وروي أن الحجاج بنى دارا بواسط، وأحضر الحسن ليراها، فلما دخلها، قال: الحمد لله، إن الملوك ليرون لأنفسهم عزا، وإنا لنرى فيهم كل يوم عبرا، يعمد أحدهم إلى قصر فيشيده، وإلى فرش فينجده، وإلى ملابس ومراكب فيحسنها، ثم تحف به ذئاب طمع، وفراش نار، وأصحاب سوء، فيقول: انظروا ما صنعت. فقد رأينا أيها المغرور! فكان ماذا يا أفسق الفاسقين؟ أما أهل السموات، فقد مقتوك، وأما أهل الأرض، فقد لعنوك، بنيت دار الفناء، وخربت دار البقاء، وعززت في دار الغرور لتذل في دار الحبور، ثم خرج وهو يقول: سبحانه أخذ عهده على العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه، وبلغ الحجاج ما قال، فاشتد غضبه، وجمع أهل الشام، فقال: يشتمني عبيد أهل البصرة وأنتم حضور، فلا تنكرون! ثم أمر بإحضار الحسن، فجاء وهو يحرك شفتيه بما لم يسمع، حتى دخل على الحجاج، فقال : يا أبا سعيد! أما كان لإمارتي عليك حق حين قلت ما قلت؟ فقال: يرحمك الله أيها الأمير؛ إن من خوفك حتى تبلغ أمنك أرفق بك، وأحب فيك ممن أمنك حتى تبلغ الخوف، وما أردت الذي سبق إلى وهمك، والأمران بيدك: العفو والعقوبة، فافعل الأولى بك، وعلى الله فتوكل، وهو حسبنا ونعم الوكيل. فاستحيا الحجاج منه، واعتذر إليه، فأكرمه وحباه.
وقيل: جاء رجل من الشرط كان على هنأة إلى الحسن، فقال: عزمت على ترك النبيذ، فقال الحسن: هلا بدأت بترك ما هو أولى بك، أخر التوبة من النبيذ حتى يكون هو شر عملك، وحينئذ فتب منه.
وقيل: سمع الحسن رجلا من أصحاب الحجاج يذكر عليا -عليه السلام- بسوء، فقال: لقد استوجبها، فقال الرجل: النار يا أبا سعيد؟ فقال: نعم! وبئس المصير. قال: فهل توبة عافاك الله؟ فقال الحسن:
পৃষ্ঠা ১০৯