42

هو أبو محمد القاسم الحريري البصري، صاحب المقامات، أحد أئمة عصره، ورزق الحظوة التامة في عمل المقامات، واشتملت على شيء كثير من كلام العرب؛ من لغاتها وأمثالها ورموز أسرار كلامها، وبها يستدل على فضل هذا الرجل، وعلى كثرة اطلاعه، وغزارة مادته. وسبب وضعه لها ما حكاه ولده أبو القاسم قال: كان أبي جالسا في مسجده ببني حرام، فدخل شيخ ذو طمرين، عليه أهبة السفر، رث الحال، فصيح الكلام، حسن العبارة، فسألته الجماعة: من أين الشيخ؟ فقال: من سروج، فاستخبره عن كنيته، فقال: أبو زيد، فعمل أبي المقامة المعروفة ب «الحرامية»، وعزاها إلى أبي زيد المذكور، واشتهرت فبلغ خبرها الوزير شرف الدين وزير الإمام المسترشد بالله، فلما وقف عليها أعجبته، وأشار على والدي أن يضم إليها غيرها، فأتمها خمسين. وكانت ولادة الحريري سنة 446، وتوفي سنة 516 بالبصرة في سكة بني حرام.

وقد حاول كثير من الإفرنج ترجمة المقامات إلى لغتهم ولكن مثل هذا الكتاب لا يترجم، وللحريري غير المقامات كتب كثيرة، منها «درة الغواص» و«ملحة الإعراب» في النحو، وديوان شعر ورسائل. (49) ابن رشد (514-595ه)

هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد أشهر فلاسفة العرب، ولد في قرطبة سنة 514 هجرية، وكان أبوه متوليا فيها الفتوى، أخذ عن أشهر الفلاسفة في عصره، وتخرج في الفقه والطب والفلسفة، وقربه المهدي يوسف لثقته به وحذقه، ورقاه أسمى المراتب فخلفه بها في فتوى الأندلس، ثم تولى الفتيا في مراكش وأقام فيها مدة، وسكن إشبيلية وكان له نفس الرعاية والاعتبار في أوائل عهد المنصور خلف المهدي يوسف، إلا أنه وشي به حسدا وعدوانا ففسد أمره عند المنصور فعزله عن رتبته ونفاه عدة سنين، ثم دعي إلى مراكش فشمل بالعطايا والمكارم، وتوفي بها بعد أمد وجيز سنة 595 هجرية.

وقد ذهب ابن رشد إلى أن أرسطو هو أعظم الفلاسفة، وترجم مؤلفاته وشرحها بضبط وترو، وله شرح أرجوزة في الطب للشيخ الرئيس ابن سيناء، وله كتاب «فصل المقال فيما بين الشريعة والطبيعة من الاتصال»، ومن أشهر مؤلفاته «الكليات» في الطب، وله غير ذلك كثير، وأصل مؤلفاته في العربية نادر الوجود ولكن الأوروبيين اهتموا بترجمتها إلى لغاتهم، فمن ذلك «شرح أقوال أرسطو مع الرد على الغزالي» فإنه ترجم إلى اللاتينية وحسب أحد عشر مجلدا وطبع بالبندقية سنة 1560 ميلادية، وكذلك كلياته ترجمت وطبعت بالبندقية أيضا.

وقد اهتم الأوروبيون بفلسفة ابن رشد اهتماما كبيرا، وكتب رينان الفرنسي الشهير كتابا سماه «ابن رشد ومذهبه»، ذكر فيه سيرته ومؤلفاته، وقال إنه كان أعظم فلاسفة القرون المتوسطة التابعين لأرسطو والناهجين سبيل الحرية في الأفكار والأقوال، وقد طبع هذا الكتاب بباريس سنة 1852. (50) ابن جبير (540-614ه)

هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن جبير الكناني، ولد ببلنسية في سنة 540، وقد برع في العلم والشعر، ورحل إلى المشرق أكثر من مرة، فخرج من غرناطة في رحلته الأولى سنة 578، ووصل إلى الإسكندرية بعد ثلاثين يوما، وحج ورحل إلى الشام والعراق والجزيرة وغيرها، ثم عاد إلى الأندلس سنة 581، ثم سافر بعد ذلك إلى المشرق، وتوفي بالإسكندرية سنة 614. وهو ممن أثروا بالأدب ثم تزهد وأعرض عن الدنيا، وكان من أهل المروءات، مؤنسا للغرباء، عاشقا لقضاء حوائج الناس. (51) ابن الفارض (576-632ه)

هو أبو حفص وأبو القاسم عمر بن أبي الحسن المعروف بابن الفارض المنعوت بالشرف، له ديوان شعر لطيف، وأسلوبه فيه رائق ظريف، ينحو منحى طريقة الصوفية، ومن كلامه:

لم أخل من حسد عليك فلا تضع

سهري بتشييع الخيال المرجف

واسأل نجوم الليل هل زار الكرى

অজানা পৃষ্ঠা