَنْدَرَةُ بْنُ خَيْشَنَّةَ ﵁
١٠ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْهَيْصَمِ، قَالَ: ثنا زِيَادُ بْنُ سَيَّارٍ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَزَّةُ بِنْتُ عِيَاضِ بْنِ أَبِي قِرْصَافَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ جَدَّهَا أَبَا قِرْصَافَةَ، صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ يَقُولُ: كَانَ بَدْءُ إِسْلَامِي أَنِّي كُنْتُ يَتِيمًا بَيْنَ أُمِّي وَخَالَتِي، وَكَانَ أَكْثَرُ مَيْلِي إِلَى خَالَتِي، وَكُنْتُ أَرْعَى شُوَيْهَاتٍ لِي، وَكَانَتْ خَالَتِي كَثِيرًا مَا تَقُولُ لِي: يَا بُنَيَّ، لَا تَمُرَّ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، تَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَيُغْوِيَكَ وَيُضِلَّكَ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ حَتَّى آتِيَ الْمَرْعَى، فَأَتْرُكُ شُوَيْهَاتِي ثُمَّ آتِي النَّبِيَّ ﷺ، فَلَا أَزَالُ عِنْدَهُ أَسْمَعُ مِنْهُ، ثُمَّ أَرُوحُ بِغَنَمِي ضُمَّرًا يَابِسَاتِ الضُّرُوعِ، وَقَالَتْ لِي خَالَتِي: مَا لِغَنَمِكَ يَابِسَاتِ الضُّرُوعِ؟ قُلْتُ: مَا أَدْرِي، ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ الْيَوْمَ الثَّانِيَ، فَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ، هَاجِرُوا وَتمَسَّكُوا بِالْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّ الْهِجْرَةَ لَا تَنْقَطِعُ مَا دَامَ الْجِهَادُ» ثُمَّ إِنِّي رَجَعْتُ بِغَنَمِي كَمَا رَجَعْتُ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَمْ أَزَلْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَسْمَعُ مِنْهُ حَتَّى أَسْلَمْتُ وَبَايَعْتُ وَصَافَحْتُهُ بِيَدِي، وَشَكَوْتُ إِلَيْهِ أَمْرَ خَالَتِي وَأَمْرَ غُنَيْمَاتِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «جِئْنِي بِالشِّيَاهِ» فَجِئْتُهُ بِهِنَّ فَمَسَحَ ضُرُوعَهُنَّ وَظُهُورَهُنَّ وَدَعَا فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ، فَامْتَلَأَتْ شَحْمًا وَلَبَنًا، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى خَالَتِي بِهِنَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، هَكَذَا فَارْعَ، قُلْتُ: يَا خَالَةُ، مَا رَعَيْتُ إِلَّا حَيْثُ كُنْتُ أَرْعَى كُلَّ يَوْمٍ، وَلَكِنْ أُخْبرُكِ بِقِصَّتِي، وَأَخْبَرْتُهَا بِالْقِصَّةِ، وَإِتيَانِي النَّبِيَّ ﷺ، وَأَخْبَرْتُهَا بِسِيرَتِهِ وَبِكَلَامِهِ، فَقَالَتْ أُمِّي وَخَالَتِي: اذْهَبْ بِنَا إِلَيْهِ، فَذَهَبْتُ أَنَا وَأُمِّي وَخَالَتِي، فَأَسْلَمَتَا وَبَايَعَتَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَصَافَحْنَاهُ، فَهَذَا مَا كَانَ مِنْ إِسْلَامِ أَبِي قِرْصَافَةَ وَهِجْرَتِهِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ. قَالَ زِيَادٌ: وَكَانَ أَبُو قِرْصَافَةَ يَسْكُنُ أَرْضَ تِهَامَةَ
١٠ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْهَيْصَمِ، قَالَ: ثنا زِيَادُ بْنُ سَيَّارٍ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَزَّةُ بِنْتُ عِيَاضِ بْنِ أَبِي قِرْصَافَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ جَدَّهَا أَبَا قِرْصَافَةَ، صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ يَقُولُ: كَانَ بَدْءُ إِسْلَامِي أَنِّي كُنْتُ يَتِيمًا بَيْنَ أُمِّي وَخَالَتِي، وَكَانَ أَكْثَرُ مَيْلِي إِلَى خَالَتِي، وَكُنْتُ أَرْعَى شُوَيْهَاتٍ لِي، وَكَانَتْ خَالَتِي كَثِيرًا مَا تَقُولُ لِي: يَا بُنَيَّ، لَا تَمُرَّ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، تَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَيُغْوِيَكَ وَيُضِلَّكَ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ حَتَّى آتِيَ الْمَرْعَى، فَأَتْرُكُ شُوَيْهَاتِي ثُمَّ آتِي النَّبِيَّ ﷺ، فَلَا أَزَالُ عِنْدَهُ أَسْمَعُ مِنْهُ، ثُمَّ أَرُوحُ بِغَنَمِي ضُمَّرًا يَابِسَاتِ الضُّرُوعِ، وَقَالَتْ لِي خَالَتِي: مَا لِغَنَمِكَ يَابِسَاتِ الضُّرُوعِ؟ قُلْتُ: مَا أَدْرِي، ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ الْيَوْمَ الثَّانِيَ، فَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ، هَاجِرُوا وَتمَسَّكُوا بِالْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّ الْهِجْرَةَ لَا تَنْقَطِعُ مَا دَامَ الْجِهَادُ» ثُمَّ إِنِّي رَجَعْتُ بِغَنَمِي كَمَا رَجَعْتُ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَمْ أَزَلْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَسْمَعُ مِنْهُ حَتَّى أَسْلَمْتُ وَبَايَعْتُ وَصَافَحْتُهُ بِيَدِي، وَشَكَوْتُ إِلَيْهِ أَمْرَ خَالَتِي وَأَمْرَ غُنَيْمَاتِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «جِئْنِي بِالشِّيَاهِ» فَجِئْتُهُ بِهِنَّ فَمَسَحَ ضُرُوعَهُنَّ وَظُهُورَهُنَّ وَدَعَا فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ، فَامْتَلَأَتْ شَحْمًا وَلَبَنًا، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى خَالَتِي بِهِنَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، هَكَذَا فَارْعَ، قُلْتُ: يَا خَالَةُ، مَا رَعَيْتُ إِلَّا حَيْثُ كُنْتُ أَرْعَى كُلَّ يَوْمٍ، وَلَكِنْ أُخْبرُكِ بِقِصَّتِي، وَأَخْبَرْتُهَا بِالْقِصَّةِ، وَإِتيَانِي النَّبِيَّ ﷺ، وَأَخْبَرْتُهَا بِسِيرَتِهِ وَبِكَلَامِهِ، فَقَالَتْ أُمِّي وَخَالَتِي: اذْهَبْ بِنَا إِلَيْهِ، فَذَهَبْتُ أَنَا وَأُمِّي وَخَالَتِي، فَأَسْلَمَتَا وَبَايَعَتَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَصَافَحْنَاهُ، فَهَذَا مَا كَانَ مِنْ إِسْلَامِ أَبِي قِرْصَافَةَ وَهِجْرَتِهِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ. قَالَ زِيَادٌ: وَكَانَ أَبُو قِرْصَافَةَ يَسْكُنُ أَرْضَ تِهَامَةَ
1 / 212
إِسْلَامُ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ ﵁ وَيُكَنَّى أَبَا نَجِيحٍ
١١ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ الْمَكِّيُّ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: ثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَدَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِعَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ: بِأَيِّ شَيْءٍ تُدْعَى رُبُعَ الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَرَى النَّاسَ عَلَى ضَلَالَةٍ، لَا أَرَى الْأَوْثَانَ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعْتُ الرِّجَالَ تُخْبِرُ أَخْبَارًا بِمَكَّةَ وَتُحَدِّثُ أَحَادِيثَ، فَرَكِبْتُ رَاحِلَتِي حَتَّى قَدِمْتُ مَكَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُسْتَخْفِيًا، وَإِذا قَوْمُهُ عَلَيْهِ جُرَآءٌ، فَتَلَطَّفْتُ لَهُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: «أَنَا نَبِيٌّ»، قُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟ قَالَ: «رَسُولُ اللَّهِ»، قُلْتُ: اللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: " بِأَيِّ شَيْءٍ أُرسِلْتَ؟ قَالَ: «بِتَوْحِيدِ اللَّهِ، لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ»، قُلْتُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: «حُرٌّ وَعَبْدٌ» وَإِذا مَعَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَعَبْدٌ بِلَالٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، قُلْتُ: إِنِّي مَعَكَ مُتَّبِعُكَ، قَالَ: «لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا، وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ، فَإِذَا سَمِعْتَ أَنِّي قَدْ ظَفِرْتُ فَالْحَقْ بِي»، فَرَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي وَقَدْ أَسْلَمْتُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الْأَخْبَارَ حَتَّى جَاءَ رَكْبٌ مِنْ يَثْرِبَ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ هَذَا الرَّجُلُ الْمَكِّيُّ الَّذِي أَتَاكُمْ؟ قَالُوا: أَرَادَ قَوْمُهُ قَتْلَهُ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ، وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، فَرَكِبَ النَّاسُ إِلَيْهِ سِرَاعًا. قَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ، فَرَكِبْتُ رَاحِلَتِي حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَعْرِفُنِي؟ قَالَ: «نَعَمْ، أَلَسْتَ الَّذِي أَتَيْتَنِي بِمَكَّةَ؟» قُلْتُ: بَلَى، فعَلِّمْنِي مَا عَلَّمَكَ اللَّهُ، قَالَ: «فَإِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَأَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ فَلَا تُصَلِّ حَتَّى تَرْتَفِعَ؛ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ قِيدَ رُمْحٍ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ لِحُضُورِهِ، حَتَّى يَسْتَقِلَّ الرُّمْحُ بِالظِّلِّ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تُسَعَّرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا فَاءَ الْفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، فَإِذَا صَلَّيْتَ الْعَصْرَ فَأَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ؛ فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ»، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْوُضُوءِ، قَالَ: «مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يَقْرَبُ مِنْ وُضُوئِهِ ثُمَّ يُمَضْمِضُ وَيَسْتَنْشِقُ إِلَّا خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ فَمِهِ وَخَيَاشِيمِهِ مَعَ الْمَاءِ حِينَ يَسْتَنْثِرُ، ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ ﷿ إِلَّا خَرَجَتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ ﷿ إِلَّا خَرَجَتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ ﷿ إِلَّا خَرَجَتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ ﷿ إِلَّا خَرَجَتْ خَطَايَا قَدَمَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمَّ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَهَيْأَةِ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» . قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: يَا عَمْرُوَ بْنَ عَبْسَةَ، انْظُرْ مَا تَقُولُ، سَمِعْتَ هَذَا كُلَّهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ؟ أَيُعْطَى الرَّجُلُ هَذَا كُلَّهُ فِي مَقَامَةٍ؟ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ، كَبِرَتْ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَاقْتَرَبَ أَجَلِي، وَمَا بِي مِنْ حَاجَةٍ أَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ ﷿ وَعَلَى رَسُولِهِ ﷺ، لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ
١١ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ الْمَكِّيُّ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: ثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَدَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِعَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ: بِأَيِّ شَيْءٍ تُدْعَى رُبُعَ الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَرَى النَّاسَ عَلَى ضَلَالَةٍ، لَا أَرَى الْأَوْثَانَ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعْتُ الرِّجَالَ تُخْبِرُ أَخْبَارًا بِمَكَّةَ وَتُحَدِّثُ أَحَادِيثَ، فَرَكِبْتُ رَاحِلَتِي حَتَّى قَدِمْتُ مَكَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُسْتَخْفِيًا، وَإِذا قَوْمُهُ عَلَيْهِ جُرَآءٌ، فَتَلَطَّفْتُ لَهُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: «أَنَا نَبِيٌّ»، قُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟ قَالَ: «رَسُولُ اللَّهِ»، قُلْتُ: اللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: " بِأَيِّ شَيْءٍ أُرسِلْتَ؟ قَالَ: «بِتَوْحِيدِ اللَّهِ، لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ»، قُلْتُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: «حُرٌّ وَعَبْدٌ» وَإِذا مَعَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَعَبْدٌ بِلَالٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، قُلْتُ: إِنِّي مَعَكَ مُتَّبِعُكَ، قَالَ: «لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا، وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ، فَإِذَا سَمِعْتَ أَنِّي قَدْ ظَفِرْتُ فَالْحَقْ بِي»، فَرَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي وَقَدْ أَسْلَمْتُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الْأَخْبَارَ حَتَّى جَاءَ رَكْبٌ مِنْ يَثْرِبَ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ هَذَا الرَّجُلُ الْمَكِّيُّ الَّذِي أَتَاكُمْ؟ قَالُوا: أَرَادَ قَوْمُهُ قَتْلَهُ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ، وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، فَرَكِبَ النَّاسُ إِلَيْهِ سِرَاعًا. قَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ، فَرَكِبْتُ رَاحِلَتِي حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَعْرِفُنِي؟ قَالَ: «نَعَمْ، أَلَسْتَ الَّذِي أَتَيْتَنِي بِمَكَّةَ؟» قُلْتُ: بَلَى، فعَلِّمْنِي مَا عَلَّمَكَ اللَّهُ، قَالَ: «فَإِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَأَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ فَلَا تُصَلِّ حَتَّى تَرْتَفِعَ؛ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ قِيدَ رُمْحٍ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ لِحُضُورِهِ، حَتَّى يَسْتَقِلَّ الرُّمْحُ بِالظِّلِّ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تُسَعَّرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا فَاءَ الْفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، فَإِذَا صَلَّيْتَ الْعَصْرَ فَأَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ؛ فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ»، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْوُضُوءِ، قَالَ: «مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يَقْرَبُ مِنْ وُضُوئِهِ ثُمَّ يُمَضْمِضُ وَيَسْتَنْشِقُ إِلَّا خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ فَمِهِ وَخَيَاشِيمِهِ مَعَ الْمَاءِ حِينَ يَسْتَنْثِرُ، ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ ﷿ إِلَّا خَرَجَتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ ﷿ إِلَّا خَرَجَتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ ﷿ إِلَّا خَرَجَتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ ﷿ إِلَّا خَرَجَتْ خَطَايَا قَدَمَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمَّ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَهَيْأَةِ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» . قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: يَا عَمْرُوَ بْنَ عَبْسَةَ، انْظُرْ مَا تَقُولُ، سَمِعْتَ هَذَا كُلَّهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ؟ أَيُعْطَى الرَّجُلُ هَذَا كُلَّهُ فِي مَقَامَةٍ؟ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ، كَبِرَتْ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَاقْتَرَبَ أَجَلِي، وَمَا بِي مِنْ حَاجَةٍ أَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ ﷿ وَعَلَى رَسُولِهِ ﷺ، لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ
1 / 214
١٢ - إِسْلَامُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ﵁
1 / 216
١٣ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسِ بْنِ كَامِلٍ السَّرَّاجُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ: ثنا نُمَيْرٌ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَاشِدٍ مَوْلَى حَبِيبِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنْ فِيهِ إِلَى أُذُنِي قَالَ: لَمَّا انْصَرَفْنَا مِنَ الْأَحْزَابِ عَنِ الْخَنْدَقِ جَمَعْتُ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ فَقُلْتُ لَهُمْ: أَتَرَوْنَ رَأْيِي وَتَسْمَعُونَ مِنِّي؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقُلْتُ: إِنِّي أَرَى أَمْرَ مُحَمَّدٍ يَعْلُو الْأُمُورَ عُلُوًّا شَدِيدًا، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَأْيًا، فَمَا تَرَوْنَ فِيهِ؟ قَالُوا: وَمَا هُوَ؟ قُلْتُ: أَرَى أَنْ نَلْحَقَ بِالنَّجَاشِيِّ، فَإِنْ ظَهَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى قَوْمِنَا كُنَّا عِنْدَ النَّجَاشِيِّ فَنَكُونُ تَحْتَ يَدَيْهِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدَيْ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ ظَهَرَ قَوْمُنَا فَنَحْنُ مِنْهُمْ مَنْ قَدْ عَرَفُونَا، وَلَا يَأْتِينَا مِنْهُمْ إِلَّا خَيْرٌ، قَالُوا: إِنَّ هَذَا لَرَأْيٌ، فَقُلْتُ: فَاجْمَعُوا هَدَايَا نُهْدِيهَا لَهُ، وَكَانَ أَحَبُّ مَا يُهْدَى إِلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الْأَدَمُ، قَالَ: فَجَمَعْنَا لَهُ أَدَمًا كَثِيرًا، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّا لَعِنْدَهُ إِذْ جَاءَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعَثَهُ إِلَيْهِ فِي شَأْنِ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ، قَالَ: فَدَخَلُوا عَلَيْهِ ثُمَّ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ، فَقُلْتُ لَهُمْ يَعْنِي أَصْحَابَهِ: هَذَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، فَلَوْ دَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقَدَّمْنَا إِلَيْهِ هَدَايَانَا فَسَأَلْتُهُ إِيَّاهُ فَأَعْطَانِيهِ فَقَتَلْتُهُ، فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي قَدْ أَجْزَأْتُ عَنْهَا حِينَ قَتَلْتُ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَسَجَدْتُ لَهُ كَمَا كُنَّا نَصْنَعُ بِهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ، هَلْ أَهْدَيْتَ إِلَيَّ مِنْ بِلَادِكَ أَشْيَاءَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، أَهْدَيْتُ لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَدَمًا كَثِيرًا، قَالَ: فَقَرَّبْتُهُ إِلَيْهِ فَاشْتَهَاهُ وَأَعْجَبَهُ، فَقُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنِّي رَأَيْتُ رَجُلًا خَرَجَ مِنْ عِنْدِكَ، وَهُوَ رَسُولُ رَجُلٍ عَدُوٍّ لَنَا، فَأَعْطِنِيهِ فَأَقْتُلَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ أَصَابَ مِنْ أَشْرَافِنَا وَخِيَارِنَا، قَالَ: فَغَضِبَ وَمَدَّ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا أَنْفَهُ ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنَّهُ كَاسِرُهُ، قَالَ: فَلَوِ انْشَقَّتْ لِيَ الْأَرْضُ فَدَخَلْتُ مِنْهَا فَرَقًا مِنْهُ، فَقُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، وَاللَّهِ لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَكْرَهُ هَذَا مَا سَأَلْتُكَ، قَالَ: تَسْأَلُنِي أَنْ أُعْطِيَكَ رَجُلًا لِتَقْتُلَهُ وَهُوَ رَسُولُ رَجُلٍ يَأْتِيهِ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى، فَقُلْتُ لَهُ: كَذَلِكَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ يَا عَمْرُو، أَطِعْنِي وَاتَّبِعْهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ عَلَى الْحَقِّ، وَلَيَظْهَرَنَّ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ كَمَا ظَهَرَ مُوسَى ﷺ عَلَى فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَفَتُبَايِعُنِي لَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ إِلَى أَصْحَابِي وَقَدْ حَالَ رَأْيِي رَأْيَ عَمْرٍو عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، وَكَتَمْتُ أَصْحَابِي إِسْلَامِي، ثُمَّ خَرَجْتُ عَامِدًا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِأُسْلِمَ، فَلَقِيتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَذَلِكَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ، فَقُلْتُ: إِلَى أَيْنَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَقَامَ الْمَنْسِمُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَعَلَى الْحَقِّ، وَأَنَا أَذْهَبُ لِأُسْلِمَ، فَقُلْتُ: وَأَنَا أَيْضًا، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَتَقَدَّمَ خَالِدٌ وَأَسْلَمَ وَبَايَعَ، وَتَقَدَّمْتُ أَنَا وَقُلْتُ وَأَنَا أُبَايِعُ وَذَكَرْتُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي، وَلَمْ أَذْكُرْ مَا اسْتَأْخَرَ، فَقَالَ: «بَايِعْ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَالْهِجْرَةُ تَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهَا»
1 / 218
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، قَالَ: ثنا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: " اسْتَأْذَنَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَرْضًا أَعْبُدُ اللَّهَ فِيهَا لَا أَخَافُ أَحَدًا؟ قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ فَأَتَى النَّجَاشِيَّ "
قَالَ عُمَيْرٌ: فَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَالَ: لَمَّا رَأَيْتُ مَكَانَهُ حَسَدْتُهُ، لَأَسْتَقْبِلَنَّ لِهَذَا وَأَصْحَابِهِ، فَأَتَيْتُ النَّجَاشِيَّ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: إِنَّ بِأَرْضِكَ رَجُلًا ابْنُ عَمِّهِ بِأَرْضِنَا، وَإِنَّهُ يَزْعُمُ لَيْسَ لِلنَّاسِ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَقْتُلْهُ وَأَصْحَابَهُ لَمْ أَقْطَعْ إِلَيْكَ هَذِهِ النُّطْفَةَ أَنَا وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي، قَالَ: ادْعُهُ، قُلْتُ: إِنَّهُ لَا يَجِيءُ مَعَهُ فَأَرْسِلْ مَعِي رَسُولًا، قَالَ: فَجَاءَ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْبَابِ، فَنَادَيْتُ فَقُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؟ وَنَادَى هُوَ مِنْ خَلْفِي: أَتَأْذَنُ لِحِزْبِ اللَّهِ؟ فَسَمِعَ صَوْتَهُ فَأَذِنَ لَهُ مِنْ قَبْلُ، فَدَخَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، ثُمَّ أَذِنَ لِي فَجَلَسْتُ، فَذَكَرَ أَيْنَ كَانَ مَقْعَدُهُ مِنَ السَّرِيرِ، قَالَ: فَذَهَبْتُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَجَعَلْتُهُ خَلْفِي، وَجَعَلْتُ بَيْنَ كُلِّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِي، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: نَجِّرُوا، قَالَ عُمَيْرٌ: أَيْ تَكَلَّمُوا، فَقُلْتُ: إِنَّ بِأَرْضِكَ رَجُلًا ابْنُ عَمِّهِ بِأَرْضِنَا وَهُوَ يَزْعُمُ أَنْ لَيْسَ لِلنَّاسِ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَقْتُلْهُ وَأَصْحَابَهُ لَمْ نَقْطَعْ إِلَيْكَ هَذِهِ النُّطْفَةَ أَنَا وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي أَبَدًا، فَقَالَ جَعْفَرُ: صَدَقَ ابْنُ عَمِّي وَأَنَا عَلَى دِينِهِ، وَصَاحَ صِيَاحًا وَقَالَ: أُوَّهْ، حَتَّى قُلْتُ: وَمَا لِابْنِ الْحَبَشِيَّةِ لَا يَتَكَلَّمُ، ثُمَّ قَالَ: أَنَامُوسِيٌّ مِثْلُ نَامُوسِ مُوسَى؟، قَالَ: مَا يَقُولُ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ قَالَ: يَقُولُ: «هُوَ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ»، فَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنَ الْأَرْضِ فَقَالَ: مَا أَخْطَأَ فِي أَمْرِهِ مِثْلَ هَذِهِ، فَوَاللَّهِ لَوْلَا مُلْكِي لَاتَّبَعْتُكُمْ، وَقَالَ لِي: مَا كُنْتُ أُبَالِي أَنْ لَا تَأْتِيَنِي أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ، يَا هَذَا، أَنْتَ آمِنٌ فِي أَرْضِي، فَمَنْ ضَرَبَكَ قَتَلْتُهُ، وَمَنْ سَبَّكَ عَزَّرْتُهُ، وَقَالَ لِآذِنِهِ: مَتَى اسْتَأْذَنَكَ هَذَا فَائْذَنْ لَهُ، إِلَّا أَنْ أَكُونَ عِنْدَ أَهْلِي، فَأَخْبِرْهُ أَنِّي عِنْدَ أَهْلِي، فَإِنْ أَبَى فَائْذَنْ لَهُ "، فَتَفَرَّقْنَا وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَلْقَاهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَعْفَرٍ، فَاسْتَقْبَلَنِي فِي طَرِيقٍ مَرَّةً فَنَظَرْتُ خَلْفَهُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، وَنَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ: تَعْلَمُ أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: فَقَدْ هَدَاكَ اللَّهُ فَاثْبُتْ، فَتَرَكَنِي وَذَهَبَ، فَأَتَيْتُ أَصْحَابِي وَكَأَنَّمَا شَهِدُوهُ مَعِي، فَأَخَذُوا قَطِيفَةً أَوْ ثَوْبًا فَجَعَلُوهُ عَلَيَّ حَتَّى غَمَّوْنِي بِهَا، قَالَ: وَجَعَلْتُ أُخْرِجُ رَأْسِي مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ مَرَّةً وَمِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ مَرَّةً حَتَّى أَفْلَتُّ وَمَا عَلَيَّ قِشْرَةٌ، فَمَرَرْتُ عَلَى حَبَشِيَّةٍ فَأَخَذْتُ قِنَاعَهَا عَلَى عَوْرَتِي، فَأَتَيْتُ جَعْفَرًا فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ فَقُلْتُ: أُخِذَ كُلُّ شَيْءٍ لِي، مَا تُرِكَ عَلَيَّ قِشْرَةٌ، فَأَتَيْتُ حَبَشِيَّةً فَأَخَذْتُ قِنَاعَهَا فَجَعَلْتُهُ عَلَى عَوْرَتِي، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَابِ الْمَلِكِ، فَقَالَ جَعْفَرٌ لِآذِنِهِ: اسْتَأْذِنْ لِي، فَقَالَ: إِنَّهُ عِنْدَ أَهْلِهِ، قَالَ: اسْتَأْذِنْ لِي، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَالَ: إِنَّ عَمْرًا تَابَعَنِي عَلَى دِينِي، فَقَالَ: كَلَّا، قَالَ: بَلَى، فَقَالَ لِإِنْسَانٍ: اذْهَبْ مَعَهُ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا يَقُولَنَّ شَيْئًا إِلَّا كَتَبْتَهُ، قَالَ: فَجَاءَ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ وَجَعَلَ يَكْتُبُ حَتَّى كَتَبْتُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْقَدَحِ، وَلَوْ شِئْتُ آخُذُ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِلَى مَالِي لَفَعَلْتُ "
حَدِيثُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعِمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ
