চিন্তা এবং মানুষ: পশ্চিমা চিন্তার ইতিহাস
أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي
জনগুলি
وقد كان اليهود - في ضوء ذلك - قبيلة صحراوية صغيرة، تنتمي إلى الأمة التي عرفت فيما بعد بالعرب، أو البدو، والتي نشأت على الأرجح في الجزيرة العربية. وبعد عدة جولات استقروا، فيما بين عامي 1700ق.م و1500ق.م غالبا، في المساحة الجبلية التي تقع بين وادي النيل والوادي الذي ينحصر بين دجلة والفرات، أو بين الدولتين العظيمتين - مصر في واد، وبابل أو آشور أو الفرس في واد آخر - كانت كل هذه الرقعة في الأزمنة القديمة منطقة منقطعة، تسكنها قبائل متعددة تتقاتل فيما بينها، وتتعرض بين الحين والحين للغزو و«إقرار الهدوء» من إحدى الدولتين الكبيرتين المجاورتين، إحداهما من الشرق والأخرى من الغرب. وفي مجال السياسة على الأقل كان لليهود تاريخ يشبه كثيرا تاريخ جيرانهم الصغار. وبعد فترة وجيزة، عندما اتحد اليهود كشعب، وعندما كانوا تحت حكم داود وسليمان الشعب صاحب السيادة في المنطقة، انقسمت إسرائيل دولتين: إسرائيل في الشمال، واليهودية في الجنوب. وقامت بين الدولتين منافسات، كما قامت بين اليهود وجيرانهم. وكانت هناك محالفات، ودسائس، وحملات، ومعارك، وكل الأمور المعقدة في التاريخ كما تروى في «سفر الملوك» وفي التواريخ القديمة. وفي الوقت عينه كانت هناك دولة عظمى ناشئة في الشرق، هي آشور، التي قضت نهائيا على إسرائيل في القرن الثامن ق.م، وعندئذ استولت عليها دولة عظمى شرقية أخرى، هي بابل. وسيق في الأسر إلى بابل زهاء عشرة آلاف يهودي من بينهم أكثر الصفوة المتعلمة، وربما كان ذلك جزءا من سياسة بابلية معينة ترمي إلى تشتيت الجماعات الوطنية العاصية. وبالرغم من أن هؤلاء اليهود المبعدين قد عادوا أخيرا إلى بيت المقدس، وبالرغم من أن اليهود تمتعوا مرة أخرى بنوع من المكانة السياسية (مع العلم بأنهم لم يكونوا من قبل قط مستقلين) إلا أن تشتيتهم الأكبر كان بالفعل قد بدأ. وكان الوطن اليهودي جزءا من الإمبراطورية الفارسية الأخمينية في القرنين السادس والخامس ق.م، ووقع تحت نفوذ الثقافة الإغريقية بعد غزوات الإسكندر الأكبر. وفي أيام المسيح كانت هناك دولة يهودية تحت حكم الملك هيرود الذي تحول إلى الهلينية، وهي نوع من المملكة الوطنية تحت الإمبراطورية الرومانية المركبة. غير أنه كان هناك أيضا آلاف اليهود المشتتين، والذين كانوا يتجمعون عادة في أحياء يهودية خاصة بهم، في أنطاكية، والإسكندرية، وكورنثيا، بل في الواقع في كل الجانب الشرقي من الإمبراطورية. وكان اليهود بالفعل - ما عدا في فلسطين ذاتها - في الأغلب مشتغلين بالبيع، والتجارة، وتسليف الأموال وشئون الثقافة، منعزلين عن البلاد.
ويتضح حتى من هذه الصورة المجردة أن هناك ما يفرق بين اليهود والفلسطينيين، والمالكيين، والمعابيين، والعاموريين، وكل الشعوب المجاورة التي نجد أسماءها مبعثرة في العهد القديم، وهذا الفارق، في أبسط صورة له، هو الإصرار على البقاء، وعلى أن يكونوا يهودا، وأن يكونوا شعبا. والآن بعد ألفي عام من تاريخ تحطيم الرومان لدولة اليهود ظهرت مرة أخرى على الخريطة السياسية في فلسطين المغتصبة . وليس هناك إجماع في الرأي عن السبب الذي جعل لليهود هذا التاريخ الفذ. ويستطيع اليهودي المتدين - بطبيعة الحال - أن يزعم أن الله خلق اليهود واحتفظ بهم، وسوف يفي بوعده بالمسيح. ولكن الأجنبي الذي يحاول تفسيرا طبيعيا أو منطقيا لا يجد هذا الحل المبسط بين يديه. وهناك من يعتقد أن اليهود هم فعلا جنس بشري، ولهم في الواقع صفات بدنية وعقلية موروثة هي التي وجهت تاريخهم وجهته. ولا يقبل اليوم أي طالب جاد ممن يدرسون العلاقات البشرية أمثال هذه العقائد الساذجة في الجنس والوراثة الجنسية. غير أنه من الواضح أن التفسير السائد المعاصر للعلاقات البشرية الذي يأخذ الظروف الاقتصادية والبيئات الجغرافية في الاعتبار، والتفسير المادي للتاريخ، هو - بالرغم من ذلك - في هذا الصدد غير شاف؛ لأن الظروف المادية التي نشأ فيها المعابيون، والمالكيون، والعاموريون، وغيرهم ممن لم نذكر، كانت على الأرجح مطابقة للظروف التي عملت على تشكيل اليهود على صورتهم.
