وهو قول صحيح إذا أريد به تنسيق الفلسفة وتطبيقها على النظم العصرية. ولكنه مع ذلك غير صحيح على إطلاقه في الزمن القديم أو في الزمن الحديث.
فالفيلسوف الرواقي زينون الذي نشأ في القرن الرابع قبل الميلاد كان يؤمن بالمجتمع المتحرر من السلطة ويفخر بأن تلاميذه يتعلمون منه أن يصنعوا طوعا ما يصنعه سائر الرعايا مكرهين أو مهددين.
والمفكر الإنجليزي وليام جدوين
Godwin
الذي ظهر في القرن الثامن عشر شرح في كتابه عن «العدل السياسي» وسائل الحكم الذي يتوزع بين الهيئات ولا ينحصر في سلطة مركزية تملك وسائل الإرهاب والإكراه.
ويمكن أن يقال إن فلسفة الحكم منذ وجدت كانت تشتمل في كل عصر على مدرستين متقابلتين: مدرسة التوسع في سلطان الحكومة لتنظيم المجتمع، ومدرسة التضييق من هذا السلطان والاكتفاء منه بأقل ما يستطاع لحماية الأبرياء، وليست الفوضوية إلا تطرفا في هذه المدرسة إلى أقصى اليسار، يدعو إليه تطرف الاستبداد على النحو الذي كان عليه قبل الثورة الفرنسية.
الوجوديات
أما الوجودية فالاضطراب في قواعدها أشد من الاضطراب في قواعد الفوضوية؛ لأنها وجوديات كثيرة لا وجودية واحدة، وربما تناقض الفيلسوفان الوجوديان في العصر الواحد والبلد الواحد كما يتناقض الإيمان العميق والإلحاد السافر، أو كما يتناقض الزهد والإباحية، ولعل الكثيرين لا يفهمون منها إلا اللغط عن الإباحية الأخلاقية المنطلقة من جميع القيود، فيقبلون عليها لأنها سند فلسفي يسوغون به ضعفهم وانحلالهم، وهم يخجلون - أو ينبغي أن يخجلوا - من الضعف والانحلال بغير سند منسوب إلى الفكر والفلسفة.
والأساس الصحيح الذي تقوم عليه الوجوديات السليمة هو إنصاف ضمير الفرد من طغيان الجماعة على استقلاله، ولكن الاستقلال كالمال يلزم الإنسان لأغراض كثيرة، فمنه ما يلزمه للعصمة من الزلل، ومنه ما يلزمه للتورط في الزلل وتيسير الذرائع إليه.
وأسوأ الوجوديات الإباحية لا يسوغ الانطلاق من قيود الآداب بغير نظر إلى العواقب والضحايا، فإذا اختار الوجودي أن يستوفي كيانه الفردي بإشباع شهواته فهو حر في اختياره واحتمال جرائر هواه، وهو حقيق أن يوازن بين الخطر والإحجام على علم بما يصيبه من المتعة وما يصاب به من الأذى، وتلك هي قيمة «الاختيار» الملائم في عرف هؤلاء الوجوديين.
অজানা পৃষ্ঠা