চিন্তা এবং মানুষ: পশ্চিমা চিন্তার ইতিহাস

মাহমুদ মাহমুদ d. 1450 AH
91

চিন্তা এবং মানুষ: পশ্চিমা চিন্তার ইতিহাস

أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي

জনগুলি

وكذلك في النحت والتصوير يتميز إنتاج القرن السادس عشر بصورة واضحة عن إنتاج القرن الثالث عشر؛ فإن صورة رافائيل تختلف عن صورة جيوتو. وكذلك ليس «داود» - بغض النظر عن حجمه البطولي - لميخائيل أنجلو تمثالا يمكن أن ينسجم مع كاتدرائية غوطية، ومع ذلك فإن الرجل العادي غير الخبير الذي يلجأ إلى مشاهدته يرى أن التصوير والنحت في عهد النهضة يبدوان متصلين بالتصوير والنحت في العصور الوسطى بطريقة لا يبدو أن كاتدرائيتي شارتر والقديس بطرس في روما متصلتان بها. ولو أنك اتخذت معيارا للقياس غير دقيق ما نستطيع أن نسميه في بساطة ب «الطبيعي» أو «بما يشبه الحياة»، وهو ما تسجله آلة التصوير التي ترسم أمارات الحياة، لوجدت أن الفنانين منذ القرن الثالث عشر يتجهون نحو هذا «الطبيعي» ويبتعدون عن تقاليد معينة قد تكون وقد لا تكون «بدائية»، وأكثر ما تنطبق هذه التقاليد على الفن البيزنطي، الذي كان جافا، كهنوتيا، مسطحا، لا يحاول أن يسبق آلة التصوير أو التلوين التقني (تكنيكلر)، إنني أحاول هنا جاهدا أن أروي ولا أحكم. غير أن هذه الميادين هي في صميم ذلك النوع من المعرفة اللاتراكمية التي تعرف بالذوق؛ حيث تكون كل لفظة مدحا أو هجاء. واليوم على وجه العموم إذا قلنا عن الصورة إنها توحي بالرسم الفوتوغرافي كنا بذلك نعيبها - أي إن القرن الثالث عشر الوسيط والسادس عشر الناهض التقيا في فن التصوير والنحت ضد الفن البيزنطي، والنهضة هي وليدة العصور الوسطى بصورة واضحة، على الأقل في نقطة فنية رئيسية جدا.

وكذلك الأمر بشكل أشد جلاء فيما يتعلق بالأدب الخيالي، فإن الصفات الظاهرة البارزة لا تفرق بين عهد النهضة وقمة العصور الوسطى بمقدار ما تشير إلى استمرار واضح في التطور. ومن المؤكد أن استخدام اللغة الوطنية ليس مقياسا؛ لأن اللغات الوطنية كانت تستخدم في الشعر والرواية، في الأدب للتباين مع الفلسفة، حتى قبل أن استخدمها كتاب كبار في العصور الوسطى من أمثال دانتي وشوسر. وليس من شك في أن أشكالا معينة - وبخاصة في الشعر - وضروبا معينة من الأسلوب المصقول تميز العمل بحيث تمكن نسبته إلى الإنسانيين؛ فالمقطوعة الشعرية، التي تعرف بالسونيت على سبيل المثال شكل يمكن أن نعزوه على الفور لعهد النهضة. غير أن الاستمرار منذ القرن الثالث عشر يسترعي النظر برغم ذلك. ومن الأمثلة المحسوسة لذلك الأدب الفاحش، فإذا أنت قرأت بترتيب زمني نماذج من «فابليو»، وإحدى قصص شوسر الماجنة، وطرفا من بوكاشيو، وشيئا من رابيليه، فأنت تسير من العصور الوسطى إلى قلب النهضة، وأنت تنتهي برجل يوصف دائما بالإنساني على التوالي. ومع ذلك فإن رابيليه لديه خصب، وفحش صبياني، وجدة وصمت كذلك بالغوطية. وقد تبدو معرفته المتنوعة الواسعة لأول وهلة إنسانية، ولكنها معرفة تراكمت مع قليل من الإحساس الكلاسيكي بالنظام.

