Adab al-Qadi

أدب القاضي

তদারক

جهاد بن السيد المرشدي

প্রকাশক

دار البشير

সংস্করণের সংখ্যা

الثانية

প্রকাশনার বছর

১৪৪৪ AH

প্রকাশনার স্থান

الشارقة

أدب القاضي

لأبي بكر أحمد بن عمر الخصّاف

٢٦١ هـ)

تحقيق

أبي مالك حمّاد بن السيد المرشدي

تقديم ومراجعة

أ.د/ الشريف حاتم بن عارف العوني

قوبل على نسختين

دار البشير

الإمارات

1

رفع

عبد الرحمن النجدي

أسكنه الله الفردوس

www.moswarat.com

অজানা পৃষ্ঠা

أدب القاضي

অজানা পৃষ্ঠা

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الثانية

١٤٤٤هـ / ٢٠٢٣م

رقم الإيداع

2022/20696

I.S.B.N

978-977-6921-30-6

دار البشير

الإمارات

الإمارات: الشارقة - ميسلون - شارع الشيخ زايد.

ت: ٠٦٥٦٣٢٩٨٠ - ٠٠٩٧١٥٠٩٥١١٨٤٤

البريد الإلكتروني: daralbasheer_shj@yahoo.com

الإدارة والمركز الرئيسي: مصر مدينة نصر - امتداد رمسيس عمارة ٢١٧

الإدارة والمبيعات: درب الأتراك - الأزهر

٠١٠٠٤٠٧٢٠١٢ - ٠١٢٠٣٥٩٠١٠١

অজানা পৃষ্ঠা

أدب القاضي

لأبي بكر أحمد بن عمر الخصّاف

٢٦١ هـ)

تحقيق

أبي مالك حمّاد بن السيد المرشدي

تقديم ومراجعة

أ.د/ الشريف حاتم بن عارف العوني

قوبل على نسختين

دار البشير

الإمارات

1

بسم الله الرحمن الرحيم

2

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم فضيلة الأستاذ الدكتور

الشريف حاتم بن عارف العوني

الحمد لله ذي الجلال، والصلاة والسلام على رسوله وأزواجه والآل.

أما بعد:

فقد أطلعني الباحث الفاضل جهاد بن السيد المرشدي على خدمته لكتاب (أدب القاضي) لأبي بكر الخصاف (ت٢٦١ هـ): دراسة وتحقيق.

وما أشد سعادتي برؤية هذا التحقيق، حيث إن كتاب الخصاف من أكثر الكتب في بابه غزارة فائدة، فهو يعود إلى طبقة عالية جدا من طبقات فقهاء الحنفية، ممن جمعوا بين العناية بالفقه والأثر، فكان كتابه هذا مكنزا فقهيا حديثيا لا يستغني عنه محدِّثٌ ولا فقيهٌ.

وكلما طالعت هذا الكتاب تيقنت من جلالته، ومن ثراء إضافته على مكتبتي الفقه والحديث. ولئن كان ثراؤه الفقهي متوقعًا: كَوْنَ مؤلّفِه فقيها حنفيًّا، وكونه يتضمن نقاشا فقهيًّا عريق الأصول ؛ إلا أن ثراءه الأثري قد لا يتوقعه بعض المطالعين، والحقيقة أنه بالغ الثراء في الحديث والأثر، فالكتاب مسند (مليءٌ بالروايات المسندة)، وإسناده عال، يلتقي في علوه بأصحاب الأمهات الست، وينفرد بحفظ أسانيد ومتابعات، ويُعزِّزُ الموجود النادر في غيره.

رفع

عبد الرحمن النجدي

أسكنه الله الفردوس

www.moswarat.com

3

ومن دلائل أهمية هذا الكتاب عند الفقهاء: كثرة شروحه، كما بيّن المحقق ذلك. وكان منها شرح الصدر الشهيد ابن مازة (ت٥٣٦هـ)، الذي طُبع قبل أكثر من أربعين سنة (سنة ١٣٩٧ هـ) في العراق.

