চিন্তা এবং মানুষ: পশ্চিমা চিন্তার ইতিহাস
أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي
জনগুলি
وخلفائه توغلوا في فتوحاتهم في الجزء الغربي من الإمبراطورية الرومانية، ولما انتصف القرن الثامن كانوا قد اجتاحوا إسبانيا وصقلية وجنوب إيطاليا، واحتفظوا بهذه المنطقة العامة خلال القرون القلائل التالية. وفي الحق أنهم لم يخرجوا كلية من إسبانيا حتى نهاية العصور الوسطى. وقد أغرم المؤرخون المعارضون للأكليروس طويلا بموازنة الحرية العقلية وقوة النفوذ عند العرب في هذه القرون بالسبات والظلمة التي سادت المسيحيين في الغرب. ومن الحق أن العرب فيما بين عامي 700م و1100م كانت لديهم طبقة مفكرة ناشطة، تهتم - فوق كل شيء - بالعلم والفلسفة. وسوف نعود بعد قليل إلى عملهم العلمي. والواقع أنهم لم يكونوا من الناحية الفلسفية مبتكرين بدرجة تسترعي النظر، ولكنهم اتصلوا بالأصول الإغريقية، وبخاصة بأصول أرسطو التي كانت أفضل وأكمل مما كان متيسرا للغرب، وقد ترجمت هذه الأصول إلى اللغة العربية، ولما خرج الغرب من العصور المظلمة، وزادت الحروب الصليبية من الاتصال بين المسيحيين والمسلمين، ولما نمت - بصفة خاصة - جماعات العلماء التي وصفناها آنفا وتعطشت لمزيد من الكتب، قام المترجمون بنقل هذه المؤلفات الإغريقية من العربية إلى اللاتينية. ويقال إن أشهر هؤلاء المترجمين، جيرارد الكريموني، الذي كان يعمل في توليدو بإسبانيا، قد نقل من العربية ما يقرب من تسعين مؤلفا منفصلا.
وإذن فلقد كانت هناك المادة الأساسية للمجموعة الثلاثية والمجموعة الرباعية من العلوم، كما كانت هناك مكتبات الكتب الجديدة سريعة النمو، من اليونانية والعربية، ومن الهندية في النهاية فيما يتعلق ببعض كتب الرياضيات، كلها الآن ميسورة باللاتينية. وكانت هناك طبقة كبيرة من النساخين الرهبان المتخصصين، كما كانت هناك مكتبات طيبة، وجماعات علمية، برغم عدم وجود المطبعة. والواقع أن المفكرين العاملين في هذه الجماعات كانوا منذ القرن الحادي عشر يضيفون إلى رصيد المعرفة، ويضعون أسس الفلسفة في العصور الوسطى. ولكي ندرك الروح العامة لهذه الفلسفة دعنا ننظر إلى المشكلة التي ربما كانت أم المشكلات في ذلك الوقت، وأعني بها تلك المشكلة القديمة؛ مشكلة الكليات.
والمشكلة، التي لمسناها عند أفلاطون في صورة أخرى، تتركز عند مفكري العصور الوسطى في واقعية الصورة النوعية. والحصان مثال كثيرا ما يذكر في هذا الصدد. يرى أحد الطرفين (الاسمي) أنه بالرغم من وجود عدد كبير جدا من الخيول المتفرقة، وكل منها واقعي، إلا أن الصورة النوعية (التي يعبر عنها ب «الحصان») لا تقابل شيئا واقعا، وليست سوى حيلة يبسط بها الناس التفكير، ليست إلا لفظة، أو قل هي نوع من الاختزال الفكري. ذلك أنه بالرغم من أن دوبين ورانجر وسلفر وبيوسيفالوس هي في الواقع خيول فردية متفرقة - وهي حقيقة نعترف بها بإعطائنا كلا منها اسما خاصا - إلا أنه لا وجود لشيء مثل «الحصان عامة». والواقع أنه ليست هناك شجرة واحدة من شجر البلوط تشبه غيرها، ولكنا إذا أردنا أن نعرف هذه الحقيقة بإعطائنا كل شجرة من أشجار البلوط اسما خاصا بها كان ذلك علينا عسيرا. وإذن فاسم النوع ليس إلا للتيسير، وهو ليس أمرا واقعا.
والطرف الآخر الذي يناقض هذه النظرة هو فكرة «الواقعي». كان الواقعي في العصور الوسطى يعتقد أن الخيول المفردة ليست إلا اقترابا ناقصا من الحصان الكامل، الحصان المثالي، وهو وحده الواقعي. ومن الحق - كما يعترف الواقعي - أننا في هذا العالم، عالم المحسوسات، نقابل عن طريق تجاربنا المستقبلة (إحساساتنا) خيولا مفردة متفرقة فقط، ولكن قدرتنا على الارتفاع إلى فكرة «الحصان عامة» يجب - برغم هذا - أن تسوقنا إلى الاعتقاد بأن ما نعرفه عن طريق القدرة السامية على التفكير هو أصدق مما نتعلمه من التجربة الحسية وحدها. وإذن فالنوع - دون الفرد - هو الحقيقة العليا.
