3
وأهم ما يميز فكرة «ألموناد» عند ليبنتس من فكرة الذرة كما عرفها الفلاسفة اليونانيون القدماء مثلا، هو أن الأولى دينامية في أساسها؛ فالذرة الروحية عند ليبنتس هي قبل كل شيء وحدة للقوة أو للنشاط والفاعلية. وبعبارة أخرى: فإن ليبنتس يريد أن يقول: إنه لا شيء حقيقي حتى في المادة نفسها، إلا ما هو نشيط فعال، وما هو في أساسه طاقة دينامية.
ويربط «ماير» بين فكرة الذرة الروحية وبين شخصية ليبنتس على نحو طريف يستحق أن نشير إليه هنا بشيء من التفصيل، فصورة الجوهر الفرد قد تكونت عن طريق تأكيد ليبنتس لذاته في مقابل العالم.
وعبقرية ليبنتس الشاملة كانت تضفي على العالم صورتها. وهكذا تصور الذات على أنها داخلة في تركيب العالم، أو تصور العالم على أن فيه شيئا من طبيعة الذات، فماهية العالم لا تفهم من خلال الموضوعات الممتدة كما تقول الميكانيكا الديكارتية، وإنما تفهم عن طريق تجربة ذاتية، هي بذل الطاقة والإرادة.
هذه الفكرة تعد مظهرا لشعور ليبنتس بالتقابل بين وجوده الذي يؤكد ذاته بوصفه وحدة عقلية أو جوهرا فردا، في مقابل تغير الزمان وتقلباته. وهذا الوجود لا يشعر بذاته وبوصفه شخصا إلا نتيجة الجهد الفكري الذي يبذله من أجل إضفاء صورة على مادة التجربة الحسية. وهكذا فإن مذهب ليبنتس الديناميكي إنما هو «تعبير باطن واع بذاته عن وجوده الخاص؛ إذ إن تحمسه الشديد للنشاط والفعالية إنما يرجع إلى وجوده الخاص»،
4
وبقدر ما يكون للذرة الروحية من إدراكات واضحة تكون فاعليتها، على حين أن الاختلاط في إدراكاتها يعني سلبيتها. وهكذا تتحدد مراتب القيم في هذا المذهب تبعا لدرجة النشاط الروحي أو العقلي، أو وضوح المعرفة الذاتية،
5
ولكي يدلل «ماير» على ارتباط فكرة القوة هذه بصفات ليبنتس الذاتية ومسلكه الخاص في الحياة، يربط على نحو طريف بين النص الذي يؤكد فيه ليبنتس فكرة القوة في كتاب «المونادولوجيا» وبين نص آخر في رسالة سياسية، هي رسالة «الأمن العام» التي كتبها في وقت مبكر من حياته. وفيها يقول: «إن الذهن البشري لا يمكنه أن يسكن؛ فالسكون؛ أي انعدام الحركة نحو المزيد من الإدراك - إنما هو عذاب للذهن، ومن يعرف كل شيء يفقد لذة الكشف. كما أن من يملك كل شيء يفقد لذة الكسب، ومن هنا فقد أحس الإسكندر الأكبر بالقلق من أن يغزو أبوه العالم كله، فلا يترك له شيئا يغزوه»،
6
অজানা পৃষ্ঠা