١٤ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الدِّيبَاجِيُّ التُّسْتَرِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ آدَمَ الْمِصِّيصِيُّ قَالَ: ثنا أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَجَلِيُّ الْكُوفِيُّ، قَالَ: ثنا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَتْ قُرَيْشٌ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ بِهَدِيَّةٍ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَقَالُوا لَهُ وَنَحْنُ عِنْدَهُ: قَدْ بَعَثُوا إِلَيْكَ أُنَاسًا مِنْ سَفَلَتِهِمْ وَسُفَهَائِهِمْ فَادْفَعْهُمْ إِلَيْنَا، قَالَ: لَا، حَتَّى أَسْمَعَ كَلَامَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْنَا فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ؟ قُلْنَا: إِنَّ قَوْمَنَا يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، وَإِنَّ اللَّهَ ﷿ بَعَثَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَآمَنَّا بِهِ وَصَدَّقْنَاهُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: عَبِيدٌ هُمْ لَكُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَلَكُمْ عَلَيْهِمْ دَيْنٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ، فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ فِي عِيسَى غَيْرَ مَا تَقُولُونَ، قَالَ: إِنْ لَمْ يَقُولُوا فِي عِيسَى مِثْلَ مَا أَقُولُ لَمْ أَدَعْهُمْ فِي أَرْضِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا وَكَانَتِ الدَّعْوَةُ الثَّانِيَةُ أَشَدَّ عَلَيْنَا مِنَ الْأُولَى، فَقَالَ: مَا يَقُولُ صَاحِبُكُمْ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ فَقُلْنَا: يَقُولُ: «هُوَ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ»، قَالَ: فَأَرْسَلَ فَقَالَ: ادْعُوا فُلَانًا الْقَسَّ وَفُلَانًا الرَّاهِبَ، فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، قَالُوا: أَنْتَ أَعْلَمُنَا فَمَا تَقُولُ؟ فَقَالَ النَّجَاشِيُّ وَأَخَذَ شَيْئًا مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا عِيسَى، مَا زَادَ عَلَى مَا قَالَ هَؤُلَاءِ مِثْلَ هَذَا، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُؤْذِيكُمْ أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَأَمَرَ مُنَادِيَا فَنَادَى: مَنْ آذَى أَحَدًا مِنْهُمْ فَأَغْرِمُوهُ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ قَالَ: يَكْفِيكُمْ؟ فَقُلْنَا: لَا، فَأَضْعَفَهَا، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمَدِينَةِ وَظَهَرَ بِهَا قُلْنَا لَهُ: إِنَّ صَاحِبَنَا خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَهَاجَرَ وَقَتَلَ الَّذِينَ كُنَّا حَدَّثْنَاكَ عَنْهُمْ، وَقَدْ أَرَدْنَا الرَّحِيلَ فَزَوِّدْنَا، قَالَ: نَعَمْ، فَحَمَلَنَا وَزَوَّدَنَا وَأَعْطَانَا، ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ بِمَا صَنَعْتُ إِلَيْكُمْ، وَهَذَا رَسُولِي مَعَكَ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَقُلْ لَهُ يَسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: فَخَرَجْنَا حَتَّى أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ فَتَلَقَّانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَاعْتَنَقَنِي فَقَالَ: «مَا أَدْرِي أَنَا بِفَتْحِ خَيْبَرَ أَفْرَحُ أَوْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ» فَسَلْهُ مَا صَنَعَ بِهِ صَاحِبُنَا، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَدْ فَعَلَ بِنَا قَدْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا، وَحَمَلَنَا، وَزَوَّدَنَا، وَنَصَرَنَا، وَشَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُهُ، وَقَالَ: قُلْ لَهُ يَسْتَغْفِرْ لِي، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ دَعَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلنَّجَاشِيِّ» فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: آمِينَ، قَالَ جَعْفَرٌ: فَقُلْتُ لِلرَّسُولِ: انْطَلِقْ فَأَخْبِرْ صَاحِبَكَ مَا رَأَيْتَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ
قَالَ عُمَيْرٌ: فَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَالَ: لَمَّا رَأَيْتُ مَكَانَهُ حَسَدْتُهُ، لَأَسْتَقْبِلَنَّ لِهَذَا وَأَصْحَابِهِ، فَأَتَيْتُ النَّجَاشِيَّ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: إِنَّ بِأَرْضِكَ رَجُلًا ابْنُ عَمِّهِ بِأَرْضِنَا، وَإِنَّهُ يَزْعُمُ لَيْسَ لِلنَّاسِ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَقْتُلْهُ وَأَصْحَابَهُ لَمْ أَقْطَعْ إِلَيْكَ هَذِهِ النُّطْفَةَ أَنَا وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي، قَالَ: ادْعُهُ، قُلْتُ: إِنَّهُ لَا يَجِيءُ مَعَهُ فَأَرْسِلْ مَعِي رَسُولًا، قَالَ: فَجَاءَ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْبَابِ، فَنَادَيْتُ فَقُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؟ وَنَادَى هُوَ مِنْ خَلْفِي: أَتَأْذَنُ لِحِزْبِ اللَّهِ؟ فَسَمِعَ صَوْتَهُ فَأَذِنَ لَهُ مِنْ قَبْلُ، فَدَخَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، ثُمَّ أَذِنَ لِي فَجَلَسْتُ، فَذَكَرَ أَيْنَ كَانَ مَقْعَدُهُ مِنَ السَّرِيرِ، قَالَ: فَذَهَبْتُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَجَعَلْتُهُ خَلْفِي، وَجَعَلْتُ بَيْنَ كُلِّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِي، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: نَجِّرُوا، قَالَ عُمَيْرٌ: أَيْ تَكَلَّمُوا، فَقُلْتُ: إِنَّ بِأَرْضِكَ رَجُلًا ابْنُ عَمِّهِ بِأَرْضِنَا وَهُوَ يَزْعُمُ أَنْ لَيْسَ لِلنَّاسِ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَقْتُلْهُ وَأَصْحَابَهُ لَمْ نَقْطَعْ إِلَيْكَ هَذِهِ النُّطْفَةَ أَنَا وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي أَبَدًا، فَقَالَ جَعْفَرُ: صَدَقَ ابْنُ عَمِّي وَأَنَا عَلَى دِينِهِ، وَصَاحَ صِيَاحًا وَقَالَ: أُوَّهْ، حَتَّى قُلْتُ: وَمَا لِابْنِ الْحَبَشِيَّةِ لَا يَتَكَلَّمُ، ثُمَّ قَالَ: أَنَامُوسِيٌّ مِثْلُ نَامُوسِ مُوسَى؟، قَالَ: مَا يَقُولُ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ قَالَ: يَقُولُ: «هُوَ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ»، فَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنَ الْأَرْضِ فَقَالَ: مَا أَخْطَأَ فِي أَمْرِهِ مِثْلَ هَذِهِ، فَوَاللَّهِ لَوْلَا مُلْكِي لَاتَّبَعْتُكُمْ، وَقَالَ لِي: مَا كُنْتُ أُبَالِي أَنْ لَا تَأْتِيَنِي أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ، يَا هَذَا، أَنْتَ آمِنٌ فِي أَرْضِي، فَمَنْ ضَرَبَكَ قَتَلْتُهُ، وَمَنْ سَبَّكَ عَزَّرْتُهُ، وَقَالَ لِآذِنِهِ: مَتَى اسْتَأْذَنَكَ هَذَا فَائْذَنْ لَهُ، إِلَّا أَنْ أَكُونَ عِنْدَ أَهْلِي، فَأَخْبِرْهُ أَنِّي عِنْدَ أَهْلِي، فَإِنْ أَبَى فَائْذَنْ لَهُ "، فَتَفَرَّقْنَا وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَلْقَاهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَعْفَرٍ، فَاسْتَقْبَلَنِي فِي طَرِيقٍ مَرَّةً فَنَظَرْتُ خَلْفَهُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، وَنَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ: تَعْلَمُ أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: فَقَدْ هَدَاكَ اللَّهُ فَاثْبُتْ، فَتَرَكَنِي وَذَهَبَ، فَأَتَيْتُ أَصْحَابِي وَكَأَنَّمَا شَهِدُوهُ مَعِي، فَأَخَذُوا قَطِيفَةً أَوْ ثَوْبًا فَجَعَلُوهُ عَلَيَّ حَتَّى غَمَّوْنِي بِهَا، قَالَ: وَجَعَلْتُ أُخْرِجُ رَأْسِي مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ مَرَّةً وَمِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ مَرَّةً حَتَّى أَفْلَتُّ وَمَا عَلَيَّ قِشْرَةٌ، فَمَرَرْتُ عَلَى حَبَشِيَّةٍ فَأَخَذْتُ قِنَاعَهَا عَلَى عَوْرَتِي، فَأَتَيْتُ جَعْفَرًا فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ فَقُلْتُ: أُخِذَ كُلُّ شَيْءٍ لِي، مَا تُرِكَ عَلَيَّ قِشْرَةٌ، فَأَتَيْتُ حَبَشِيَّةً فَأَخَذْتُ قِنَاعَهَا فَجَعَلْتُهُ عَلَى عَوْرَتِي، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَابِ الْمَلِكِ، فَقَالَ جَعْفَرٌ لِآذِنِهِ: اسْتَأْذِنْ لِي، فَقَالَ: إِنَّهُ عِنْدَ أَهْلِهِ، قَالَ: اسْتَأْذِنْ لِي، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَالَ: إِنَّ عَمْرًا تَابَعَنِي عَلَى دِينِي، فَقَالَ: كَلَّا، قَالَ: بَلَى، فَقَالَ لِإِنْسَانٍ: اذْهَبْ مَعَهُ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا يَقُولَنَّ شَيْئًا إِلَّا كَتَبْتَهُ، قَالَ: فَجَاءَ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ وَجَعَلَ يَكْتُبُ حَتَّى كَتَبْتُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْقَدَحِ، وَلَوْ شِئْتُ آخُذُ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِلَى مَالِي لَفَعَلْتُ "
حَدِيثُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعِمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ
١٤ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الدِّيبَاجِيُّ التُّسْتَرِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ آدَمَ الْمِصِّيصِيُّ قَالَ: ثنا أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَجَلِيُّ الْكُوفِيُّ، قَالَ: ثنا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَتْ قُرَيْشٌ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ بِهَدِيَّةٍ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَقَالُوا لَهُ وَنَحْنُ عِنْدَهُ: قَدْ بَعَثُوا إِلَيْكَ أُنَاسًا مِنْ سَفَلَتِهِمْ وَسُفَهَائِهِمْ فَادْفَعْهُمْ إِلَيْنَا، قَالَ: لَا، حَتَّى أَسْمَعَ كَلَامَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْنَا فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ؟ قُلْنَا: إِنَّ قَوْمَنَا يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، وَإِنَّ اللَّهَ ﷿ بَعَثَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَآمَنَّا بِهِ وَصَدَّقْنَاهُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: عَبِيدٌ هُمْ لَكُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَلَكُمْ عَلَيْهِمْ دَيْنٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ، فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ فِي عِيسَى غَيْرَ مَا تَقُولُونَ، قَالَ: إِنْ لَمْ يَقُولُوا فِي عِيسَى مِثْلَ مَا أَقُولُ لَمْ أَدَعْهُمْ فِي أَرْضِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا وَكَانَتِ الدَّعْوَةُ الثَّانِيَةُ أَشَدَّ عَلَيْنَا مِنَ الْأُولَى، فَقَالَ: مَا يَقُولُ صَاحِبُكُمْ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ فَقُلْنَا: يَقُولُ: «هُوَ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ»، قَالَ: فَأَرْسَلَ فَقَالَ: ادْعُوا فُلَانًا الْقَسَّ وَفُلَانًا الرَّاهِبَ، فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، قَالُوا: أَنْتَ أَعْلَمُنَا فَمَا تَقُولُ؟ فَقَالَ النَّجَاشِيُّ وَأَخَذَ شَيْئًا مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا عِيسَى، مَا زَادَ عَلَى مَا قَالَ هَؤُلَاءِ مِثْلَ هَذَا، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُؤْذِيكُمْ أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَأَمَرَ مُنَادِيَا فَنَادَى: مَنْ آذَى أَحَدًا مِنْهُمْ فَأَغْرِمُوهُ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ قَالَ: يَكْفِيكُمْ؟ فَقُلْنَا: لَا، فَأَضْعَفَهَا، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمَدِينَةِ وَظَهَرَ بِهَا قُلْنَا لَهُ: إِنَّ صَاحِبَنَا خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَهَاجَرَ وَقَتَلَ الَّذِينَ كُنَّا حَدَّثْنَاكَ عَنْهُمْ، وَقَدْ أَرَدْنَا الرَّحِيلَ فَزَوِّدْنَا، قَالَ: نَعَمْ، فَحَمَلَنَا وَزَوَّدَنَا وَأَعْطَانَا، ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ بِمَا صَنَعْتُ إِلَيْكُمْ، وَهَذَا رَسُولِي مَعَكَ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَقُلْ لَهُ يَسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: فَخَرَجْنَا حَتَّى أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ فَتَلَقَّانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَاعْتَنَقَنِي فَقَالَ: «مَا أَدْرِي أَنَا بِفَتْحِ خَيْبَرَ أَفْرَحُ أَوْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ» فَسَلْهُ مَا صَنَعَ بِهِ صَاحِبُنَا، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَدْ فَعَلَ بِنَا قَدْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا، وَحَمَلَنَا، وَزَوَّدَنَا، وَنَصَرَنَا، وَشَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُهُ، وَقَالَ: قُلْ لَهُ يَسْتَغْفِرْ لِي، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ دَعَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلنَّجَاشِيِّ» فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: آمِينَ، قَالَ جَعْفَرٌ: فَقُلْتُ لِلرَّسُولِ: انْطَلِقْ فَأَخْبِرْ صَاحِبَكَ مَا رَأَيْتَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ
1 / 220
١٥ - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الصَّبَّاحِ الرَّقِّيُّ، قَالَ: ثنا الْعَلَاءُ بْنُ هِلَالٍ، قَالَ: ثنا طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ النَّجَاشِيِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَخْدُمُهُمْ بِنَفْسِهِ، فَقَالَ: «إِنَّهُمْ كَانُوا لِأَصْحَابِنَا مُكْرِمِينَ»
١٦ - حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ الْقَاضِي، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁: أَنَّ النَّجَاشِيَّ سَأَلَهُ: مَا دِينُكُمْ؟ قَالَ: «بُعِثَ فِينَا رَسُولٌ نَعْرِفُ لِسَانَهُ وَصِدْقَهُ وَوَفَاءَهُ، فَدَعَانَا إِلَى أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَخَلْعِ مَا كَانَ يَعْبُدُ قَوْمُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ دُونِهِ، يَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَالصَّدَقَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ، فَدَعَانَا إِلَى مَا نَعْرِفُ، وَقَرَأَ عَلَيْنَا تَنْزِيلًا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا يُشْبِهُهُ غَيْرُهُ، فَصَدَّقْنَاهُ، وَآمَنَّا بِهِ، وَعَرَفْنَا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَفَارَقْنَا مُنْذُ ذَلِكَ قَوْمَنَا، فَآذَوْنَا وَقَهَرُونَا، فَلَمَّا أَنْ بَلَغُوا مِنَّا مَا نَكْرَهُ وَلَمْ نَقْدِرْ أَنْ نَمْتَنِعَ مِنْهُمْ خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ»، قَالَ النَّجَاشِيُّ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي، يَقُولُ: آمِنُونَ، مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ
١٦ - حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ الْقَاضِي، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁: أَنَّ النَّجَاشِيَّ سَأَلَهُ: مَا دِينُكُمْ؟ قَالَ: «بُعِثَ فِينَا رَسُولٌ نَعْرِفُ لِسَانَهُ وَصِدْقَهُ وَوَفَاءَهُ، فَدَعَانَا إِلَى أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَخَلْعِ مَا كَانَ يَعْبُدُ قَوْمُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ دُونِهِ، يَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَالصَّدَقَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ، فَدَعَانَا إِلَى مَا نَعْرِفُ، وَقَرَأَ عَلَيْنَا تَنْزِيلًا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا يُشْبِهُهُ غَيْرُهُ، فَصَدَّقْنَاهُ، وَآمَنَّا بِهِ، وَعَرَفْنَا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَفَارَقْنَا مُنْذُ ذَلِكَ قَوْمَنَا، فَآذَوْنَا وَقَهَرُونَا، فَلَمَّا أَنْ بَلَغُوا مِنَّا مَا نَكْرَهُ وَلَمْ نَقْدِرْ أَنْ نَمْتَنِعَ مِنْهُمْ خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ»، قَالَ النَّجَاشِيُّ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي، يَقُولُ: آمِنُونَ، مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ
1 / 222
١٧ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «نَعَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّجَاشِيَّ لِأَصْحَابِهِ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ وَصلَّى عَلَيْهِ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا»
١٨ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «تُوُفِّيَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ أَصْحَمَةُ، هَلُمَّ فَصُفُّوا وَصَلُّوا عَلَيْهِ» فَصَفَفْنَا فَصَلَّى النَّبِيُّ ﷺ وَنَحْنُ مَعَهُ
١٩ - إِسْلَامُ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيِّ ﵁
