كتاب، فهو واجب على الناس؛ لما ركب الله فيهم من العقل، ونصب لهم من الأدلة، ومكن لهم من وجوه الاستدلال.
دل على أن الهدى صادر منه بقوله: ﴿مِنِّي هُدًى﴾، ثم أضافه إلى نفسه بقوله: ﴿هُدًى﴾، فنبه لتعظيم أمر الهدى، وأنه أحق بأن يتبع ويتخذ سبيلًا لطمأنينة النفس في الدنيا، والفوز بالسعادة في الأخرى.
والخوف: الفزع، وهو تألم النفس من مكروه يتوقع حصوله. والحزن: الغم الحاصل لوقوع مكروه، أو فقد محبوب. ومعنى (لا خوف عليهم): أن نفوسهم آمنة مطمئنة بحيث لا يعتريها فزع. كما أن قوله: ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ ينفي عنهم الاغتمام لفوات مطلوب، أو فقد محبوب. و(على) في قوله ﴿عَلَيْهِمْ﴾ تنبئ بمعنى الإحاطة والشمول؛ فإنها تستعمل مجازًا فيما يغلب على الإنسان، ويحيط به؛ نحو: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾؛ فإن غرض الداعين أن تشمل السلامة المخاطبين، وتحيط بهم من جميع جوانبهم. فمعنى (لا خوف عليهم): نفي ملابسة الخوف لهم ملابسة الإحاطة والاستيلاء كما هو شأن الخوف من أهوال يوم القيامة.
وليس ببعيد أن يكون معنى ﴿لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾: أنهم بلغوا باستقامة السيرة وفضل التقوى حيث لا يخاف عليهم أحد أن يصيبهم في يوم الجزاء مكروه.
ونفي الخوف والحزن ورد في الآية على وجه الإطلاق، وظاهره: أن المهتدين لا يعتريهم الخوف ولا الحزن في دنياهم، ولا في آخرتهم، ولكن قوله فيما يقابله من جزاء الكافرين: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ يرجح أن يكون المراد: نفي الخوف والحزن عنهم في الدار الآخرة. ثم إن