وقد زاد من سعادتي اطلاعي على خدمة محققه الفاضل جهاد بن السيد المرشدي حيث استطاع تحقيق الكتاب على نسختين خطيتين، ووجدته استفاد في موطن من شرحه لابن مازة، فخرج الكتاب في صورة يمكن الاعتماد عليها والاطمئنان إليها.

فجزى الله خيرا محقّقَ الكتاب على هذه التحفة التراثية النفيسة، والتي أشرقت بتحقيقه وخدمته، وأسأل الله تعالى أن يُشركه في أجر مؤلفه أبي بكر الخصاف (رحمه الله تعالى).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى ذريته إلى يوم الدين.

وكتب

أ.د. الشريف حاتم بن عارف العوني

١٤٣٩/٨/٢٩ هـ

4

مقدمة المحقق

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

من جهاد بن السيد المرشدي إلى من يصل إليه هذا الكتاب من المسلمين المنتسبين إلى السنة والجماعة: وفّقنا الله وإياكم لسلوك سبيله، وأعاننا الله وإياكم على طاعته وطاعة رسوله ﷺ، وجعلنا الله وإياكم معتصمين بحبله المتين؛ مهتدين لصراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وجنبهم طريق أهل الضلال والاعوجاج؛ الخارجين عما بعث الله به رسوله ﷺ من الشرعة والمنهاج؛ حتى يكونوا ممن أعظم الله عليهم المنة بمتابعة الكتاب والسنة.

وبعد: فإنَّا نحمدُ إليكم الله الذي لا إله إلَّا هو وهو للحمد أهلٌ؛ وهو على كلّ شيء قديرٌ، ونسألُه أن يُصلِّي على خاتم النبيين وسيد ولد آدم ﷺ وأكرم الخَلقِ على ربّهِ وأقربِهِم إليه زُلفَى؛ وأعظمِهم عنده درجةً؛ محمدٍ عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فإنَّ اللهَ بعثَ محمدًا ﷺ بالهدى ودينِ الحقِّ ليظهرَهُ على الدِّينِ كلّه وكفى باللهِ شهيدًا، وأنزلَ عليهِ الكتابَ بالحقِّ مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه، وأكملَ له ولأمته الدِّينَ، وأتمَّ عليهم النعمةَ، وجعلهم خيرَ أمَّةٍ أخرجتْ لِلنَّاسِ، فَهُم يُوفُونَ سبعينَ أُمَّةً، هُم خيرُها وأكرمُها على اللهِ، وجعلَهم أُمَّةً وسطًا -أي: عدلًا خِيارًا- ولذلكَ جعلَهم شهداءَ على الناس، هداهُم لِمَا بعثَ به رُسُلَه جميعَهم من الدين الذي شرَعه لجميع خَلقِه، ثمَّ خصَّهُم بعد ذلك

5

بما ميَّزَهم به وفضَّلَهم من الشرعة والمنهاج الذي جعله لهم(١).

واعلم - يرحمك الله- أنَّ العدلَ: هو الحكم بالحق، وهو القسط على سواء، وبذل الحقوق الواجبة، والتسوية بين المستحقين في حقوقهم.

قال الماورديّ رحمه الله: إنّ ممّا تصلحُ به حال الدّنيا قاعدة العدل الشّامل، الّذي يدعو إلى الأُلفة، ويبعثُ على الطّاعة، وتعمرُ به البلاد، وتنمو به الأموال، ويكبرُ معه النّسل، ويأمَن به السّلطان.

وليس شيءٌ أسرعَ في خرابِ الأرضِ، وَلَا أفسدَ لضمائر الخلق من الجَور؛ لأنّه ليس يقف على حدٍّ، وَلَا ينتهي إلى غاية، ولكلّ جزء منه قسط من الفساد حتّى يَستكمل.

ونُقل عن بعض البلغاء قولُه: إنّ العدل ميزان الله الّذي وضعه للخلق، ونصبه للحقّ، فلا تخالفه في ميزانه، وَلَا تعارضه في سلطانه، واستعن على العدل بخلّتين: قلّةِ الطّمع، وكثرةِ الورع. فإذا كان العدل من إحدى قواعد الدّنيا الّتي لا انتظام لها إلّا به، وَلَا صلاح فيها إلّا معه، وجب أن يبدأ بعدل الإنسان في نفسه، ثمّ بعدله في غيره.

