চিন্তা এবং মানুষ: পশ্চিমা চিন্তার ইতিহাস
أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي
জনগুলি
وفي هذا العصر أيضا انتهى الفلاسفة وتلاميذهم إلى تكوين جماعات خاصة، تعرف بالمدارس، التي كانت تحتفظ بفكرة الأستاذ، وورثوا الفكرة للأجيال التالية، بعد تحويرها تحويرا ليس منه مناص. واتخذ أتباع أفلاطون اسمهم من الأكاديمي، وهو تلك الغرفة الأثينية التي كان يعلم فيها. أما أتباع أرسطو فقد أطلق عليهم اسم «المشائين» (أو المتحركين)، وذلك على الأرجح لأنهم كانوا يمشون وهم يحاضرون ويتفلسفون. ولكن مدارس الفلسفة الهلينستية التي يتميز بها هذا العهد هي تلك التي عرفت بالرواقيين والأبيقوريين، وكلاهما مستمد من المدارس التي سبقتهما بشكل واضح، وكلتا المدرستين تهتم بالمشكلات الكبرى التي تتعلق بملاءمة الإنسان لبيئته الطبيعية والبشرية أكثر مما تهتم بالمشكلات الكبرى في الميتافيزيقا، وكلتاهما فلسفة يتعزى بها الإنسان، ووسيلة يتحصن بها الفرد في عالم قاس شديد.
والأبيقورية، التي تسمى باسم أبيقور، زعيم المدرسة، أصبحت منذ أيام زعيمها من أكثر الفلسفات التي أسيء استخدامها. يؤمن الأبيقوري بإله بعيد، ولكنه رحيم، وبحياة هادئة فوق الأرض، وبتحاشي النضال والألم. وكان أبيقور يعتقد أن هدف الحياة الطيبة هو اللذة (وتوصف فلسفته وما يشبهها من فلسفات باللفظة اليونانية هيدوني «أي اللذة» التي اشتقت منها الكلمة الإنجليزية «هيدونزم»؛ أي مذهب اللذة). واكتفى خصومه، كما اكتفى الجمهور العام بكلمة «اللذة»، ففرضوا في الحال أن أبيقور قصد الانغماس في اللذة الحسية وفي كل ضروب الفساد، وهذا بالذات ما لم يقصده، أو كما قال: «حينما نقول إن اللذة هي الهدف وهي القصد، لا نعني ملذات الإسراف أو ملذات الحس، كما يفهم بعضهم أننا نعني ذلك عن جهالة، أو تعصب في الرأي، أو تفسير خاطئ مقصود. إنما نعني باللذة انعدام الألم في الجسم والطمأنينة في الفؤاد، ليست اللذة سلسلة متصلة من مجالس الشراب والعربدة، وليست الحب الجنسي، وليست الاستمتاع بأكل الأسماك وغيرها من لذائذ الموائد المترفة التي تؤدي إلى حياة سارة. إنما اللذة هي التفكير الصاحي، والبحث عن أسباب كل اختيار وكل مجانبة، والقضاء على تلك العقائد التي تسيطر على النفس بسببها الجلبة والضجة العظمى.»
ومن الطبيعي أن يصبح بالإمكان تطبيق الفلسفة التي ترى أن اللذة هي الخير على الأمزجة المختلفة؛ فكان هناك - من غير شك - أبيقوريون أشرار، ولكن يجب أن نذكر أيضا أن في كل عقيدة فلسفية رجالا أشرارا. وقد مال إلى الترحيب خاصة بالأبيقورية كفلسفة، بعض أفراد الطبقات صاحبة الامتياز الذين اتجهت أذواقهم نحو الفنون والشعر والدراسات الهادئة، وكان يظهر بين الحين والحين أبيقوري من النوع الصارم حقا، كالشاعر اللاتيني ليوكريشس، الذي يدافع دفاعا حارا في كتابه «العودة إلى الطبيعة» عن الإلحاد. ولكن الطبقات العليا كانت رواقية على وجه العموم - وبخاصة أولئك الذين انتهى إليهم تدريجا حكم «العالم الواحد» في الإمبراطورية الرومانية.