وإنما يجب أن نبحث عن جانب من جوانب تفسير ما جعل لليهود صفتهم الخاصة في تاريخ الفكر. كان اليهود بين شعوب عالمنا الغربي أول من آمن بحرارة وتعصب بإله واحد، قادر على كل شيء، غيور، وعلى عزم أكيد بأن يحمي شعبه «ما دام هذا الشعب يثبت بعمله أنه شعب الله». وسوف نرى أن كبار كتاب اليهود القدامى وصفوا إلههم بأكثر من ذلك وأنبل. ولكن هذا الحد الأدنى كان دائما موجودا: يهوه، إله المعارك، إله غيور، إله لا يمت بصلة إلى زيوس، أو ديونيسس، أو بعل، بله أن يمت بصلة إلى ربات من النساء كأفروديت، أو أشتارت. وتماسك اليهود خلال كل ما مر بهم من محن؛ لأن عندهم يهوه.
ولك بالطبع أن تسأل كيف تأتى لليهود أن يروا في إلههم هذه الصفات. ولو سلمنا بأن الفارق بينهم وبين جيرانهم هو - بتعبير مجرد مألوف - إيمانهم في النهاية بوحدانية خلقية رفيعة، بقي أن نسأل: ولماذا تمسكوا وحدهم دون جيرانهم بهذه العقيدة؟ والمؤرخ - كما يحدث في أكثر الأحوال - لا يستطيع الإجابة عن هذا السؤال، على الأقل في عبارة بسيطة محدودة المعاني. إنما هذه العقائد استخلصت من التاريخ اليهودي، وبخاصة فيما بين عامي 1500ق.م و600ق.م، وقد يرجع بعضها إلى وجود رجال عظام، مثل موسى، تكتنفهم الظلال وتحيط بهم الأساطير بالنسبة للمؤرخ. وقد يرجع بعضها إلى نوع الجنس، والصلابة الموروثة في سلالة إبراهيم. ويرجع بعضها بالتأكيد إلى الكهان القدامى الذين احتفظوا بما كان يروى عن القومية اليهودية؛ لأن هذه العقائد في أرقى صورة خلقية لها تعتمد على أولئك الكهان المتأخرين الذين كانوا يعرفون بالأنبياء. ويرجع بعض هذه العقائد إلى الاضطهاد الذي نال الأقلية التي أبعدت إلى بابل في عام 586ق.م، وهو اضطهاد حدا بهذه الأقلية إلى الشعور برسالتها في رد «طائفتهم الخاصة» إلى ما أحسوا أنه وضعها الصحيح، وهو اضطهاد دفعهم إلى التسامي بهذا الوضع، وذلك بأن جعلوا يهوه إلها أفضل، وأرفع من الناحية الخلقية. وقد كان ما حققه اليهود في الدين - كما كان ما حققه الرومان في السياسة والأثينيون في الفن - ثمرة تاريخ طويل لا نستطيع أن نفهمه كله أو نستعيده بأكمله.
وإن لدينا عن اليهود سجلا رائعا يعرف بالعهد القديم، وما جاء به من وجهة نظر المؤرخ الحديث العادي إنما قد ضم بعضه إلى بعض في أوقات متفرقة وعلى أيدي أفراد مختلفين، وبعضه كالملاحم، شيء يشبه هومر، وبعضه قواعد كهنوتية قصد بها الاستخدام المباشر في «المعهد» وبعضها قصائد، وحكم، ودراسات خلقية وطنية. ولما جاء المسيح كان أكثر هذه المواد قد أضيف بعضه إلى بعض، طبقا لما وافق عليه المسئولون إلى حد كبير، وأمسى في خدمة اليهود باعتباره مجموعة مقدسة، وهي ما نعرفه جميعا باسم «الإنجيل». وبات الإنجيل عند المؤمنين كلمة الله، أملاها الله على كتابه، وهو ليس مجرد كتاب بأية حال من الأحوال.
