كتاب الأفضليات
رسالة العفو
بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ أبو القاسم علي بن منجب بن سليمان الكاتب: هذه الرسائل التي صنفتها منذ الأيام الأفضلية، فأولها رسالة العفو التي ترجمتها استنزال ... مما خدم به المجلس العالي الملكي الأفضلي مملوكه فلان، الحمد لله راحم خلقه وإن عظمت ذنوبهم، وكاشف ضرهم فيما يطرقهم وينوبهم والمتفضل عليهم بنعمة وهم غافلون، والقائل في محكم كتابه: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون) وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الذي شرفه بالقرآن الكريم، ووصفه بالخلق العظيم، وفضله على كافة الأنبياء الذين بعثهم وأرسلهم، وأمره في أصحابه بقوله - عز من قائل -: (فاعف عنهم واستغفر لهم) وعلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي أجاب إلى الإيمان مسارعًا مبادرًا، وصفح عن عدوه وكان عليه قادرًا، وأعربت شيمه عن الشرف الصريح، ومنعه كرمه أن يجهز على جريح، وعلى آلهما الطاهرين الذين طهر بهم من الأدناس صلاة دائمة الاتصال، مستمرة في الغدو والآصال، وسلم وكرم ومجد وعظم. أجمعت البرية على اختلاف ألسنتها وألوانها، وتغاير عصورها وأزمانها، وتباين عقولها وآرائها، وتفاوت أغراضها وأهوائها أن أفضل ما اكتسبه المرء في وجوده، وأشرف ما منحه من كرم الله تعالى وجوده ما يوفق له من إصلاح أخلاق النفس وتهذيبها، وتبليغها غاية تجود الخواطر فيها وتهذي بها، وإن من أدرك ذلك فقد نال الرتبة العلية، وحاز السعادة الحقيقية؛ لأنه حصل على فضيلة الذات، ووصل بها إلى أعظم اللذات، وهذه قضية لا تنتقض، ومقدمة لا يخالف أحد فيها ولا يعترض. فأما النتيجة عنها فهي فعل الحسن والمثابرة عليه، والتنزه عن القبيح وإن دعت المكافأة إليه وأفضل الحسن ما بقي ذكر المرء بعده، وجعله بالوصف قريبًا وإن أطالت الأيام عهده، إذ كان بقاء ذكر الإنسان عمرًا يستجده، وكنزًا يذخره لوارثه ويعده. ومن أمثالهم: (البشر أحد الجودين، والذكر أحد الخلودين، والبيان أحد السحرين، والثناء أحمد العمرين) وما أحسن قول أبي الطيب:
كفل الثناء له برد حياته ... لما انطوى فكأنه منشور
وقد سبقه إلى هذا المعنى غيره. قال التيمي:
ردت صنائعه على حياته ... فكأنه في طيه منشور
وقال آخر:
طوته المنايا والثناء كفيله ... برد حياة ليس يخلقها الدهر
وبعد أبي الطيب قال مهيار:
أفنى الثراء على الثناء لعلمه ... أن الفناء مع الثناء خلود
1 / 1