والقارئ لقصصه يذكر «ولز» في وصف الأشخاص وطريقة الرواية، كما يذكر «شو» في النزاهة الذهنية؛ فإنه يجعل العلاقة بين القارئ وبطل القصة حميمة، حتى لتثبت الصورة وتمثل من آن لآخر كأنها صديق قديم قد عرفنا خصاله وأحواله منذ سنوات. وقد كان يقال عن «تولستوي» الأديب الروسي إنه يمكنه أن يصف للقارئ عقل الحصان. وهذا أحسن ما يقال في التنويه بقدرة الكاتب. ولكن كلا من «ولز» و«هكسلي» يمكنه أن يصف عقل الطفل، ويجعلنا نحبه ونذكره كأنه ليس طفل القصة بل طفلنا نحن.
والحق أن المشابهة بين «ولز» و«ألدوس هكسلي» كبيرة جدا، فكلاهما موسوعي الذهن، يدرس الأدب والعلم والتاريخ بل يدرس الإكولوجية والقالبيات والهيدروبونية.
أما في الحوار والنقد، فإن أثر «برنارد شو» واضح فيه، فإنه يؤمن بالحرية ويبالغ في الإيمان بها. ثم هو أحيانا كثيرة يندفع بالحماسة من الفن إلى الدعاية. وهذا الاندفاع ليس مقصورا على «ألدوس هكسلي» فإنه يكاد يعم جميع المجددين والثائرين من الإنجليز، فإن الطبقة الجديدة من الشبان الأدباء مثل «ت. س. إليوت» أو «مدلتن موراي» يدعو إلى الشيوعية. ولكل منهما مجلة لهذه الدعاية.
وواضح أنه في أطوار الانتقال يستحيل الأدب إلى الدعاية. الأديب يأخذ في تقرير القواعد الجديدة ونقض المبادئ القديمة. وقد يفني عمره في تحقيق هذه الغاية قبل أن يستقر الجديد وينقض القديم. ولكن هذا الاستقرار نفسه إذا لم تزعزعه نزعات جديدة قد ينتهي إلى جمود. ولذلك يجب أن نقول إن في كل أدب حي بذرة من الدعاية، وخاصة في أيامنا هذه حيث تسير التطورات الاجتماعية في هرولة عجيبة.
ويتفق «ألدوس هكسلي» مع سائر المجددين والثائرين في درس السيكولوجيا الحديثة، ولا يفوته التحليل النفسي في كثير من المواقف والأحوال، فإن المرأة التي تقبل الطفل تذكر حبيبها وقبلته وعناقه، كما ترى من هذه القطعة:
ثم تذكرت الطفل فجأة، والتفتت إليه باندفاع العاطفة وقبلت خده المستدير، وقد علته حمرة الخوخ. وكانت البشرة ناعمة باردة كأنها ورقة الزهرة. وتذكرت زوجها، فتخيلته وهو يقبلها عندما يعود من عمله إلى البيت. وهذا المساء عندما تقعد هي كي تخيط، يكون هو قد قعد قبالتها يقرأ تاريخ «جيبون» عن انحطاط الدولة الرومانية بصوت عال، إنها لتعبده وهو قاعد أمامها يقرأ في نظارته ... وذكرت قراءته، وكيف ينطق ببعض الكلمات فاستعادت ذكراها وشعرت برغبة حادة لو أنه كان إلى جانبها الآن فتطوي ذراعيها على عنقه وتقبله ...
ألدوس هكسلي.
وكل هذه الخواطر إنما وردت عقب تقبيلها للطفل. ولو كان «جيمس جويس» هنا في هذا الموقف لذكر كل هذه الخواطر ثم زاد عليها حتى يفضح العقل الكامن كله.
ول «ألدوس هكسلي» مقال عن أزياء الحب يعبر إلى حد ما عن طريقته في معالجة القصص، وعن رأيه في أحرج المواقف القصصية. وهو لا يبعد كثيرا عن «برتراند روسل» وإن كان لا يصرح بكل ما يقوله هذا العالم الاجتماعي، فهو يرى أن للحب أزياء كما للملابس، ولكن أزياء الحب أغمض. والزي الشائع الآن هو نوعان يتصارعان؛ أحدهما: ذلك الحب الأمثل الذي ورثه الفتى والفتاة عن ثقافة المسيحية والقصص الخيالية. والآخر: هو ذلك الذي اكتسباه عن السيكولوجيا الحديثة. والأول يعمل لملازمة العرف والعادة، والثاني يعمل لإلغائهما. وقد ساعدت الحرب على تفشي النوع الثاني، فجاءت نظريات «فرويد» لتبرير الواقع، وليس للدعوة إليه، فإن الشبان يتكلمون الآن عن الضرر الناشئ من قمع الشهوات، وضرورة التفريج والتنفيس واكتساب الخبرة بالتجربة.
وقد كان «دوموسيه» يقول: «إني أحب وأريد أن أذوي. إني أحب وأريد أن أتألم.»
অজানা পৃষ্ঠা