وظلت هذه المجموعة من الأدب القومي اليهودي - بعدما أدمجت مع العهد الجديد في إنجيل مسيحي - عدة قرون كلمة الله، وهي لذلك لا تخضع لأية دراسة نقدية، ولا تخضع إلا للتفسير، أو التأويل. ثم شرع الناس على مهل بعد النهضة وعصر الإصلاح الديني ، وعلى عجل خلال القرن الثامن عشر، أن يدرسوا هذه النصوص دراسة نقدية، كما درسوا نصوص هومر، وفرجيل، وثيوسيديد، وهيرودوت. وتمخض هذا في القرن التاسع عشر عن ذلك النصر الذي أحرزه البحث، أو ما يسمونه «النقد الأعلى» الذي أزعج ضمائر أجداد أجدادنا إلى درجة قصوى. ولم يصل «النقد الأعلى» إلى اتفاق تام. وفي أعلى مستوى يعالج العهد القديم مشكلات المصير البشري، وهي تلك المشكلات الهامة التي لم نتفق عليها قط.
كما أن النقد الحديث القائم على البحوث الأثرية قد تعرض بالشك لبعض الوقائع المادية في النقد الأعلى في القرن الماضي. غير أن الجهد الذي بذلته عدة أجيال من الباحثين في هذا الميدان هو - كمثال للعمل الملموس الذي تحققه طريقة من الطرق - أثر رائع لإمكان تحقيق نوع من المعرفة التراكمية في مجال من أشق المجالات. ولا يرفض قبول نتيجة هذا البحث العلمي اليوم «في خطوطه العريضة» إلا المتمسكون بالأسس الأولى.
ومن هذا يتضح للمؤرخ أن العهد القديم قد جمع من مصادر شتى في فترات متعددة. وليس الباحثون على اتفاق في التفصيلات بأية صورة من الصور، وهم لا يزالون يختلفون في الرأي عمن كتب هذه الرسالة أو تلك - فردا كان أم جماعة. وكمثال محسوس لما قام به النقد الأعلى نذكر أسفار موسى، أو الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم، التي تعزى عادة إلى موسى؛ هنا يشير الباحثون إلى ثلاثة مصادر على الأقل: المصدر الأول يسمى «ج» وهو الحرف الأول من الكلمة الإنجليزية جيهوفا، وهي تعني ما نطلق عليه بالعربية «يهوه»، وهو أقدم المصادر وأكثرها بدائية. ويهوه هو إله اليهود القبلي، وهو لا يزال إلها معروفا له صفات الإنسان، إلها كان بوسع هومر نفسه أن يفهمه. أما المصدر الثاني فيشار إليه بحرف «أ»، وهو الحرف الأول من كلمة الوهيم، وهو اسم من أسماء الله، وهو مصدر جاء بعد الأول، وفكرته عن الله هي قطعا أكثر تمسكا بالأخلاق، وأشد تجريدا، وأكثر عالمية. ثم المصدر الثالث ويشار إليه بحرف «ب»، وقد جاء متأخرا جدا، ويكاد يكون من المؤكد أنه من وضع الكهان المختصين بالشريعة، والطقوس، والعبادات الظاهرة التي كانت تضم اليهود بعضهم إلى بعض في وحدة اجتماعية دينية - أو ما نسميه الكنيسة. وقد اتحدت هذه المصادر الثلاثة أخيرا، وربما كان ذلك في القرن الخامس قبل الميلاد، وتكون منها التاريخ الإنجيلي للأصول اليهودية التي نعرفها. ولم يتم هذا التوحيد نفاقا لخداع أي إنسان، إنما هو يمثل الأفكار التي كانت عند المثقفين اليهود الجادين في السنوات التي أعقبت خروجهم، عن الرسالة الوطنية لليهود والتاريخ القومي.
وكثير من بقية العهد القديم هو في الواقع نفس هذا النوع من التاريخ، وهو تاريخ مستمد من المصادر القديمة، مع بعض الوثائق المعاصرة، ولكنه كتب بقصد تحويل اليهود إلى يهود أفضل، وقد كتب وفزع الخروج مخيم على الأذهان دائما، كما أنه كتب ليكون في النهاية شعرا، وفلسفة، وأصولا دينية، لا لكي يكون مجرد تاريخ. وعلى ذلك فإن تاريخ اليهود الملحمي يصبح من عمل الأنبياء، أو من «كتاباتهم» ومن أمثال ذلك سفر أيوب، والأمثال، وسفر الجامعة.
واعتصار هذه المجموعة الكبرى من الكتابات ليس أمرا مألوفا، بل وليس من ورائه جدوى.
অজানা পৃষ্ঠা