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسِ بْنِ كَامِلٍ السَّرَّاجُ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا زِيَادٌ الْجَصَّاصُ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيُّ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا رَآنِي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «هَذَا سَيِّدُ أَهْلِ الْوَبَرِ» قَالَ: فَلَمَّا نَزَلْتُ أَتَيْتُهُ فَجَعَلْتُ أَخْدُمُهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، الْمَالُ الَّذِي لَا يَكُونُ عَلَيَّ فِيهِ تَبِعَةٌ مِنْ حَيْفٍ أَصَابَنِي وَعِيَالٍ كَثُرُوا، قَالَ: «نِعْمَ الْمَالُ أَرْبَعُونَ، وَالْأَكْثَرُ سِتُّونَ، وَوَيْلٌ لِأَصْحَابِ الْمِائَتَيْنِ، إِلَّا مَنْ أَعْطَى فِي رِسْلِهَا وَنَجْدَتِهَا، وَأَفْقَرَ ظَهْرَهَا، وَنَحَرَ سَمِينَهَا، فَأَطْعَمَ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا أَكْرَمَ هَذِهِ الْأَخْلَاقَ وَأَحْسَنَهَا، يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَا يُحَلُّ بِالْوَادِي الَّذِي أَنَا فِيهِ لِكَثْرَةِ إِبِلِي، قَالَ: «فَكَيْفَ تَصْنَعُ؟» قَالَ: يَغْدُو الْإِبِلُ وَيَغْدُو النَّاسُ، فَمَنْ شَاءَ أَخَذَ بِرَأْسِ بَعِيرٍ فَذَهَبِ بِهِ، قَالَ: «فَمَا تَصْنَعُ بِأَفْقَارِ الظَّهْرِ؟» قُلْتُ: إِنِّي لَا أُفْقِرُ الصَّغِيرَ، وَلَا أَلْتَابُ الْمُدْبِرَ الْكَبِيرَ، قَالَ: «فَمَالُكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ مَالُ مَوَالِيكَ؟» قُلْتُ: مَالِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَالِ مَوَالِيَّ، قَالَ: " فَإِنَّ لَكَ مِنْ مَالِكَ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ أَعْطَيْتَ فَأَمْضَيْتَ، وَإِلَّا فَلِمَوَالِيكَ، قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَئِنْ بَقِيتُ لَأَفْنِيَنَّ عَدَدَهَا. قَالَ الْحَسَنُ: فَفَعَلَ وَاللَّهِ، فَلَمَّا حَضَرَتْ قَيْسًا الْوَفَاةُ قَالَ: يَا بَنِيَّ، خُذُوا عَنِّي، لَا أَحَدَ أَنْصَحُ لَكُمْ مِنِّي، إِذَا أَنَا مِتُّ فَسَوِّدُوا كِبَارَكُمْ، وَلَا تُسَوِّدُوا صِغَارَكُمْ فيَسْتَسْفِهَكُمُ النَّاسُ، فَهَوِّنُوا عَلَيْكُمْ، وَعَلَيْكُمْ بِاسْتِصْلَاحِ الْمَالِ؛ فَإِنَّهُ مَنْبَهَةُ الْكَرِيمِ، وَيُسْتَغْنَى بِهِ عَنِ اللَّئِيمِ، وَإِيَاكُمْ وَالْمَسْأَلَةَ؛ فَإِنَّهَا آخِرُ كَسْبِ الْمَرْءِ، إِنَّ أَحَدًا لَمْ يَسْأَلْ إِلَّا تَرَكَ كَسْبَهُ، وَإِذَا مِتُّ فَلَا تَنُوحُوا عَلَيَّ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَنْهَى عَنِ النِّيَاحَةِ، وَكَفِّنُونِي فِي ثِيَابِي الَّتِي كُنْتُ أُصَلِّي فِيهَا وَأَصُومُ، وَإِذا دَفَنْتُمُونِي فَلَا تَدْفِنُونِي فِي مَوْضِعٍ يَطَّلِعُ عَلَيَّ فِيهِ أَحَدٌ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ خُمَاشَاتٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَنْبِشُونِي فَيَصْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَذْهَبُ فِيهِ دِينُكُمْ وَدُنْيَاكُمْ. قَالَ الْحَسَنُ: نَصَحَ لَهُمْ فِي الْحَيَاةِ، وَنَصَحَ لَهُمْ فِي الْمَمَاتِ
١٨ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «تُوُفِّيَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ أَصْحَمَةُ، هَلُمَّ فَصُفُّوا وَصَلُّوا عَلَيْهِ» فَصَفَفْنَا فَصَلَّى النَّبِيُّ ﷺ وَنَحْنُ مَعَهُ
١٩ - إِسْلَامُ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيِّ ﵁
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسِ بْنِ كَامِلٍ السَّرَّاجُ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا زِيَادٌ الْجَصَّاصُ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيُّ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا رَآنِي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «هَذَا سَيِّدُ أَهْلِ الْوَبَرِ» قَالَ: فَلَمَّا نَزَلْتُ أَتَيْتُهُ فَجَعَلْتُ أَخْدُمُهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، الْمَالُ الَّذِي لَا يَكُونُ عَلَيَّ فِيهِ تَبِعَةٌ مِنْ حَيْفٍ أَصَابَنِي وَعِيَالٍ كَثُرُوا، قَالَ: «نِعْمَ الْمَالُ أَرْبَعُونَ، وَالْأَكْثَرُ سِتُّونَ، وَوَيْلٌ لِأَصْحَابِ الْمِائَتَيْنِ، إِلَّا مَنْ أَعْطَى فِي رِسْلِهَا وَنَجْدَتِهَا، وَأَفْقَرَ ظَهْرَهَا، وَنَحَرَ سَمِينَهَا، فَأَطْعَمَ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا أَكْرَمَ هَذِهِ الْأَخْلَاقَ وَأَحْسَنَهَا، يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَا يُحَلُّ بِالْوَادِي الَّذِي أَنَا فِيهِ لِكَثْرَةِ إِبِلِي، قَالَ: «فَكَيْفَ تَصْنَعُ؟» قَالَ: يَغْدُو الْإِبِلُ وَيَغْدُو النَّاسُ، فَمَنْ شَاءَ أَخَذَ بِرَأْسِ بَعِيرٍ فَذَهَبِ بِهِ، قَالَ: «فَمَا تَصْنَعُ بِأَفْقَارِ الظَّهْرِ؟» قُلْتُ: إِنِّي لَا أُفْقِرُ الصَّغِيرَ، وَلَا أَلْتَابُ الْمُدْبِرَ الْكَبِيرَ، قَالَ: «فَمَالُكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ مَالُ مَوَالِيكَ؟» قُلْتُ: مَالِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَالِ مَوَالِيَّ، قَالَ: " فَإِنَّ لَكَ مِنْ مَالِكَ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ أَعْطَيْتَ فَأَمْضَيْتَ، وَإِلَّا فَلِمَوَالِيكَ، قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَئِنْ بَقِيتُ لَأَفْنِيَنَّ عَدَدَهَا. قَالَ الْحَسَنُ: فَفَعَلَ وَاللَّهِ، فَلَمَّا حَضَرَتْ قَيْسًا الْوَفَاةُ قَالَ: يَا بَنِيَّ، خُذُوا عَنِّي، لَا أَحَدَ أَنْصَحُ لَكُمْ مِنِّي، إِذَا أَنَا مِتُّ فَسَوِّدُوا كِبَارَكُمْ، وَلَا تُسَوِّدُوا صِغَارَكُمْ فيَسْتَسْفِهَكُمُ النَّاسُ، فَهَوِّنُوا عَلَيْكُمْ، وَعَلَيْكُمْ بِاسْتِصْلَاحِ الْمَالِ؛ فَإِنَّهُ مَنْبَهَةُ الْكَرِيمِ، وَيُسْتَغْنَى بِهِ عَنِ اللَّئِيمِ، وَإِيَاكُمْ وَالْمَسْأَلَةَ؛ فَإِنَّهَا آخِرُ كَسْبِ الْمَرْءِ، إِنَّ أَحَدًا لَمْ يَسْأَلْ إِلَّا تَرَكَ كَسْبَهُ، وَإِذَا مِتُّ فَلَا تَنُوحُوا عَلَيَّ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَنْهَى عَنِ النِّيَاحَةِ، وَكَفِّنُونِي فِي ثِيَابِي الَّتِي كُنْتُ أُصَلِّي فِيهَا وَأَصُومُ، وَإِذا دَفَنْتُمُونِي فَلَا تَدْفِنُونِي فِي مَوْضِعٍ يَطَّلِعُ عَلَيَّ فِيهِ أَحَدٌ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ خُمَاشَاتٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَنْبِشُونِي فَيَصْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَذْهَبُ فِيهِ دِينُكُمْ وَدُنْيَاكُمْ. قَالَ الْحَسَنُ: نَصَحَ لَهُمْ فِي الْحَيَاةِ، وَنَصَحَ لَهُمْ فِي الْمَمَاتِ
1 / 223
٢٠ - حَدِيثُ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَاطِبٍ
حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ، ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا مُعَانُ بْنُ رِفَاعَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ ثَعْلَبَةَ بْنَ حَاطِبٍ الْأَنْصَارِيَّ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي مَالًا، قَالَ: «وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ، قَلِيلٌ تُؤَدِّي شُكْرَهُ، خَيْرٌ لَكَ مِنْ كَثِيرٍ لَا تُطِيقُهُ»، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي مَالًا، فَقَالَ: «وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ، أَتُرِيدُ أنْ تَكُونَ مِثْلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟، وَاللَّهِ لَوْ سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لِيَ الْجِبَالَ ذَهَبًا لَسَأَلْتُ» ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي مَالًا، لَئِنْ آتَانِي مَالًا لَأُوتِيَنَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ ارْزُقْ ثَعْلَبَةَ مَالًا، اللَّهُمَّ ارْزُقْ ثَعْلَبَةَ مَالًا» قَالَ: فَاتَّخَذَ مَالًا فَنَمَتْ كَمَا يَنْمُو الدُّودُ حَتَّى ضَاقَتْ عَنْهُ أَزِقَّةُ الْمَدِينَةِ فَتَنَحَّى بِهَا، وَكَانَ يَشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَيْهَا، ثُمَّ نَمَتْ حَتَّى تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ مَرَاعِي الْمَدِينَةِ فَتَنَحَّى بِهَا، فَكَانَ يَشْهَدُ الْجُمُعَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَيْهَا، ثُمَّ نَمَتْ فتَنَحَّى بِهَا فَتَرَكَ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَاتِ، فَيَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَيَقُولُ: مَاذَا عِنْدَكُمْ مِنَ الْخَبَرِ؟ وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ؟ وَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷿ عَلَى رَسُولِهِ ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: ١٠٣] قَالَ: وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الصَّدَقَاتِ رَجُلَيْنِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، وَكَتَبَ لَهُمَا سُنَّةَ الصَّدَقَاتِ وَأَسْنَانَهَا، وَأَمَرَهُمَا أَنْ يُصَدِّقَا النَّاسَ، وَأَنْ يَمُرَّا بِثَعْلَبَةَ فَيَأْخُذَا مِنْهُ صَدَقَةَ مَالِهِ، فَفَعَلَا، حَتَّى ذَهَبَا إِلَى ثَعْلَبَةَ فَأَقْرَآهُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: صَدِّقَا النَّاسَ فَإِذَا فَرَغْتُمَا فَمُرَّا بِي، فَفَعَلَا، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا هَذِهِ إِلَّا أُخَيَّةُ الْجِزْيَةِ، فَانْطَلَقَا حَتَّى لَحِقَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ﴾ [التوبة: ٧٥] إِلَى قَوْلِهِ ﴿يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: ٧٧] فَرَكِبَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَرِيبٌ لِثَعْلَبَةَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى أَتَى ثَعْلَبَةَ، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ هَلَكْتَ، أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ مِنَ الْقُرْآنِ كَذَا وَكَذَا، فَأَقْبَلَ ثَعْلَبَةُ وَقَدْ وَضَعَ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَدَقَتَهُ حَتَّى قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ، ثُمَّ أَتَى أَبَا بَكْرٍ ﵁ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ قَدْ عَرَفْتَ مَوْقِعِي مِنْ قَوْمِي وَمَكَانِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَاقْبَلْ مِنِّي فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ، ثُمَّ أَتَى عُمَرَ ﵁ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ، ثُمَّ أَتَى عُثْمَانَ ﵁ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ، ثُمَّ مَاتَ ثَعْلَبَةُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ ﵁ "
حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ، ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا مُعَانُ بْنُ رِفَاعَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ ثَعْلَبَةَ بْنَ حَاطِبٍ الْأَنْصَارِيَّ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي مَالًا، قَالَ: «وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ، قَلِيلٌ تُؤَدِّي شُكْرَهُ، خَيْرٌ لَكَ مِنْ كَثِيرٍ لَا تُطِيقُهُ»، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي مَالًا، فَقَالَ: «وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ، أَتُرِيدُ أنْ تَكُونَ مِثْلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟، وَاللَّهِ لَوْ سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لِيَ الْجِبَالَ ذَهَبًا لَسَأَلْتُ» ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي مَالًا، لَئِنْ آتَانِي مَالًا لَأُوتِيَنَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ ارْزُقْ ثَعْلَبَةَ مَالًا، اللَّهُمَّ ارْزُقْ ثَعْلَبَةَ مَالًا» قَالَ: فَاتَّخَذَ مَالًا فَنَمَتْ كَمَا يَنْمُو الدُّودُ حَتَّى ضَاقَتْ عَنْهُ أَزِقَّةُ الْمَدِينَةِ فَتَنَحَّى بِهَا، وَكَانَ يَشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَيْهَا، ثُمَّ نَمَتْ حَتَّى تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ مَرَاعِي الْمَدِينَةِ فَتَنَحَّى بِهَا، فَكَانَ يَشْهَدُ الْجُمُعَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَيْهَا، ثُمَّ نَمَتْ فتَنَحَّى بِهَا فَتَرَكَ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَاتِ، فَيَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَيَقُولُ: مَاذَا عِنْدَكُمْ مِنَ الْخَبَرِ؟ وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ؟ وَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷿ عَلَى رَسُولِهِ ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: ١٠٣] قَالَ: وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الصَّدَقَاتِ رَجُلَيْنِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، وَكَتَبَ لَهُمَا سُنَّةَ الصَّدَقَاتِ وَأَسْنَانَهَا، وَأَمَرَهُمَا أَنْ يُصَدِّقَا النَّاسَ، وَأَنْ يَمُرَّا بِثَعْلَبَةَ فَيَأْخُذَا مِنْهُ صَدَقَةَ مَالِهِ، فَفَعَلَا، حَتَّى ذَهَبَا إِلَى ثَعْلَبَةَ فَأَقْرَآهُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: صَدِّقَا النَّاسَ فَإِذَا فَرَغْتُمَا فَمُرَّا بِي، فَفَعَلَا، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا هَذِهِ إِلَّا أُخَيَّةُ الْجِزْيَةِ، فَانْطَلَقَا حَتَّى لَحِقَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ﴾ [التوبة: ٧٥] إِلَى قَوْلِهِ ﴿يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: ٧٧] فَرَكِبَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَرِيبٌ لِثَعْلَبَةَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى أَتَى ثَعْلَبَةَ، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ هَلَكْتَ، أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ مِنَ الْقُرْآنِ كَذَا وَكَذَا، فَأَقْبَلَ ثَعْلَبَةُ وَقَدْ وَضَعَ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَدَقَتَهُ حَتَّى قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ، ثُمَّ أَتَى أَبَا بَكْرٍ ﵁ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ قَدْ عَرَفْتَ مَوْقِعِي مِنْ قَوْمِي وَمَكَانِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَاقْبَلْ مِنِّي فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ، ثُمَّ أَتَى عُمَرَ ﵁ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ، ثُمَّ أَتَى عُثْمَانَ ﵁ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ، ثُمَّ مَاتَ ثَعْلَبَةُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ ﵁ "
1 / 225
حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ
٢١ - حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ، ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، ثنا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَدَوِيِّ الْبَصْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِهِ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا، وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا، وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ، وَبِكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ تُؤْجَرُوا وَتُنْصَرُوا وَتُرْزَقُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ الْجُمُعَةَ فَرِيضَةً مَكْتُوبَةً فِي مَقَامِي هَذَا، فِي يَوْمِي هَذَا، وَفِي شَهْرِي هَذَا، فِي عَامِي هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنْ وَجَدَ إِلَيْهَا سَبِيلًا، فَمَنْ تَرَكَهَا فِي حَيَاتِي أَوْ بَعْدَ مَوْتِي جُحُودًا بِهَا، أَوِ اسْتِخْفَافًا بِهَا، وَلَهُ إِمَامٌ جَائِرٌ أَوْ عَادِلٌ، فَلَا جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ، وَلَا بَارَكَ لَهُ فِي أَمْرِهِ، أَلَا وَلَا صَلَاةَ لَهُ، وَلَا زَكَاةَ لَهُ، أَلَا وَلَا حَجَّ لَهُ، أَلَا وَلَا صَوْمَ لَهُ، أَلَا وَلَا بِرَّ لَهُ حَتَّى يَتُوبَ، فَمَنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، أَلَا وَلَا تُؤَمِّنُ امْرَأَةٌ رَجُلًا، وَلَا يُؤَمِّنُ أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا، وَلَا يُؤَمِّنُ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا، إِلَّا سُلْطَانٌ إِلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانٍ، يَخَافُ سَيْفَهُ وَسَوْطَهُ»
٢١ - حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ، ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، ثنا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَدَوِيِّ الْبَصْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِهِ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا، وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا، وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ، وَبِكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ تُؤْجَرُوا وَتُنْصَرُوا وَتُرْزَقُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ الْجُمُعَةَ فَرِيضَةً مَكْتُوبَةً فِي مَقَامِي هَذَا، فِي يَوْمِي هَذَا، وَفِي شَهْرِي هَذَا، فِي عَامِي هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنْ وَجَدَ إِلَيْهَا سَبِيلًا، فَمَنْ تَرَكَهَا فِي حَيَاتِي أَوْ بَعْدَ مَوْتِي جُحُودًا بِهَا، أَوِ اسْتِخْفَافًا بِهَا، وَلَهُ إِمَامٌ جَائِرٌ أَوْ عَادِلٌ، فَلَا جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ، وَلَا بَارَكَ لَهُ فِي أَمْرِهِ، أَلَا وَلَا صَلَاةَ لَهُ، وَلَا زَكَاةَ لَهُ، أَلَا وَلَا حَجَّ لَهُ، أَلَا وَلَا صَوْمَ لَهُ، أَلَا وَلَا بِرَّ لَهُ حَتَّى يَتُوبَ، فَمَنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، أَلَا وَلَا تُؤَمِّنُ امْرَأَةٌ رَجُلًا، وَلَا يُؤَمِّنُ أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا، وَلَا يُؤَمِّنُ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا، إِلَّا سُلْطَانٌ إِلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانٍ، يَخَافُ سَيْفَهُ وَسَوْطَهُ»