فأمّا عدله في نفسه، فيكون بحملها على المصالح وكفّها عن القبائح، ثمّ بالوقوف في أحوالها على أعدل الأمرين من تجاوز أو تقصير، فإنّ التّجاوز فيها جَور، والتّقصير فيها ظلم، ومن ظلم نفسه فهو لغيره أظلم، ومن جار عليها فهو على غيره أجور(٢).

(١) (مجموع الفتاوي) لابن تيمية [٣٦٣/٣].

(٢) (أدب الدنيا والدين) للماوردي [صـ ١٣٩].

6

والفرقُ بين العَدالةِ والمساواةِ:

أنَّ المساواةَ هي الغاية الّتي تسعى العدالةُ إلى تحقيقها، وهي الغايةُ المرجوّة منها، والعادل - في مجال الحكم - هو الحاكم بالسَّويّة(١).

ومن هنا فقد جاء في تعريف العدل أنّه القسط اللازم للاستواء. أيْ: لتحقيق المساواة بين الطّرفين دونَ زيادة أو نقصان(٢).

وللمساواةِ في الإسلام صُورٌ عديدةٌ فصّلهَا دينُنا الحكِيمُ، منها(٣):

  • المساواة بين الرجل والمرأة في أداء الواجبات الشّرعيّة والإثابة عليها.

  • المساواة بين الزّوجات في حقوق الزوجيّة (في حالة التّعدّد).

  • المساواة بين الأجناس في التّمتّع بالحقوق المشروعة لكلّ منهم.

  • المساواة بين الأبناء في الهبة والوصيّة ونحوهما.

  • المساواة بين الخصوم في مجالس القضاء وفي سماع الحجّة منهم والقصاص من المعتدي أيّا كانت منزلته.

  • المساواة في حقّ الكرامة الإنسانيّة، فلا يؤذى أحد بسبب لونه أو جنسه أو مذهبه أو عقيدته.

  • المساواة في حقّ إبداء الرّأي من المسلم وغير المسلم.

  • المساواة في حرمة الدّماء والأموال والأعراض.

(١) (تهذيب الأخلاق) لابن مسكوية [صـ ٩٣].

(٢) (تهذيب الأخلاق) لابن مسكوية [صـ ٩٨].

(٣) (نضرة النعيم) [٢٧٩٠/٧].

7

  • المساواة في إيقاع الجزاء بكلّ من ينتهك حدًا من حدود الله، فلا يعفى أحد من العقوبة لشرفه أو قرابته من الحاكم فتلك الّتي أهلكت الأمم السّابقة، أمّا في الإسلام فلا أدلّ على المساواة الكاملة في هذه النّاحية من قوله ﷺ: «لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا»(١).

  • المساواةُ في نيل الجزاءِ في الدّنيا والثّوابِ في الآخرةِ لكلِّ مَن يعمل عملاً صالحًا.

  • المساواة بين المسلمين في الحضور لأماكن العبادة كالمسجد الحرام وغيره.

وضد ما سبق ذكره: الظلم، والبغي، والجَور، والطغيان، نسأل الله السلامة والعافية في الدين والدنيا، آمين.

وقد وردتْ أدلةٌ من الكتاب العزيز، والسنَّةِ الصحيحة تحثّ على العدل والمساواة بين الناس.

فمن الكتاب العزيز:

قوله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [النحل: ٧٦]

وقولُه تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٩٠]

(١) (البخاري) في صحيحه [٦٧٨٨]، و(مسلم) في صحيحه [١٦٨٨]

8

وقولُه تعالى : ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ ءَامَنتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [الشورى: ١٥]

ومنها ما يحث على العدل في الشهادة:

قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء: ١٣٥]

وقوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: ٨]

وعلى المساواة بين المسلمين وغيرهم:

وقولُه تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: ١٣]

وعلى العدل بين الرجل والمرأة ثوابًا وعقابًا:

قوله تعالى : ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [النساء: ١٢٤]

وقولُه تعالى : ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٩٧]

وقولُه تعالى : ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: ٢]

9

ومن السنة الصحيحة.

