وإن كان أستاذه بصيرا بالعلم متخيرا لنفسه قولا واحدا يعتمد عليه، ورعا في دينه فليلق إليه المتعلم زمام أمره بحسن الإصغاء والقبول، ومهما أشار عليه المعلم بطريق في التعليم فليقلده وليدع رأيه؛ فإن خطأ مرشده أنفع له من صواب رأي نفسه، إذ التجربة تطلع الإنسان على دقائق يستغرب سماعها مع أنه قد يعظم نفعها؛ وقد نبه الله تعالى على ذلك في قصة الخضر وموسى عليهما السلام حيث قال الخضر: { - قال إنك لن تستطيع معي صبرا - وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا - } [سورة الكهف: الآيتان 67-68 ] ثم شرط عليه السكوت، فقال: { ...فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا - } [سورة الكهف: من الآية 70 ] .
وبالجملة فكل متعلم استغنى بنفسه رأيا واختيارا دون اختيار المعلم فاحكم عليه بالخيبة والخسران .
8-أن يحذر المتعلم الإدلال على من يعلمه وإن أنسه وطالت صحبته معه، لأن الإدلال على العلماء من فعل الجهال، وفيه فساد الأحوال .
وليحذر المتعلم استهانة معلمه ولو وجد في نفسه استغناء، فإن في ذلك كفرا لنعمته واستخفافا بحقه .
ومع هذا فلا ينبغي له أن يحملنه معرفة الحق له حتى يقبل كل شبهة أتت من جهة معلمه، ولا يدعوه ترك الإعنات (¬1) له على التقليد فيما أخذ عنه؛ فإنه ربما غلا بعض الأتباع في عالمهم حتى يروا أن قوله دليل وإن لم يستدل. وليكن المتعلم معتدل الرأي فيمن يأخذ عنه حتى لا يحمله الإعنات على اعتراض المبكتين (¬2) ، ولا يبعثه الغلو على تسليم المقلدين، فإذا فعل ذلك برئ من المذمتين، وسلم العالم من المحنتين، فليس كثرة السؤال فيما التبس إعناتا، ولا ما صح في النفس تقليدا .
¬__________
(¬1) - الإعنات: دخول المشقة . ( النامي )
পৃষ্ঠা ৪