العلم . ذلك بأن العلماء قد أوجبوا معرفة تاريخ كل علم قبل دراسته فقالوا : إن تاريخ كل مادة يقع منها موقع البصر من الجسم (1) . أسباب تصنيف هذا الكتاب : لما أنشأت أدرس دينى درس العقل والفكر ، بعد أن تلقيته تلقينا من نواحى العاطفة والتقليد ، رأيت أن أرجع إلى مصادره الاولى وأسانيده الصحيحة ، ولما وصلت من دراستي إلى كتب الحديث المعتمدة لدى الجمهور ، ألفيت فيها من الاحاديث ما يبعد أن يكون - في ألفاظه أو معانيه أو أسلوبه - من محكم قوله ، وبارع منطقه صلوات الله عليه ، ومما راعني أنى أجد في معاني كثير من الاحاديث ما لا يقبله عقل صريح ، ولا يثبته علم صحيح ، ولا يؤيده حس ظاهر ، أو كتاب متواتر (2) . ووجدت مثل ذلك في كثير من الاحاديث التى شحنت بها كتب التفسير والتأريخ وغيرها ! ومما كان يثير عجبى أنى إذا قرأت كلمة لاحد أجلاف العرب أهتز لبلاغتها ، وتعروني أريحية من جزالتها ، وإذا قرأت أكثر ما ينسب إلى النبي من قول لا أجد له هذه الاريحية ، ولا ذلك الاهتزاز ، وكنت أعجب كيف يصدر عنه صلوات الله عليه - مثل هذا الكلام المغسول من البلاغة والعارى عن الفصاحة - وهو أبلغ من نطق بالضاد ، أو يأتي منه مثل تلك المعاني السقيمة وهو أحكم من دعا إلى رشاد ! ! وما كان هذا العجب إلا لانى كنت أسمع من شيوخ الدين - عفا الله عنهم - أن الاحاديث التى تحملها كتب السنة قد جاءت كلها على حقيقتها ، بألفاظها ومعانيها ، وأن على المسلمين أن يسلموا بكل ما حملت ولو كان فيها ما فيها ! ! ولما قرأت حديث " من كذب على - متعمدا - فليتبوأ مقعده من النار " غمرني الدهش لهذا القيد الذى لا يمكن أن يصدر من رسول جاء بالصدق وأمر به ، ونهى عن الكذب وحذر منه ، إذ ليس بخاف أن الكذب هو الاخبار بالشئ
---
(1) كتاب مناهج وتجديد للاستاذ أمين الخولى ص 88 . (2) الكتاب المتواتر هو القرآن الكريم فحسب . (*)
--- [ 20 ]
পৃষ্ঠা ১৯