﴿أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾:
هذا توبيخ وتجهيل لليهود الذين عاتبوا إخوانهم على تحديث المؤمنين بما فتح الله عليهم؛ فإن اعتقادهم بأن الله يعلم سرهم وعلانيتهم شأنه أن يمنعهم من أن ينهوا إخوانهم في السر عن تحديث المؤمنين بما في التوراة؛ فإنهم إنما يحدثونهم بحقائق أوجب الله عليهم أن يذيعوها بين الناس.
﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ﴾:
الضمير في قوله: (منهم) يعود على اليهود المذكورين فيما سبق. والأميون: جمع أميّ، وهو الذي لا يحسن الكتابة، وسمّي أميًّا نسبة إلى الأم؛ أي: إنه باق على ما ولدته أمه من عدم معرفة الكتابة، أو نسبة إلى الأمَّة بمعنى: الخلقة؛ أي: إنه باق على خلقته، ولم يزد عليها تعلم الكتابة. والكتاب: التوراة. والأماني: جمع أمنية، وهي ما يقرأ. والمعنى: أن هذا الفريق من اليهود لا يعلمون من الكتاب إلا ما يقرؤونه قراءة عارية عن التدبر في معانيه. ويصح أن يكون المراد من الأمنية: ما يقدره الإنسان في نفسه، ويرغب في حصوله. وقد كان هؤلاء اليهود لا يعلمون الكتاب، وإنما كانت لهم أماني هي أن الله لا يؤاخذهم بخطاياهم، وأن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم، من غير أن يأخذوا أنفسهم بواجبات دينهم.
﴿وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾:
الظن: ركون النفس إلى وجه من وجهين يحتملهما الأمر، دون أن تبلغ ذلك مرتبة القطع. وهو لا يكفي في معرفة أصول الدين مما يرجع إلى الإيمان، وإنما الواجب فيها أن تكون قائمة على الأدلة القاطعة، ومثلها