1 / 227
حَدِيثُ قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيِّ
٢٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ السَّرِيِّ بْنِ مِهْرَانَ النَّاقِدُ الْبَغْدَادِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ السَّمْتِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَجَّاجٍ اللَّخْمِيُّ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «أَيُّكُمْ يَعْرِفُ قُسَّ بْنَ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيَّ؟» قَالُوا: كُلُّنَا نَعْرِفُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَمَا فَعَلَ» قَالُوا: هَلَكَ، قَالَ: " فَمَا أَنْسَاهُ بِعُكَاظٍ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ، وَيَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، اجْتَمِعُوا وَاسْمَعُوا وَعُوا، مَنْ عَاشَ مَاتَ، وَمَنْ مَاتَ فَاتَ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ، إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَخَبَرَا، وَإِنَّ فِي الْأَرْضِ لَعِبَرًا، مِهَادٌ مَوْضُوعٌ، وَسَقْفٌ مَرْفُوعٌ، وَنُجُومٌ تَمُورُ، وَبِحَارٌ لَا تَغُورُ، وَأَقْسَمَ قُسٌّ قَسَمًا حَقًّا، لَئِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ رِضًا لَيَكُونَنَّ بَعْدَهُ سُخْطٌ، إِنَّ لِلَّهِ لَدِينًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ دِينِكُمُ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ، مَا لِي أَرَى النَّاسَ يَذْهَبُونَ وَلَا يَرْجِعُونَ؟ أَرَضُوا بِالْإِقَامَةِ فَأَقَامُوا، أَمْ تُرِكُوا فَنَامُوا؟ ثُمَّ قَالَ ﷺ: «أَمِنْكُمْ مَنْ يَرْوِي شِعْرَهُ؟» فَأَنْشَدَهُ بَعْضُهُمْ: [البحر الكامل] فِي الذَّاهِبِينَ الْأَوَّلِينَ ... مِنَ الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ لَمَّا رَأَيْتُ مَوَارِدًا ... لِلْمَوْتِ لَيْسَ لَهَا مَصَادِرْ وَرَأَيْتُ قَوْمِي نَحْوَهَا ... يَسْعَى الْأَصَاغِرُ وَالْأَكَابِرْ لَا يَرْجِعُ الْمَاضِي إِلَيَّ ... وَلَا مِنَ الْبَاقِينَ غَابِرْ أَيْقَنْتُ أَنِّي لَا مَحَالَةَ ... حَيْثُ صَارَ الْقَوْمُ صَائِرْ
٢٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ السَّرِيِّ بْنِ مِهْرَانَ النَّاقِدُ الْبَغْدَادِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ السَّمْتِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَجَّاجٍ اللَّخْمِيُّ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «أَيُّكُمْ يَعْرِفُ قُسَّ بْنَ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيَّ؟» قَالُوا: كُلُّنَا نَعْرِفُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَمَا فَعَلَ» قَالُوا: هَلَكَ، قَالَ: " فَمَا أَنْسَاهُ بِعُكَاظٍ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ، وَيَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، اجْتَمِعُوا وَاسْمَعُوا وَعُوا، مَنْ عَاشَ مَاتَ، وَمَنْ مَاتَ فَاتَ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ، إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَخَبَرَا، وَإِنَّ فِي الْأَرْضِ لَعِبَرًا، مِهَادٌ مَوْضُوعٌ، وَسَقْفٌ مَرْفُوعٌ، وَنُجُومٌ تَمُورُ، وَبِحَارٌ لَا تَغُورُ، وَأَقْسَمَ قُسٌّ قَسَمًا حَقًّا، لَئِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ رِضًا لَيَكُونَنَّ بَعْدَهُ سُخْطٌ، إِنَّ لِلَّهِ لَدِينًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ دِينِكُمُ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ، مَا لِي أَرَى النَّاسَ يَذْهَبُونَ وَلَا يَرْجِعُونَ؟ أَرَضُوا بِالْإِقَامَةِ فَأَقَامُوا، أَمْ تُرِكُوا فَنَامُوا؟ ثُمَّ قَالَ ﷺ: «أَمِنْكُمْ مَنْ يَرْوِي شِعْرَهُ؟» فَأَنْشَدَهُ بَعْضُهُمْ: [البحر الكامل] فِي الذَّاهِبِينَ الْأَوَّلِينَ ... مِنَ الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ لَمَّا رَأَيْتُ مَوَارِدًا ... لِلْمَوْتِ لَيْسَ لَهَا مَصَادِرْ وَرَأَيْتُ قَوْمِي نَحْوَهَا ... يَسْعَى الْأَصَاغِرُ وَالْأَكَابِرْ لَا يَرْجِعُ الْمَاضِي إِلَيَّ ... وَلَا مِنَ الْبَاقِينَ غَابِرْ أَيْقَنْتُ أَنِّي لَا مَحَالَةَ ... حَيْثُ صَارَ الْقَوْمُ صَائِرْ
1 / 230
حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى مُلُوكِ الْأَرْضِ
٢٣ - حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ مَرْثَدٍ الطَّبَرَانِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِيهِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلنَّاسِ كَافَّةً، فَأَدُّوا عَنِّي رَحِمَكُمْ اللَّهُ، وَلَا تَخْتَلِفُوا كَمَا اخْتَلَفَتِ الْحَوَارِيُّونَ عَلَى عِيسَى ﵇، فَإِنَّهُ دَعَاهُمْ إِلَى مِثْلِ مَا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ، فَأَمَّا مَنْ قَرُبَ مَكَانُهُ فَإِنَّهُ أَجَابَ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا مَنْ بَعُدَ مَكَانُهُ فَكَرِهَهُ. فَشَكَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ ﷿، فَأَصْبَحُوا وَكُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ الْقَوْمِ الَّذِينَ وُجِّهَ، فَقَالَ لَهُمْ عِيسَى: «هَذَا أَمْرٌ قَدْ عَزَمَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِ فَامْضُوا فَافْعَلُوا» فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: نَحْنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نُؤَدِّي عَنْكَ، ابْعَثْ بِنَا حَيْثُ شِئْتَ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ إِلَى كِسْرَى، وَبَعَثَ سَلِيطَ بْنَ عَمْرٍو إِلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيٍّ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ، وَبَعَثَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى صَاحِبِ هَجَرَ، وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إِلَى جَيْفَرٍ وَعِيَاذٍ ابْنَيْ جَنَلْدِيٍّ مَلِكَيْ عُمَانَ، وَبَعَثَ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيَّ إِلَى قَيْصَرَ، وَبَعَثَ شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ الْأَسَدِيَّ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ، وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَرَجَعُوا جَمِيعًا قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ ﷺ غَيْرَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تُوُفِّيَ وَهُوَ بِالْبَحْرَيْنِ "
٢٣ - حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ مَرْثَدٍ الطَّبَرَانِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِيهِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلنَّاسِ كَافَّةً، فَأَدُّوا عَنِّي رَحِمَكُمْ اللَّهُ، وَلَا تَخْتَلِفُوا كَمَا اخْتَلَفَتِ الْحَوَارِيُّونَ عَلَى عِيسَى ﵇، فَإِنَّهُ دَعَاهُمْ إِلَى مِثْلِ مَا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ، فَأَمَّا مَنْ قَرُبَ مَكَانُهُ فَإِنَّهُ أَجَابَ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا مَنْ بَعُدَ مَكَانُهُ فَكَرِهَهُ. فَشَكَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ ﷿، فَأَصْبَحُوا وَكُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ الْقَوْمِ الَّذِينَ وُجِّهَ، فَقَالَ لَهُمْ عِيسَى: «هَذَا أَمْرٌ قَدْ عَزَمَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِ فَامْضُوا فَافْعَلُوا» فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: نَحْنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نُؤَدِّي عَنْكَ، ابْعَثْ بِنَا حَيْثُ شِئْتَ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ إِلَى كِسْرَى، وَبَعَثَ سَلِيطَ بْنَ عَمْرٍو إِلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيٍّ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ، وَبَعَثَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى صَاحِبِ هَجَرَ، وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إِلَى جَيْفَرٍ وَعِيَاذٍ ابْنَيْ جَنَلْدِيٍّ مَلِكَيْ عُمَانَ، وَبَعَثَ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيَّ إِلَى قَيْصَرَ، وَبَعَثَ شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ الْأَسَدِيَّ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ، وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَرَجَعُوا جَمِيعًا قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ ﷺ غَيْرَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تُوُفِّيَ وَهُوَ بِالْبَحْرَيْنِ "
1 / 232