وفي المقطوعة التالية يصف رابيليه في إسهاب وبما يمثل المعرفة الإنسانية في جميع الميادين أفضل تمثيل، نباتا عجيبا (خياليا) يسميه باتاجروليون على اسم بطله بانتاجرويل. «وجدت أن النباتات تسمى بوسائل شتى، بعضها يسمى باسم أول من كشفها، وعرفها، وأظهرها، وزرعها، وحسنها بالتزريع، وجعلها مناسبة، مثل: مركيورياليس الذي اشتق اسمه من ميركري؛ وباناسيا من باناس ، ابنة اسكولابيوس؛ وآرموا من آرتميس؛ وهوديانا، ويوباتوريام من الملك يوباتور؛ وتلفيون من تليفوس؛ ويوفوربيوم من يوفوربوس، طبيب ملك جوبا؛ وكليمنوس من كليمنس؛ والقبياديوم من القبيادس؛ وجنتيان من جنتيوس، ملك سكلافونيا. وكانت هذه الميزة فيما سبق تقدر قدرا كبيرا - ميزة تسمية النباتات المكتشفة حديثا، إلى درجة أنه لما ثار الجدل بين نبتيون وبالاس حول تسمية الأرض التي كشفاها معا، إلى أيهما تنتمي - وإن تكن قد تسمت فيما بعد باسم أثينا نسبة إلى آثينى وهي منيرفا - مما أدى إلى أن يقتل لينكس ملك سيثيا غدرا الشاب تربتوليموس، الذي كان سيريس قد أرسله إلى البشر لكي يدلهم على فائدة الحنطة التي لم تكن معروفة من قبل. وذلك لكي يفرض اسمه - بعد قتله - ويسمى مخترعا لنوع من الحبوب نافع جدا وضروري لحياة الناس، فيكتسب بذلك الشرف والمجد الخالد. وبسبب هذه الفعلة الشريرة وهذه المحاولة الخائنة حوله سيريس إلى فهد صغير. وهناك أعشاب ونباتات أخرى تحتفظ بأسماء البلدان التي نقلت منها، مثل: التفاح الميدي من ميديا حيث وجد لأول مرة؛ والتفاح البيوني - وهو الرمان - الذي وجد في بونقيا؛ وليجوستيكوم الذي نسميه لوفاج، الذي وجد في ليجوريا، ساحل جنوا؛ وكاستانز أو برسيك أو شجر الخوخ، أو سابين، أو ستاكاس من جزر هيريس التي امتلكها؛ وسبيكا كلتيكا، وغيرها.»

وفحش رابيليه بمثل هذا العمق في المعرفة، فيه من المعرفة مما لا يمكن لغير الإنساني أن يلمس كل ما فيه من فحش؛ فهو يذكر قوائم مطولة، كأنها الأوراد، من الصفات التي ليس فيها ما لا يمكن طبعه - أو ما لم يمكن طبعه - سوى الموضوع الأصيل.

إن هذه الدراسة المقارنة في الفحش تؤكد لنا على الأقل المشقة الكبرى في تصنيف الأعمال الفنية (بأوسع معاني الفن، الذي يشمل الأدب) بحيث تتفق مع تعميمات الفلسفة وعلم الاجتماع الكبرى - وقد تكون صفة الفحش غير محدودة بزمان، ومن ثم فهي محك غير سليم. إلا أنا لا نكاد نجد سمة ظاهرة وحيدة من السهل تمييزها يمكن أن تفرق في وضوح بين الفن الوسيط وفن النهضة .

والواقع أن القارئ الذي تدبر ما سبق ربما وصل إلى هذه النتيجة؛ وهي أنه ما دامت العصور الوسطى كانت دينية قبل كل شيء، وما دامت النهضة كانت تعني على الأقل محاولة الرجوع إلى الوثنية، أو عدم التدين، بل اللادين؛ فإن الوسيط يجب أن يرتبط بالكنيسة وفن النهضة يجب أن يتمتع بحرية بوهيمية. وهذا صحيح إلى حد ما. فما إن بلغت النهضة أوجها حتى كان المثالون والمصورون يقلدون العري القديم كما كانوا يقلدون كل شيء قديم. وبدأ الفنان يحيا نوعا من الحياة ما زلنا نفترض أنه يحياها - حياة الانطلاق، وعدم الحشمة، والمجازفة، ولكنها حياة شائقة. وإن سيرة بنفنوتو سليني التي كتبها بقلمه، والتي يرجع إليها دائما أولئك الذين يريدون أن يبسطوا القرن السادس عشر بوصفه أنه قرن الفنان، لتضع أسطورة الفنان باعتباره العبقري الذي يعلو على العفة كما يعلو على حياة الملل. ومع ذلك فلو أن فيلون كتب سيرة حياته بنفسه فلربما تفوق فيها على سليني. وتستطيع بطبيعة الحال أن تزعم أن فيلون ليس في الواقع من العصر الوسيط، وأنه يبشر بالنهضة.

