وجوابي: لا، لم يكن أديبا عظيما؛ ذلك أنه أرصد حياته، وهي أغلى ما يملك، كي يؤلف القصائد في مدح الأمراء والأثرياء، وأعظم منه في الأدب ألف مرة المعري، الذي أصر على أن يحيا حياته كما يمليها عليه ضميره، ولذلك تشع جميع قصائده إشعاعات الحرية والشرف والإنسانية.
كان المتنبي، في صنعة الأدب، يتفوق على المعري ألف مرة.
ولكن المعري كان يتفوق على المتنبي في فن الأدب مائة ألف مرة.
كان الأمير سيف الدولة موضوع المتنبي.
وكان البشر، الإنسانية، الشرف، الحرية، مكافحة الظلم، الإحساس الذكي نحو الشعب، موضوعات المعري.
ولو أن المتنبي والمعري كان يعيشان في عصرنا لكان الأول شاعر فاروق بلا حياء، ولكان الثاني داعية الإنسانية، يحارب الاستعمار ويكافح الاستبداد ويؤمن بالديمقراطية ويحطم الخرافات ويلقى الاضطهادات.
لقد كانت حياة المعري أدبا، وقد أوشك على أن يفقدها لإصراره على الحرية، وهذا هو الشأن في الأديب العصري.
فإن حياته هي مؤلفه الأول في الأدب.
وقد وصلنا في هذا القرن العشرين إلى مواقف بشرية جديدة برزت فيها الشعوب، فزاد الوجدان البشري عند الأديب، وصار يربأ بنفسه أن يكون خادما لملك أو أمير أو وزير، يسليه ويرفه عنه، أو يملقه ويثني عليه؛ ذلك لأن المشكلات البشرية الجديدة، السياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية، قد ألهمته تبعات ثقيلة جديدة، فهو يجد نفسه كالمعري، ولكن في فهم أكبر ووجدان أعمق، مع الشعب، وأدبه هو أدب الكفاح الشعبي.
ولذلك فإن حياته أيضا هي حياة الكفاح، هي أدب.
অজানা পৃষ্ঠা