ولو أنا سرنا مع المذهب الاسمي إلى غايته، وجدنا أنه من العسير أن نوفق بينه وبين المسيحية؛ فهو يميل إلى القول بأنه لا وجود قط إلا لما أدركه مفردا، أو مثالا يتصل بمعرفتي عن طريق حواسي أو إرهافها بالآلات؛ فالحصان، وورقة العشب، بل والميكروب - عندما اخترع الميكروسكوب بعد ذلك ببضعة قرون - هذه الأشياء واقعية عند صاحب المذهب الاسمي. ولكن الله، أو حتى الكنيسة منعزلة عن الأفراد الذين تتكون منهم، إنه يتعذر على الاسمي المتطرف أن يجعل منهما أمرا واقعا حقا. والواقع أن المقتضيات المنطقية للمذهب الاسمي الذي ساد في العصور الوسطى وضع هذا المذهب في صف واحد مع ما أطلق عليه فيما بعد المادية، أو الوضعية، أو المذهب العقلي، أو المذهب التجريبي.
وكذلك كان للمذهب الواقعي أخطاره من وجهة نظر الأرثوذكسية المسيحية وإن تكن أقل شدة وأقل وضوحا. نعم إن المذهب الواقعي قد عني بالله وبالكنيسة، كما عني بالعدالة وبكل الأفكار الخلقية الأخرى. ولكنه تعرض - كغيره من مذاهب العالم الآخر - لخطر المغالاة على يد أحد المفكرين المنطقيين - أو المبالغين في التصوف - إلى حد إنكار ما يشق على الرجل العادي أن يفر منه، هذا العالم المبتذل، عالم الطعام، والشراب، والعمل، والحساب، وغير ذلك من ضروب النشاط اللاأفلاطونية. وقد كانت الكنيسة الكاثوليكية فيما يقرب من ألفي عام شديدة الحفاوة بالعامة من الرجال والنساء، واهتمت بألا تبالغ في الابتعاد عن عقولهم وقلوبهم.
فالمذهب المدرسي إذن مذهب توفيق من ناحية ما. وقد سمي أعظم المدرسيين (أكويناس) «أول الأحرار»، كما سمي الرجل السياسي البريطاني المعتدل المحب للتوفيق في القرن الثامن عشر. وإنما ينبغي أن نؤكد - برغم هذا - أن الفكر الرسمي في العصور الوسطى كان يفسح في المجال لجميع ألوان الفلسفة - ربما مع استثناء مذهب الشك الذي كان ينبذه المتعلمون بالإجماع تقريبا بالرغم من ظهورها أحيانا عند رجل مثل الإمبراطور فردريك الثاني. ولا ينبغي للمرء أن تضلله مصطلحات مثل «وحدة العصور الوسطى» أو الرأي الذي يقول بأن الفرصة - منذ ارتفاع الكنيسة في الغرب إلى الذروة - لم تتح للجدل في القضايا الفلسفية الأساسية. بل إن المدرسيين - على نقيض ذلك - كانوا يتبارون على منصة الخطابة وفي الكتابة بإخلاص لا يقل عما وجد في أي عصر آخر عظيم من عصور الفلسفة الغربية. وأحد هؤلاء، أبيلارد - على سبيل المثال - كان من الاسميين المتشددين، وقد أعجب به كثيرا الوضعيون المحدثون الذين يمقتون العصور الوسطى عامة. وعلى عكس ذلك نجد أن أولئك المحدثين الذين يعشقون العصور الوسطى لوقارها المفروض ولاتجاهها نحو العالم الآخر يمقتون أبيلارد على وجه العموم. والواقع أنك تستطيع - إن عرفت استجابة أحد الأفراد إلى أبيلارد - أن تتنبأ باستجابته لكل ثقافة العصور الوسطى. ولكن أبيلارد كان كشخص - في كثير من الأمور ذلك الفيلسوف المحتج الخالد - مزهوا منازعا، موهوبا في الجدل بدرجة عجيبة، معلما اجتذب إليه أتباعا متحمسين له، ينقصه التواضع المسيحي، يميل بطبعه إلى الوقوف في وجه الاستقرار، والجمود، والاعتدال، والملل، والنجاح في هذه الدنيا. وإنك لتتوقع مثل هذا المزاج في المجتمعات الحرة؛ فهذا سقراط، أو توم بين، أو برتراند راسل، ولكنك تدهش أن تجده بكل هذا البروز في العصور الوسطى، ما لم تكن بعيدا عن الآراء الأمريكية الشائعة في هذا الصدد. وتعليل ذلك أن العصور الوسطى في الغرب كانت في أوجها مجتمعا من المجتمعات الحرة. وفي هذا المجتمع نال أبيلارد التكريم بارتفاعه إلى مكانة مرموقة، وقد أحس بالطبيعة معارضة الناس الذين هاجمهم هجوما مريرا. وعامله خصومه في الواقع معاملة سيئة، ولكنه لم يكف عن الكلام.
