إننا نحزن ونسخر في وقت معا حين نقرأ عن أب في الصعيد قد قتل ابنته لأنها تحدثت إلى أحد الشبان، أو لأنها رفضت أن تتزوج من شاب قد عينه لها أبوها وأحبت شابا آخر! ولكن هذا الأب الذي كان يحيا في مديريات الوجه البحري، وفي مدننا، والذي يصر على استبقاء سلطته الرومانية القديمة، لا يختلف من ذلك الصعيدي إلا في الدرجة فقط، كلاهما يعتقد أنه سيد العائلة، وقبطانها، وسلطانها.
وما يحدث من مآس تظلم العقل إنما ينشأ من هذه الحال، أي استبقاء الأخلاق الريفية الزراعية لمجتمع جديد نشأ على الأفكار المدنية الصناعية الزراعية.
إن الأخلاق السائدة هي أخلاق السادة، كما سبق أن قال نيتشه.
والأخلاق السائدة في مصر، أو معظم مصر، هي أخلاق العمدة، هي أخلاق أنأى ما تكون عن الديمقراطية.
لقد أدخلنا في مصر الرأسمالية التجارية والصناعية والمدنية، ولكن أخلاقنا لا تزال إقطاعية، أو هي كذلك في الأغلب.
ولست أستهين بما سوف نعاني في الانتقال، فإن كثيرا مما يرتكبه شبابنا من الجرائم يعود إلى أن الأخلاق القديمة، أو بأحرى الفضائل الإقطاعية الريفية القديمة، قد تزعزعت في نفوسهم وفقدت مكانتها، أو كادت، في حين أن الأخلاق الجديدة - أخلاق المدينة والمصنع والمتجر - لم تثبت ولم تمد جذورها ولم ترسخ، ولذلك هم في فوضى أخلاقية بشعة تهوي بهم أحيانا إلى مهاوي الجريمة.
ويجب أن نعترف بأنه كان في الأخلاق الإقطاعية مقدار كبير من الفضائل، وبأن تركها دون الاعتصام بميزان أخلاقي جديد للفضائل هو فوضى مخيفة.
ولكن أملنا أن يأخذ الجديد مكان القديم بأسرع ما يستطاع.
والآن أحب أن أجلو التباسا بشأن الأدب؛ ذلك لأن هذا الالتباس يتصل بموضوعنا هذا، وهو أننا قد ورثنا في الأدب تراثا إقطاعيا لا يختلف عن تراثنا الإقطاعي في مجتمعنا.
ولماذا يختلف؟
অজানা পৃষ্ঠা