فالرواقية إذن هي أهم مجموعة من مجموعات العقائد في العالم الإغريقي والروماني المتأخر، ما خلا المسيحية الناشئة بطبيعة الحال. ومؤسسها زينو - الذي لم يصل إلينا من أعماله إلا شذرات - كان يعلم في «ستوا بويكيل» في أثينا، ومن هذا المكان اشتق اسم أتباع المذهب، وهو بالإنجليزية «ستويك»، أو أولئك الذين ينتمون إلى السقيفة (أوستوا). وبتطور الرواقية إلى أسلوب من العيش أصبحت عند الخاصة في الإمبراطورية الرومانية ديانة كما كانت فلسفة، ومن الجلي أنها لم تسيطر كثيرا على قلوب عامة الناس في أي مكان. كانت العقيدة عقيدة تقشف، ولكنها لم تكن عقيدة زهد. وكانت تقوم أساسا على العقل، وتنطوي على الوعي بالمسئولية الخلقية، ولا تضع أملا كبيرا في هذه الدنيا أو في الدار الآخرة. ولن نلتقي بعقيدة شديدة الشبه بهذه، أو عقيدة اتسع انتشارها بين المتعلمين على هذه الصورة، حتى نصل إلى الاعتقاد بالله وحده مع إنكار الوحي والنظم الدينية، ذلك الاعتقاد الذي ظهر في القرن الثامن عشر.
وكان الرواقي يؤمن بإله واحد، وإن يكن قد عبده تحت أسماء عدة. وكان إلها رحيما قادرا على كل شيء، يهتم بأبنائه ويريد لهم أن يحيوا حياة فاضلة. أما لماذا لم يحيوا حياة فاضلة - وتلك هي مشكلة الرذيلة - فقد كان موضوعا شائكا بالنسبة للرواقيين كما كان لغيرهم ممن يعتقدون بوجود الله. ولكن الرواقي العادي كان يؤمن بأن الرذيلة أمر لا بد من مكافحته، ومن واجب المرء أن يلبي دعوة الجهاد، والحياة الفاضلة لا تختلف في ممارستها عند الرواقي عنها عند الأبيقوري - البساطة، والرقة، وأداء ما يطلب إلى المرء عمله في هدوء. وكذلك لا تختلف الرواقية العملية كثيرا عن المسيحية العملية من الناحية الخلقية. وقد أعجب الكتاب المسيحيون إعجابا شديدا بخير كتاب أخرج في الرواقية، وهو «التأملات» للإمبراطور ماركوس أوريليس. ولكن الرواقية لم تتحول قط إلى كنيسة أو إلى منظمة إكليريكية، ولم يكن لها قط مجموعة رسمية من العقائد. غير أن ما قدمته للإمبراطورية الرومانية كان جليلا؛ فإن أكثر الرجال الذين أقاموا صرح هذه الإمبراطورية كانوا رواقيين - لم يكونوا مؤمنين مذهبيين، ولم يكونوا مفكرين متزمتين، ولم يكونوا ممن يؤلفون الكتب وإنما كانوا رجالا الرواقية عندهم أسلوب من أساليب العيش. ثم إن النظرة الرواقية العقلية إلى المساواة بين الناس كانت - كما سوف نرى في القسم الآتي - جزءا أساسيا من المواطنة الدولية في الإمبراطورية.
وفي كل هذه النظم الأخلاقية، بل وفي كثير من ثقافة العهد الفنية والأدبية، تستطيع أن تلمس عنصر التهرب؛ فإن الحياة الطيبة عند الأبيقوري والرواقي على السواء يمكن أن تعني - بل لقد عنيت فعلا بكل وضوح في أواخر عهد الإمبراطورية - بالنسبة إلى كثير من الرجال المهذبين، تجنب الأمور المبتذلة، وتجنب عرق النضال وقذارته، والتراجع إلى شيء يشبه العالم الآخر الصوفي الذي لمسناه عند أفلاطون وأفلوطين. إن شعارات المدارس الأخرى قد توحي بالهروب بدرجة أوضح - مثل الراحة عند المتشككين، و«الاكتفاء الذاتي» عند الكلبيين المتشائمين. ولكن عنصر التهرب لا ينبغي المبالغة فيه، وبخاصة بالنسبة للرواقيين؛ فإن أساليب العيش هذه التي نادوا بها لم تكن متطرفة، ولم تكن مدعاة إلى الحيرة، كما عبر عنها الأدب - وذلك على الأقل عندما تسربت هذه الأساليب إلى عقول عامة المتعلمين. وبين هذه الأساليب شيء مشترك، وهو أنها تميل إلى قبول العالم، لا كما هو، وإنما كشيء لا يمكن تعديله كثيرا على وجه الإجمال، وهي تحاول أن توفق بين الفرد وبين قبوله في تواضع وكرامة لما أتى له به «الله»، أو الآلهة، أو «القدر»، أو «العناية الربانية». وليس هذا القبول سلبيا إلى آخر حد؛ فالفرد - والرواقي خاصة - يؤدي واجبه في زمانه ومكانه، ويعاون معاونة إيجابية على استمرار هذه الدنيا في مسيرها. والواقع أنه لم يعبر عن وجهة النظر هذه في إيجاز مثلما فعل رجل فرنسي بعد ذلك بنحو ألفي عام: وذلك هو فولتير الذي كان بالإمكان أن يكون من الإغريق المتأخرين مثل لوشيان، عندما أنهى روايته «كانديد» بهذه العبارة: «لا بد أن نزرع حديقتنا.»