وفي بداية التفكير المنظم في العصور الوسطى نجد في القرن التاسع سكوتس إريجينا، وهو أحد طلائع الواقعية، مفكرا يقترب جدا من الأفلاطونية الحديثة، حتى لقد وجدته العصور المتأخرة شديد الخطورة. وفي نهاية القرن الثالث عشر نجد في دنز سكوتس مثالا آخر من مخاطر الواقعية المدرسية؛ لأن هذا الفيلسوف لم يرض البتة عن الحجج الناقصة التي يثبت بها بعضهم وجود الكمال. وقد كتب نقدا لاذعا لسابقيه، الواقعيين منهم والاسميين. وصاغ دنز سكوتس حججه الخاصة التي يثبت بها موقف الواقعية، وأصبحت مؤلفاته مثالا يضرب للمبالغة في الدقة، وأيد بعمله العيوب العامة التي لحقت بالمذهب المدرسي في نهاية العصور الوسطى. وكان وليام الأوكهامي - من ناحية أخرى - أشهر الاسميين المتطرفين. وقد وجد أن موقفه الفلسفي جعل من المستحيل عليه أن يقبل معقولية الكثير من المبادئ الأساسية للكنيسة. ومن ثم اختار أوكهام أن يعتقد في هذه المبادئ على أية حال من الأحوال - شأنه في ذلك فيما نحسب شأن الرجل الإنجليزي الطيب؛ لأنه كان كذلك - وإذا نحن لجأنا إلى لغة رسمية بدرجة فوق ذلك قلنا إنه تخلى عن المحاولة التي تميزت بها العصور الوسطى، وأقصد بها التدليل على أن حقائق المسيحية يمكن إثباتها بالعقل البشري، وارتد إلى موقف يقترب جدا من موقف أحد الآباء الأولين، الذي قال: «إني أومن «لأن» هذا مستحيل.»
وقد وقف مثل هذا الموقف منذ البداية - بطبيعة الحال - كثير من المتصوفين المتحمسين. وفي غضون الفكر الوسيط نجد كثيرا من هذه المعارضة للمعقول عند الناسك، والتائب، والرجل البدائي الخيالي. غير أن تصوف العصور الوسطى لم يكن كله من لون واحد بأية حال من الأحوال؛ فإن أكثر عظماء المتصوفين لم يكونوا في الواقع من المعارضين للمعقول بمعنى معارضة استخدام العقل استخداما عاديا باعتباره شرا أو عديم الأثر. إنما كانوا يعيشون فوق مرتبة الحساب، وكانوا من الناحية الروحانية على مستوى جعل الكثيرين منهم قديسين. ويعتبر أشهر كتاب وسيط في التقوى، وعنوانه «تقليد المسيح» الذي يعزى إلى توماس آكمبس، مثالا رائعا للتصوف الكامل، الذي يوفق ويواسي بدلا من أن يخز وينخس. وقد رأينا في الفصل السابق أن عدم الوثوق بالعقل إحدى سمات المسيحية الكامنة فيها. وليس من شك في أن انعدام الوثوق هذا ظاهر في عصر مسيحي جدا كالعصر الوسيط؛ فقد كان هناك آدم السنت فكتوري، وسنت برنارد، وسنت فرانسيس الأسيسي. وكان الدور الذي لعبه أولئك الذين عارضوا مناشدة العقل بالطريقة المدرسية طويلا متنوعا.
ولما بلغت ثقافة العصور الوسطى أوجها في القرن الثالث عشر كان هناك إذن تنوع وتلقائية في التفكير الفلسفي كذلك الذي لمسناه في العصر اليوناني العظيم. وكان هناك كذلك - مثلما كان في اليونان - اتزان، وتوسط ووسط ذهبي. وهذا الاتزان في العصور الوسطى هو المذهب المدرسي الناضج، وهو من أنجح الجهود لتخفيف التوتر بين هذا العالم والعالم الآخر، بين الواقعي والمثالي. وقد رجع المدرسيون الناضجون إلى العقل، ولكنه العقل الذي يعمل طبقا لقواعد وضعها أصحاب النفوذ؛ نفوذ الكنيسة الذي يؤيده نفوذ أرسطو. ولم يكن العقل عندهم تلك القوة القلقة، الفاحصة، الساخطة، والجامحة في أساسها كما كانت في كثير من المواقف في التاريخ البشري - وربما كان فيه تاريخنا أيضا. وقد ذكرنا أبيلارد مثالا لهذا النوع من العقل الثائر تماما، بيد أن أبيلارد كان أبعد ما يكون عن المدرسي المجيد. إنما المدرسي المجيد يتصف بالتواضع الفكري الذي يبدو جبنا في نظر الثائرين في الفكر.
অজানা পৃষ্ঠা