غير أن هناك مشقة كبرى في قبول هذا الحكم: إن العصور الوسطى تساوي الدين والتزمت، والنهضة تساوي الوثنية والانطلاق؛ ففي خلال النهضة وهي في أوجها كان الفنان يعمل للكنيسة ويعالج موضوعات دينية. ولو أنك فكرت في أعمال هؤلاء الرجال ذات الشهرة العالمية، وهي أعمال بلغت من الشهرة بحيث تبدو للرجل العميق الثقافة في هذه الأيام سوقية مبتذلة - مثل العشاء الأخير لليوناردو، ومادونا لرافائيل، والصور الحائطية التي رسمها ميخائيل أنجلو في كنيسة سستين، وما إليها - لتبين لك أنها كلها دينية في موضوعها. وقد يقول قائل إن هذه الأعمال دينية ظاهريا فحسب، وإن روحها دنيوية، حسية، وثنية، إنسانية، وعلى نقيض ذلك كانت الحال في العصور الوسطى. إن مادونا التي رسمها رافائيل ربما كانت - كما يقولون - صورا لنساء إيطاليات فلاحات، ليس فيها من الروحية أكثر مما عند الفائزات في مسابقة جمال أمريكية. وهذا التباين بين مادونا من تصوير رافائيل - وكلها جسد - وبين العذراء المنحوتة على الطراز الغوطي - وكلها روح - لمما يدعو إلى ضلال الرأي؛ فإن مادونا رافائيل ليست إلا خلفا لعذراء العصور الوسطى، وهي لا تهتك سلفها بأية حال من الأحوال؛ هذا السلف الذي كان أبعد ما يكون عن مبدأ مجرد. والواقع أننا نبالغ في تزهد العصور الوسطى وتطلعها إلى العالم الآخر، ومن أجل هذا أساسا نجد أن فن النهضة فيه جدة، وفيه وثنية، وفيه إنسانية. إن فناني النهضة الذين وهبوا أكثر حياتهم الفنية إلى جعل العقائد المسيحية محسوسة، مرئية، إنما كانوا يؤيدون وظيفة ورثوها عمن سبقوهم في العصور الوسطى. ولم يصبح الفن دنيويا بحتا إلا تدريجا، وفي الأزمنة الحديثة نسبيا، حتى كاد يختفي الفن الديني. وهنا أيضا نجد أن الحديث يرجع في جذوره العديدة الثابتة لا إلى القرن السادس عشر، ولكن إلى القرن الثامن عشر.

طبيعة الإنسانية

ومهما يكن من أمر فلقد كان الإنسانيون ثائرين واعين بثورتهم، سواء أكان اهتمامهم الرئيسي بالبحث، أم الفلسفة، أم الفن، أم الأدب. وهم محدثون إلى أقصى حد من حيث إدراكهم أنهم في ثورة ضد آبائهم رجال العصور الوسطى. وربما كان الباحثون والفلاسفة - وهم إنسانيون بالمعنى الضيق - أوضحهم تعبيرا؛ فإن أرازمس وأمثاله قد عبروا تعبيرا حرا عن ازدرائهم للمدرسيين، أتباع أرسطو المستعبدين له البائسين، أولئك الذين أساءوا إلى اللغة النبيلة، لغة هوراس، وشيشرون، أولئك الخاملين الذين ينفقون الوقت في النزاع حول عدد الملائكة الذين يمكن أن يستقروا على طرف الإبرة. إننا ما زلنا نردد نقدهم اليوم، بالرغم من أن الأفق أمامنا أفسح من الأفق الذي كان يحيط بهم. ومن الحق أنهم كانوا في ثورة على المذهب المدرسي المتداعي، ولم يثوروا على المذهب المدرسي الناضج في القرن الثالث عشر، الذي لم يحاولوا محاولة جدية أن يستردوه.

وحتى رجال الفن كانوا في ثورة، يجاهدون عمدا أن يلقوا عن كواهلهم تقليدا كانوا يشعرون بعبئه. وكان المذهب الغوطي المتأخر في حالة من التدهور تشبه حالة المذهب المدرسي المتأخر. وإن أولئك القوم الذين كانوا يقطنون شمالي الألب لم يرحبوا بالأساليب الإيطالية الحديثة في كل الفنون إلا لأنهم كانوا ثائرين على التعقيدات والسخافات التي تغلغلت في الفن الغوطي المتأخر. إن أسلوب النهضة في بدايتها كان بسيطا، يخلو نسبيا من الزخرفة، ويتحاشى عن عمد غزارة الفن الغوطي، ويبحث عن عمد في النماذج الكلاسيكية عن البساطة والنظام.

অজানা পৃষ্ঠা