وكان يقول: ابن آدم! إن المؤمن لا يصبح إلا خائفا، وإن كان محسنا، ولا يصلح أن يكون إلا كذلك؛ لأنه بين مخافتين: ذنب مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وأجل قد بقي لا يدري ما الله مبتليه فيه، فرحم الله عبدا فكر واعتبر، واستبصر فأبصر، ونهى النفس عن الهوى.
ابن آدم! إن الله -جلت قدرته- أمر بالطاعة، وأعان عليها، ولم يجعل عذرا في تركها، ونهى عن المعصية، ونفى عنها، ولم يوسع لأحد في ركوبها، ولقد روي أن الله -سبحانه وتعالى- يقول يوم القيامة لآدم: يا آدم! أنت اليوم عدل بيني وبين ذريتك، فمن رجح خيره على شره مثقال ذرة، فله الجنة، حتى تعلم أني لا أعذب إلا ظالما.
وكان يقول: ما في جهنم واد، ولا سلسلة، ولا قيد، إلا واسم صاحبه مكتوب عليه ما حكم في القضاء، فكيف -أيها الناس- إن اجتمع ذلك كله على عبد؟! اتقوا الله أيها الناس، واحذروا مقته؛ فلمقت الله أكبر لو كانوا يعلمون.
وقيل: خرج الحسن يوما على أصحابه وهم مجتمعون، فقال: والله لو أن رجلا منكم أدرك من أدركت من القرون الأولى، ورأى من رأيت من السلف الصالح، لأصبح مهموما، وأمسى مغموما، وعلم أن المجد منكم كاللاعب، والمجتهد كالتارك، ولو كنت راضيا عن نفسي، لوعظتكم، ولكن الله يعلم أني غير راض عنها، ولذلك أبغضتها وأبغضتكم.
أيها الناس! إن لله عبادا هم كمن رأى أهل الجنة في الجنة متنعمين، وأهل النار في النار معذبين، فهم يعملون لما رأوا من النعيم، وينتهون عما خالفوا من العذاب الأليم.
পৃষ্ঠা ১২৩