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا))(١).

وعَنْ عَامِرٍ قال: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنه وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ((أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟))، قَالَ: لاَ، قَالَ: ((فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ))، قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ(٢).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلَّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ ... )) الحديث(٣).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ النَّاسِ صَدَقَةٌ))(٤).

وغير ذلك من الأدلة الكثيرة.

ويقول ابنُ القيم رحمه الله: ومن له ذَوقٌ في الشّريعة واطِّلاعٌ على كمالها وتضمّنها لغايةٍ مصالح العِبادِ في المعاش والمعاد، ومجيئها بغية العدل الّذي

(١) رواه مسلم في (صحيحه) [١٨٢٧].

(٢) رواه البخاري في (صحيحه) [٢٥٨٧]، ومسلم في (صحيحه) [١٦٢٣].

(٣) رواه البخاري في (صحيحه) [٦٦٠]، ومسلم في (صحيحه) [١٠٣١].

(٤) رواه البخاري في (صحيحه) [٢٧٠٧]، ومسلم في (صحيحه) [١٠٠٩].

10

يسع الخلائق يجد أنّه لَا عدْلَ فوقَ عدلها، وَلَا مصلحةَ فوق ما تضمّنته من المصالح، تَبَيَّن له أنّ السّياسةَ العادلةَ جزءٌ من أجزائها، وفرعٌ من فروعها، وأنَّ مَن أحاطَ علمًا بمقاصدِها ووضعَهَا موضعَهَا وحَسُنَ فهمُّه فيها، لم يحتجْ معها إلى سياسةٍ غيرها ألبّتة.

فإنّ السّياسةَ نوعان:

سياسة ظالمة: فالشّريعة تحرّمها.

وسياسة عادلة: تُخْرج الحقّ من الظّالم الفاجر فهي مِن الشّريعة، عَلِمَها مَن عَلِمِهَا، وجهِلهَا من جهِلهَا(١).

ولهذا نصيحتي لكل من وَلِىَ من أمْر المسلمينَ شيءٌ، أن يتقوا اللهَ فيمن وُلُّوا، وأنْ يحكموا بينهم بالعدل، وأن يُحَكِّموا كتابَ ربِهِم سبحانه وتعالى، وسنةَ نبيهمٍ صلى الله عليه وسلم في كُلَّ أمورهِم وشؤونِهِم، وفيما استرعاهم اللهُ من رعيةٍ فهي أمَانَةٌ، وإنَّها يوم القيامة خزي وندامة، إلَّا من أخذها بحقِّها، وَلَوْ أنَّ كل حاكم وقاض، اتخذوا بطانةً صالحةً ناصحةً من أهل العلم بالدِّين، تدله على الخير وتحثّه عليه، وكانوا لا يخشَون في الله لومة لائم، لانْصَلحَ حالُ المسلمينَ، راع ورعيةٍ، وَلَو أنَّ كلّ حاكم وقاضٍ قرأ كتابَ الله تعالى وسنةَ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم، لتحقّقَ صلاحُ المجتمع في الدين والدنيا، ولو أنهم أدمنوا النظرَ في كُتب أهل العلم، لعلموا أن الخير كلَّ الخير في العدل والمساواة بين العباد.

فأحمدُ ربِّي سبحانَه أنْ وفَّقْنِي لِنشر هذا السِّفر العظيم الذي جمعَ هذه المادةَ المباركة من كتاب الله تعالى، ومن سنة رسولهِ صلى الله عليه وسلم، ومن أقوال الصحب

(١) (الطرق الحكمية في السياسة الشرعية) لابن القيم [١/ ٧].

11

الكرام، وتابعيهم بإحسان، وأقوال أهل العلم والمعرفة، فالله تعالى أسأل أن يكتبَ له القبولَ بين المسلمين، وأن يكون سببًا لنشر العدل والمساواة بين الناس في شتَّى بقاع الأرض، كما أسأله سبحانه أن أكونَ قد وُفِّقت في تحقيق هذا الکتاب، وقمت بخدمته خیر قیام.

