فوجم يوسف، وقال: إذن ابنة من هي؟ - لا أحد يدري. - ماذا تقول؟ - أقول: إنه ليس لليلى أب.
فسكت يوسف وقال: لا أفهم ماذا تعني. - أعني أن ليلى ابنة عاهرة، وقد انخدع بطرس المراني بالزواج من أمها، فكان يظن أنه يتزوج أرملة، والحقيقة أنه تزوج زانية لا تعرف أبا ابنتها. - وهل عرف بطرس هذا الأمر بعد ذلك؟ - لو عرفه لطلق المرأة حالا. - وكيف عرفت هذا السر؟ - لا تسألني كيف عرفته. - بل أود أن أتحقق صحة هذا الخبر. - لا أقدر أن أقول لك شيئا الآن، ولكنك ستعلم في المستقبل حين تعرف عشاق أمها الواحد بعد الآخر، فما أنا واش الآن بل أنا ناصح وأنت حر في قبول النصح أو رفضه، هذا واجب الصداقة وقد قضيته.
ففكر يوسف هنيهة، ثم قال: وهب أن أم ليلى كانت زانية، فما هو عيب ليلى؟ - عيبها أنها ابنة زنا لا تعرف لها أبا، وإذا تزوجتها فلا تعرف من هو حموك.
فأطرق يوسف قائلا: لا أرى ليلى ملومة إذا كانت لا تعلم لها أبا شرعيا حقيقيا. - يا لله! أما كفى هذا عارا لها ولكل من يتصل بها؟ - لا عار عليها؛ لأنها لو كانت حرة في ميلادها ما رأت أن تكون ابنة زانية، ونحن لو كنا أحرارا ما كنا نود أن نكون أبناء آدم الذي أورثنا الخطيئة كما يقولون.
فضحك يوسف وقال: ولكن الذين يزعمون أننا ورثنا الخطيئة من آدم يزعمون أيضا أن المسيح افتدى العالم، فهب أن ليلى بنت زنا، فأنا افتديتها وأطهرها من عار الزنا. - إذن تصر على الزواج منها. - إذا قدر لنا هذا الزواج، فلا أرفضه لأجل هذا السبب. - إني أستغرب مبادئك يا يوسف. - لا بدع أن تستغربها؛ لأنها تخالف مبادئ السواد الأعظم من الناس، فاعلم يا أخي أن أفكاري غير أفكار هذا السواد من الناس، وما دامت ليلى طاهرة الشخصية، فعار أمها لا يلتصق بها مهما لصقه الناس بها. - لك رأيك يا أخي والذي علي قد فعلته، ولكن هل تظن العوسج يثمر تبنا، والشوك عنبا؟ - إن لم يثمر الشوك عنبا فيزهر ورودا، ثم إن جوهر ليلى الروحاني لم يتكون في حجر أمها، بل في بيت بطرس المراني، ولم أسمع عن هذا البيت إلا الثناء على محامده وفضائله، وإذا كانت أم ليلى قد استطاعت أن تخفي زلتها حتى عن زوجها؛ فلأنها كانت ذات عفاف، وما زلتها إلا هفوة غواية، وقد هفا الملاك قبلها، والله غفر لأمثالها.
مؤامرة رجيمين
في ذلك المساء كان فهد المهند في منزل الدكتور صديق هيزلي، وهما يتحدثان فقال صديق: أظنك نجحت يا فهد. - إن صاحبنا فيلسوف لا يتكلم إلا بالروحانيات.
فضحك الدكتور صديق قائلا: لقد عرفته كذلك فماذا جرى من الحديث بينكما؟ - كانت النتيجة عكس ما رغبنا. - تعني؟ - أعني أنه عوضا من أن ينفر من ليلى بررها، وجعلها طاهرة من كل عيب، بل برر أمها أيضا. - يلوح لي أنه لم يقتنع بصحة الخبر. - بل اعتقد بصحته، ولكنه لا يحسب ذلك عارا، ولو شاع وملأ الأسماع. - إذن هو مصر على التزوج منها. - أنكر ذلك أولا ولكن كلامه الأخير أثبت أنه يحبها، ولا ينفره منها عار ولا شنار.
ففكر صديق هنيهة، ثم قال: لقد قلت حيلتي، فلا أدري كيف أفصل هذا الثقيل عن تلك العنيدة. - يجب أن تعرف كيف تؤكل الكتف. - فكرت كثيرا فلم أعرف، فهل تعرف كيف تؤكل الكتف؟ - أنت أعرف مني؛ لأنك درست أخلاق الفتاة. - إن ما درسته وعرفته يدلني على أن ذلك الثقيل لاعب في دماغ الفتاة بعلمه وفلسفته؛ لأنها تحب الفلسفة والعلم. - ولكن الفتاة لا تخرج عن كونها مرأة، فهي كسائر النساء تغتر بالمال والسعة. - نعم، وقد خطر لي ذلك؛ ولهذا صارت المسألة أصعب من قبل؛ لأن يوسف صار ذا مال وتجارة، فلم تبق من حاجة في نفس ليلى يعجز ذاك عن سدها، ولا أدري كيف حصل ذلك الشقي على رأس المال، وآخر عهدي به أنه كان خادما في حانوت دخاخني؛ لضيق ذات يده. - إن أمره محير، وأظن أن معظم رأس ماله ثقة، والمال الذي بين يديه ليس له بل لتجار أكبر منه، هذا إذا لم يكن المحل كله لشخص آخر يتاجر باسمه والله أعلم، أقيسه على نفسي، فإن معظم رأس مالي لمداينين فإذا كان هو كذلك فموقفه حرج دائما.
فبقي صديق صامتا مفكرا، وأخيرا قال له فهد: إننا صديقان يا صديق، والثقة متبادلة؛ ولهذا لا أجد أحدا غيرك أشكو له أزمتي لعل لك فيها رأيا. - ثقتك في محلها يا فهد فهل أنت في أزمة؟ - إني فيها وقد أصبحت على وشك الإفلاس، وإذا لم يكن في يدي الآن شيء من المال أسد به أفواه المداينين ضايقوني، وعرضوا تجارتي لخطر الإفلاس لا محالة، فهل في إمكانك أن تدبر لي دائنا آخر يقرضني قرضا لمدة ستة أشهر إلى أن يحين الموسم، وتتوافر الأموال فأجمع الديون التي لي وأنجو من الخطر؟
অজানা পৃষ্ঠা