فقالت له أمي بمرارة: ما الشيطان إلا أنت!
فقال أبي محتجا: لست قاصرا!
ولم تسترسل أمي إكراما لحضوري فيما توهمت، ولما غادروا البيت انتابني شعور بالحزن والضياع. لقد حدث شيء ما في ذلك من شك. إني أسأل أمي، فتتهرب مني متظاهرة بالاستهانة، وأسمع حوارا محتدما بينها وبين أبي وهما منفردان في الصالة، فأنكمش وراء الباب الموارب متصنتا. تقول له بتوسل: ما تزال توجد فرصة للنجاة.
فيقول لها بغلظة: لا تتدخلي في شئوني الخاصة. - لكن فعلك ينعكس علينا، ألا تدرك ذلك؟ - إني أكره المواعظ! - الأفيون قتل زوج خالتي! - هذا يثبت أنه لا يخلو من فائدة. - لقد تغيرت أخلاقك، ولم تعد تحتمل.
اقتحمني الخوف، إني أعرف الأفيون، عرفته في مسرحية «الضحايا»، مناظر الهالكين لم تبرح ذاكرتي؛ هل يصير أبي واحدا منهم؟ هل يترك أبي المحبوب للفناء؟! وانفردت بأمي في الصالة، قبل مجيء أبي وطارق رمضان؛ رمقتها بحزن، فسألتني: ما لك يا عباس؟
فقلت بصوت متهدج: إني أعرف، إنه شيء خطير، لم أنس مسرحية الضحايا. - كيف عرفت؟ ... لا، ليس الأمر كما تتصور.
وجاء أبي منفعلا مما قطع بأنه سمعني، وصاح بي: يا ولد، الزم حدودك.
فقلت له: إني أخاف عليك!
فصاح بصوت أفظع من الأول: اخرس، وإلا كسرت رأسك.
وأخذت وأنا أراه في صورة جديدة متوحشة. تبدد حلم سعيد طويل، انسحبت إلى حجرتي، تخيلت منظرا مسرحيا متكاملا، يبدأ بطرد طارق، وينتهي بتوبة أبي على يدي، وقلت إن الخير ينتصر إذا وجد من ينصره، ولكن الحال مضى من سيئ إلى أسوأ! أبي يزداد انطواء، تلاشى الأب القديم، يغيب عنا، وإذا دعاه داع إلى اليقظة فلكي يصب اللعنات والإهانات. بت أخافه وأتحاشاه. أمي شقية، ولا تدري ماذا تفعل، وتسأله مرة: أجري وحده لا يكفي بيتك.
অজানা পৃষ্ঠা