هذا ...، ومن وجد مني خطأ أو سهوًا -وهو واقعٌ لا محالة- فلينصح نُصْحَ الصادق الأمين برفق ولين، فنحن نقبل النصح، ومن وجد مني سدادًا وتوفيقًا، فمِنَ الله تعالى وحده، وَلَا ينساني بدعوةٍ صالحةٍ.

12

ترجمة المصنّف رَحِمَهُ الله

اسمه ونسبه :

هو أحمد بن عمر - وقيل: عمرو - بن مُهَير - وقيل: مِهْرَان- الشَّيبَانِي، أبو بكر الخَصَّاف(١).

شيوخه :

أخذ الفقه عن أبيه عمر بن مُهَير، عن الحسن، عن أبي حَنِيفة رحمهم الله.

وروی الحديث عن:

  1. أبیه عمر بن مُھَیر.

  2. أبي عاصم النَّبِيل الضَّحَّاك بن مَخْلَد بن الضَّحَّاك بن مُسلم بن الضَّحَّاك الشَّيبانِي البَصْرِي (ت ٢١٢ هـ).

  3. هشام بن عبد الملك بن عِمْران اليَزَنِي، أبو تَقِي الحِمْصِي (ت ٢٥١هـ).

  4. إبراهيم بن بَشَّار الرَّمَادِي، أبو إسحاق البَصْرِي (ت ٢٣٠هـ).

  5. مُسَدَّد بن مُسَرْهَد بن مُسَرْبَل بن مُسْتَورِد الأَسَدِي، أبو الحسن البَصْرِي (ت ٢٢٨ هـ).

(١) الخَصَّاف: بفتح الخاء المنقوطة، والصاد المهملة، وفي آخرها الفاء. (الأنساب) للسمعاني [١٤٩/٥].

انظر ترجمة المصنِّف في (تاريخ الإسلام) [٣٢٥/٦]، و(سير أعلام النبلاء) للذهبي [١٢٣/١٣]، و(الوافي بالوفيات) للصفدي [١٧٤/٧]، و(الطبقات السنية) للغزي [٤١٨/١]، و(الجواهر المضية) لعبد القادر القرشي [٨٧/١]، و(تاج التراجم) لابن قطلوبغا [٩٧/١]، و(هدية العارفين) للباباني [٤٩/١]، و(الأعلام) للزركلي [١٨٥/١].

12

٦- عبد الله بن مَسْلَمَة بن قَعْنَب القَعْنَبي الحَارِثي، أبو عبد الرحمن المَدَني البَصْري (ت ٢٢١ هـ).

٧- يحيى بن عبد الحَمِيد بن عبد الرحمن بن مَيمُون الحِمَّاني، أبو زكريا الكُوفي (ت ٢٢٨هـ).

٨- محمد بن عمر بن وَاقِد الوَاقِدِي الأَسْلَمِي، أبو عبد الله المَدَني القاضي، مولى عبد الله بن بُرَيدَة الأَسْلَمِي (ت ٢٠٧هـ).

٩- عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خَوَاسْتِي العَبْسِي مولاهم، أبو بكر بن أبي شيبة الكُوفي (ت ٢٣٥هـ).

١٠- محمد بن خَازِمِ التَّمِيمي السَّعْدِي، أبو معاوية الضَّرِير الكُوفي (ت ١٩٥ هـ).

١١ - علي بن عبد الله بن جَعْفَر بن نَجِيح السَّعْدِي، أبو الحسن ابن المَدِيني البَصْرِي (ت ٢٣٤هـ).

١٢ - مُعاذ بن أَسَد بن أبي شَجَرَة الغَنَوِي، أبو عبد الله المَرْوَزِي، كاتب ابن المُبارَك، نزل البَصْرَة (ت ٢٠٠هـ).

١٣ - الحسين بن القاسم النَّخَعِي الكُوفي.

١٤ - عمرو بن عاصم بن عبيد الله بن الوَازِعِ الكِلابِي القَيسِي، أبو عثمان البَصْري (ت ٢١٣هـ).

١٥- عبد الملك بن عمرو القَيسِي، أبو عامر العَقَدِي البَصْرِي (ت ٢٠٤ هـ).

