عائشة: "يتأوَّل القرآن". وقد بيّن ابن دقيق العيد (١) أن هذا فيما كان من فعله بعد الفتح، إذ به يتمّ الأمر، أما ما قبل الفتح فما فعله من ذلك يكون فعلًا ابتدائيًا.
الطريقة الثانية: أن توجد مناسبة ومطابقة بين الفعل ونصّ معين. قال أبو الحسين البصري: "أما ما يعلم به أنّ فعله أو تركه امتثال لدلالة نعرفها فهو أن يكون مطابقًا لبعض الأدلة التي نعرفها" (٢).
ثم قد تكون المناسبة بيّنة مقبولة، وقد تكون خفية فيكون في قبولها نظر، وذلك على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: أن يكون ذلك بيّنًا وواضحًا تمام الوضوح، بحيث لا يخفى ولا يحتاج إلى تطلب الدليل عليه. ومثاله سجوده ﷺ وركوعه في الصلاة، هو امتثال لآيات الأمر بالركوع والسجود. ومثل طوافه ﷺ بالبيت في حجة الوداع يوم النحر، هو امتثال لآية ﴿وليطوّفوا بالبيت العتيق﴾.
ثم قد تكون المناسبة خفية يقل التفات العالم إليها، فإذا نبِّه إلى ذلك أقرَّ به، ولم يشكَّ فيه، فيكون من هذه الدرجة، ومثاله ما ورد (٣) أن النبي ﷺ لما ذبح في حجة الوداع مئة ناقة، أخذ من كل ناقة بضعة، فجعدت في قدر وطبخت فشرب من مرقها، فهو تنفيذ لآية ﴿فكلوا منها﴾.
الدرجة الثانية: أن يكون الفعل متردِّدًا بين أن يكون امتثالًا لآية معيّنة أو يكون فعلًا مبتدأ.
والتردد فيه ناشئ من صلاحيته ليكون امتثالًا لتلك الآية نظرًا لوجود التناسب، مع إمكان أن لا يكون امتثالًا لها، بل يكون فعلًا ابتدائيًا مجردًا.
وقد نقل السرخسي عن الحنفيّة أن فعل النبي ﷺ أو قوله إذا ورد موافقًا لما
(١) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام ١/ ٢٩٩
(٢) المعتمد ١/ ٣٨٦
(٣) رواه مسلم وأبو داود والنسائي من حديث جابر الطويل في صفة حجة الوداع (جامع الأصول ٤/ ٢٤٠)