والحق أننا نحس الأسلوب العظيم في الكاتب إذا كان له هدف عظيم يستولي على أفكاره، وإذا كان له كفاح عظيم يحيله إلى جندي.
بل إني أعتقد أن الهدف والكفاح يحيلان الكاتب المتوسط إلى نابغة، والكاتب النابغة إلى عبقري.
إذن ما هو النابغة؟ وما هو العبقري؟
إننا لا شك نميز بينهما، فإن الفرق بينهما يكاد يكون بيولوجيا، ولكننا نستطيع أن نقول إن كلا منهما إنما يصل إلى مكانته العليا؛ لأنه قد درس شئون الإنسانية والحياة والمجتمع واختلط في مشكلاتها، فرأى - لوفرة ما اختلط ودرس - ما لا يراه غيره؛ ولذلك أصبحت لكلماته معنى النور ودلالة الإرشاد.
ولأن الشعب الذي يقرؤه يجد صدى عنده لجميع ما يعالجه من شئون فإنه يحبه، وعندئذ يروج اسمه في قلوب الناس الذين يجدون فيه الإحساس الإنساني والحب للخير والدعوة إلى الشرف.
لقد قلت إن الشرط الأول لكل فن هو الطرب، ولكني هنا أحب أن أصحح وأقول إن الشرط الأول لكل فنان هو الرجولة، يجب أن نجد في كتاب الأدب الذي نقرأه رجلا كما نجد أديبا.
ومن هنا قيمة الترجمة الذاتية للأديب، نطالبه فيها بأن يذكر لنا حياته عارية بل مسلوخة، حتى نعرف ما هي قيمة اعترافاته، أي أدبه.
وصحيح أن الأديب المخلص يجعل أدبه كله اعترافات، ولكنه هنا لا يتمالك أن يمزج الخيال بالعقل، وأن يتسامى، وأن يتجنب بعض ما لا يحب من الأحداث والحوادث، ولكنه حين يكتب تاريخ حياته ويخلص ولا يبالي اللوم أو النقد، ينقل إلينا صورة فذة من حياة بشرية هي نفسها من أكبر الأحداث العالمية.
يجب أن نطالب كل أديب بأن يكتب تاريخ حياته، وأن يبرر لنا مواقفه في السياسة، والاجتماع، والمشكلات الإنسانية، أو يعتذر عما ارتكب بشأنها من جرائم ويوضح لنا وجوه اعتذاره، وعليه أن يبين لنا رسالته في الفن أو الأدب.
وأعود فأقول إن لكل أدب رسالة، حتى الموسيقا لها رسالة. والأديب الذي يقول إنه ليست له رسالة، ليس له الحق في أن يكتب.
অজানা পৃষ্ঠা