١٦ - محمد بن الفَضْلِ السَّدُوسِي، أبو النَّعْمَان البَصْرِي، المعروف بعَارِم (ت ٢٢٣).

14

١٧ - وَهْب بن جَرِير بن حَازِم بن زيد بن عبد الله بن شُجَاعِ الأَزْدِي، أبو العَبَّاسِ البَصْرِي (ت ٢٠٦هـ).

١٨ - الحسن بن عَنْبَسَة الوَرَّاق، بَصْرِي (ت ٢٠١هـ).

١٩ - الفَضْل بن دُكَين، عمرو بن حمَّاد بن زُهَير القُرَشِي التَّيمِي الطَّلحِي مولاهم، الأَحوَل أبو نُعيم المُلائِي الكُوفي (ت ٢١٨هـ).

٢٠- مُعَلَّى بن أَسَد العَمِّى، أبو الهَيئَم البَصْرِي، أخو بَهْز بن أَسَد (ت ٢١٨هـ).

٢١ - أبي عُمر حَفْص بن عمر الضَّرِير الأَكْبَرِ البَصْرِي (ت ٢٢٠هـ).

٢٢ - عمرو بن عَون بن أَوْس بن الجَعْد السُّلَمِي، أبو عثمان الوَاسِطِي البَزَّاز البَصْرِي (ت ٢٢٥هـ).

٢٣ - مُسْلِم بن إبراهيم الأَزْدِي الفَرَاهِيدي مولاهم، أبو عمرو البَصْرِي (ت ٢٢٢هـ).

٢٤ - أبي داود الطَّالِسِي سليمان بن داود بن الجَارُود، البَصْري الحافظ، وهو مولى قُرَيش، فارسي الأصل (ت ٢٠٤هـ). وغيرهم.

ثناء العلماء عليه :

قال ابن النَّجَّار رَحِمَهُ الله: وذكر بعض الأئمة: أن الخَصَّاف كان زاهدًا وَرِعًا یأکل من كَسْب يده.

وقال: سمعت أبا سَهْل محمد بن عمر يحكي عن بعض مشايخ بَلْخ قال: دخلتُ بغدادَ، وإذا على الجسر رجل ينادي ثلاثة أيام، يقول: ألا إن القاضي أحمد بن عمر الخَصَّاف اسْتُفْتِي في مسألة كذا، فأجاب بكذا وكذا وهو خطأ،

15

والجواب كذا وكذا، رحم الله من بلَّغها صاحبها(١).

قال التَّمِيمي -معلقًا على ذلك -: قلت هكذا ينبغي أن يكون العلماء، وهكذا يجب أن يكون التحفّظ في دين الله، والنصيحة لعباد الله، لا كعباد زماننا الذين ليس لهم غَرَض إلَّا التفاخر بالعلم والتكبر به، وإظهار القوة والغلبة، فلا يبالي أحدهم إذا كان مستظهرًا في البحث على خصمه، أن يكون على الحق أو على الباطل، نعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، وَلَا حول ولا قوة إلَّا بالله العلي العظيم(٢).

منزلته في العلم والاجتهاد :

قال الحِنَّائِي نَعَمّتْهُ: كان فاضلًا فارضًا حاسبًا، عارفًا بالفقه، مجتهداً في طبقة المجتهدين في المسائل.

وقال تَعَمَّهُ: قال شَمس الأئمة الحُلْوَانِي حْمَّلهُ: الخَصَّاف رجل كبير في العلم، وهو ممن يصحُّ الاقتداء به(٣).

مؤلفاته :

١- كتاب أحكام الأوقاف:

رتَّبَه على أبوابٍ، فذكر ما روي في صدقات النبي ◌َّةٍ، وما روي في صدقات الخلفاء الراشدين، وكثير من الصحابة والتابعين، ثم ذكر الوقف على الرجل والشرط عليه، وفي الوقوف المتقادمة، وغير ذلك من المسائل.

(١) (الوافي بالوفيات) للصفدي [٧ / ١٧٤].

(٢) (الطبقات السنية) للغزي [٤١٩/١].

(٣) (طبقات الحنفية) للحنائي [٩٢/١-٩٣].

16