كنا في حجاب دامس ، كنا نحيا فرادى بلا مجتمع.
وخرجت من هذا الظلام إلى أوروبا فوجدت المرأة السافرة الحرة، وكان سفورها دهشة لي، لا أتعب من استطلاع حدوده والمقارنة بين المرأة الأوروبية وبين المرأة المصرية، ثم أعقب هذه الدهشة تفكير عميق في معنى الوجود البشري وفلسفة الحياة.
فقد أحالني هنريك أبسن إلى فيلسوف.
هذه المرأة الأوروبية التي كنت أزعم أنها حرة، ليست كذلك؛ إذ هي «لعبة البيت»، يتزوجها الرجل، ويزينها، ويلهو بها، كالزوج الشرقي، مع فرق في الدرجة فقط، وسفورها ليس كبير القيمة؛ لأنها حرمت الاختبارات والاقتحامات في الدنيا، وهي لذلك تحيا محمية مصونة، وهذه الحماية، وهذه الصيانة، تنتهيان بفرض الجهل عليها وإنكار حقوقها الإنسانية.
والقصة تنتهي بخروج الزوجة كي تشرع في تربية شخصيتها.
وما أكتبه إلى الآن عن المرأة في مصر قد ألهمني معظمه هنريك أبسن، وخلاصة ما أبغيه أن نرفع المرأة من الأنثوية إلى الإنسانية. •••
والكتاب الثاني الذي أخصب حياتي وديني وأدبي هو «حياة المسيح»، عرفته وأنا في المراهقة، حين يتطلع الذهن إلى التفريج عن الكظم الجنسي بالبحث عن الآداب والفنون، وقرأت هذا الكتاب باللغة العربية موجزا بقلم العظيم فرح أنطون، ثم عدت فقرأته بالفرنسية.
وكشف لي فرح أنطون بهذا الكتاب أدبا جديدا لم أكن أعرفه في اللغة العربية، بل لا أزال إلى الآن، بعد خمسين سنة، أفتقده فلا أجده، هو أدب الإحساس الذكي الذي نجده على أعلاه في دستوفسكي، كما هو أدب الإنسانية. بل إن رينان، مؤلف هذا الكتاب، قد ربط بين الأدب والدين، وغرس في نفسي الغرس الأول، وهو أن الثقافة البشرية، بعلومها وآدابها وفنونها، هي الدين، بل هي من صميم الدين. •••
ثم «الإنسان والسبرمان» هذا الكتاب العلمي الذي ألفه الأديب برنارد شو، وهو علمي في الخيال وليس في التخطيط.
ونحن نقرأ هذه الأيام قصصا علمية توافر محصولها عقب الاكتشافات الذرية، ولكن أهدافها في الأغلب لهو علمي، مثل اللهو الفني الذي نجده في شكسبير، أما برنارد شو فقد فتح لنا في هذه الدرامة العالية نوافذ نطل منها على المستقبل البشري بعد آلاف وملايين السنين، حين يتطور الإنسان إلى ما هو فوق الإنسان: إلى السبرمان.
অজানা পৃষ্ঠা