العنصر الروماني
عندما حل القرن الثاني قبل الميلاد كانت سلسلة الحروب الدولية العظمى التي بدأها الإسكندر الأكبر قد انتهت بانتصار إحدى القوى العليا المتنازعة، وتلك هي المجموعة الرومانية. ثم كان قرن آخر من الاضطراب عندما اختلف فيما بينهم قادة الجمهورية: يوليوس قيصر، وبومبي، ومارك أنتوني، وأغسطس، وغيرهم، فيما كان من وجهة نظر المؤرخ محاولة صادقة لتطبيق أداة دولة واحدة على حكم العالم بأسره. وقد تم هذا التطبيق في عهد أغسطس، وعند بداية العصر المسيحي تقريبا ظهر في الوجود ما نسميه الإمبراطورية الرومانية. ولنحو أربعة قرون بعد ذلك أصبح مجتمعنا الغربي، من بريطانيا وغربي ألمانيا إلى مصر وبلاد النهرين، وحدة سياسية، هي العالم الواحد الروماني. ولم يكن هذا العالم في سلام كامل بأية حال، بل كانت الحروب الأهلية بين المتنازعين على العرش الإمبراطوري كالوباء المتوطن في بعض الأحيان. وكان هناك ضغط مستمر في القرون المتأخرة من البرابرة الجرمان المهاجرين. أما في الشرق فقد كان الفرس والبارثيون - وهما لم تكونا قط من الدول الكبرى - مستقلتين برغم ذلك، وخطرا دائما يهدد الإمبراطورية. ومع ذلك فقد ساد السلام على رقعة من الأرض أكبر من أية رقعة أخرى استمتعت منذ ذلك التاريخ بمثل هذا السلام في مجتمعنا الغربي، وبخاصة في عصر الأنطونيين الذي يمتد بين عام 96 بعد الميلاد وعام 180 بعد الميلاد.
وقد بدأت روما ذاتها كمدينة حكومية أخرى بناها شعب يتكلم اللاتينية، وهي لغة أوروبية هندية. وربما كانت تتألف من أجناس مختلطة كما كان الأيونيون في أتيكا. وليس من شك في أن روما تدين بشيء من عظمتها لموقعها الجغرافي؛ إذ كانت تقع فوق تلال في موقع حصين على بعد بضعة أميال من مصب نهر تيبر، وهو أهم الأنهار في غربي إيطاليا. وربما كانت مدينة إلى ظهورها في فترة متأخرة على مسرح السياسة الدولية، وقتالها المعركة الأخيرة وهي في عنفوانها نسبيا. ولا ينفي هذا أن روما قد دفعت إيطاليا الموحدة إلى القتال. وبمعنى آخر، حلت روما المشكلة التي عجزت أثينا وإسبرطة وكل وحدة إغريقية أخرى عن حلها، وهي مشكلة تجاوز المدينة الحكومية. كانت إيطاليا الرومانية عندما حل القرن الأول قبل الميلاد وحدة أرضية عظمى على الأقل - إن لم تكن حكومة قومية بالمعنى الحديث - ذات مواطنة عامة، وقوانين عامة، ومصلحة مشتركة بين أجزائها (كومنولث)، ولم تكن مجرد دولة استبدادية. ولا تزال الأعمال السياسية والقانونية التي قام بها الرومان أشد ما يلفت النظر إليهم، حتى عند مؤرخ الفكر.
ومن لغو القول أن نقول إن ثقافة الرومان الفلسفية والأدبية والفنية مستمدة من الإغريق. ويعرض الموضوع بعضهم في صورة أقوى فيقولون بأنهم «قلدوا » الإغريق. ومع ذلك فإن مجموع الكتابات اللاتينية الوثنية، والأمثلة الباقية من الفن الروماني، يستحق أكثر من تلخيص مخل؛ ذلك أنه حتى عام 1450م على وجه التقريب كان الميراث الإغريقي المباشر مجهولا لنا في الغرب، وكانت روما لغرب أوروبا كله الناقلة الكبرى للثقافة اليونانية. وهي من هذه الزاوية وحدها ذات أهمية عظمى في تاريخ الحضارة. وإذا كنا نفتقد في الفلسفة الشكلية أية كتابة لاتينية ممتازة (وقد كتب الإمبراطور ماركوس أورليس باليونانية) فقد كان الأدب اللاتيني، لاتينية فرجيل، وشيشرون، وتاسيتس، وكاتلس، وأضرابهم، من أروع آداب العالم، لما تدين به للإغريق بالذات. كان أدبا له ذوقه الخاص، ولكتابة شخصياتهم الخاصة.
অজানা পৃষ্ঠা