ولد «جيمس جويس» في دوبلين في 1882 وتربى عند اليسوعيين الذين تتفشى مدارسهم في أنحاء أيرلندا. وقد بولغ في تربيته الدينية، وجاءت المبالغة بالنتيجة العكسية التي تنتظر من المبالغة؛ لأنه يعد الآن من أعداء الكنيسة الكاثوليكية.
ولكن هذه العداوة تدل، بما فيها من حدة ومثابرة، على أن «جيمس جويس» لا يستطيع أن ينظر إلى الدين بعين المجانة والإهمال. وقد قيل عنه بحق إن جميع مؤلفاته لا تحتدم ولا تبلغ أقصى حماستها وغلوائها إلا في مكانين؛ أحدهما: عندما يعالج جدلا دينيا، والثاني: عندما يعالج الشهوة الجنسية. وهو في كلا الموضوعين يجد ولا يهزل، ويكتب وكأنه يريد التقرير والتحقيق ولا يبالي النتيجة بعد ذلك.
ولكن هذا العقل الكامن، الذي يلتفت إليه كثيرا في مؤلفاته، يجعله يخرج على قواعد اللغة، فيكتب الصفحات تلو الصفحات. وليس فيها علامة من علامات الوقف أو الاستفهام أو نحوهما مما يعرفه قراء الإنجليزية. ويتفكك الأسلوب لأن الخواطر التي يسردها مفككة لا تتصل. وهذا هو ما ينتظر؛ لأن أسلوبه عندئذ شخصي، مبلبل، مختلط.
وكي يقف القارئ على طريقته الجديدة، يمكنه أن يتوقف فجأة وهو سائر في الطريق مثلا، ويبحث عن الخواطر التي ترد عفوا إلى ذهنه، فإنه أمام نفسه وأمام الناس يسير وكأنه أحد الناس. ولكنه لو فحص عن خواطره في حديثه الذاتي لألفاها في غاية التبلبل والاختلاط. ولو هو عرف كيف يحللها لوقف منها على حقيقة نفسه، وصميم أمانيه، ولباب الخطة التي يختطها في حياته من حيث لا يدري.
مثال ذلك: لنفرض أني أسير في الشارع خلف جنازة لأحد الأصدقاء أو المعارف، فلو تركت ذهني ينطلق لوجدت طائفة من الخواطر ترد إلى عن الموت وهي: استلقاء على الظهر، حكم الإعدام، ورد على النعش، نتن في الفم، نوم، انتفاخ البطن، ظلام، «فولتير»، لشبونة، زلزال، باب القبر، جرس الميت، فئران، صندوق، إحراق الجثث، «سبنسر»، مادية، «برجسون» ... إلخ.
فكل هذه الخواطر ترد وتتصل في ذهني، ولكنها أمام القارئ مفككة قد تغيب عنه دلالتها؛ لأنها شخصية خاصة بشخصي أنا. ومن هنا الصعوبة في قراءة «جيمس جويس»؛ لأنه يصف لنا حياة الذهن، ويكشف عن مخابئ العقل الكامن. ويضطره هذا الموقف إلى أن يذكر لنا تلك الخواطر الجنسية التي تمر في ذهن الشاب أو الفتاة، كما يذكر لنا فيما لا يقل عن صفحتين تلك الخواطر التي تمر بذهن أحد الأشخاص الذي يدخل المرحاض عقب إمساك، فهو يتريث، ويتلبث، وكأنه يلتذ التخلص من إمساكه.
جيمس جويس.
وأحسن قصصه هي قصة «أوليس» التي يصف فيها يوما واحدا من أيام حياته في أكثر من 750 صفحة. وهذا الإسهاب يرجع إلى أنه يعنى بخواطر العقل الكامن في حالي الصحو والسكر، فيصف لنا بطل القصة وهو يحضر جنازة صديق. ثم وهو في مطعم. ثم يصفه وهو في ماخور دنس بين الخمر والبغايا. ثم في منزل صديق. ويسهب في وصف الخواطر الجنسية لإحدى النساء إسهابا يبلغ حد البشاعة. والقصة تبتدئ من الساعة الرابعة بعد الظهر وتنتهي في الساعة الثانية أو الثالثة من الصباح.
وإليك هذه القطعة التي يصف فيها دخول بطل القصة في المطعم:
كان قلبه يدق عندما دفع باب المطعم. وكان قد أدرك أنفاسه صنان من العيارة الحريفة للحم وغسالة الخضروات. ها هي الحيوانات تأكل.
অজানা পৃষ্ঠা