فقل: من العقل وشهادته، وأوضح (1) حجته ودلالته، ووجوب شكر المنعم على نعمته، مما تتفق العقول عليه ولا تختلف فيه.
فإن قال: فما الشكر اللازم على النعمة؟
فقل: هو الاعتراف بها، مع تعظيم منعمها.
فإن قال: فهل أحد من الخلق يكافئ نعم الله تعالى بشكر، أو يوفي حقها بعمل؟
فقل: لا يستطيع ذلك أحد من العباد، من قبل أن الشئ إنما يكون كفوا لغيره، إذا سد مسده، وناب منابه، وقابله في قدره، وماثله في وزنه.
وقد علمنا أنه ليس من أفعال الخلق ما يسد مسد نعم الله عليهم، لاستحالة الوصف لله تعالى بالانتفاع، أو تعلق الحوائج به إلى المجازاة.
وفساد مقال من زعم أن الخلق يحيطون علما بغاية الإنعام من الله تعالى عليهم والإفضال، فيتمكنون من مقابلتها بالشكر على الاستيفاء للواجب والاتمام.
فنعلم بهذا تقصير العباد عن مكافاة نعم الله تعالى عليهم، ولو بذلوا في الشكر والطاعات غاية المستطاع، وحصل ثوابهم في الآخرة تفضلا من الله تعالى عليهم وإحسانا إليهم، وإنما سميناه استحقاقا في بعض الكلام، لأنه وعد به على الطاعات، وهو الموجب له على نفسه بصادق وعده، وإن لم يتناول شرط الاستحقاق على الأعمال، وهذا خلاف ما ذهبت إليه المعتزلة، إلا أبو القاسم البلخي فإنه يوافق في هذا المقال، وقد تناصرت به مع قيام الأدلة العقلية عليه الأخبار.
روى أبو عبيدة الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " قال الله تعالى: لا يتكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي، فإنهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم أعمارهم في عبادتي، كانوا مقصرين غير بالغين [في عبادتهم كنه عبادتي، فيما يطلبون] (2) من كرامتي، والنعيم في جناتي، و (3) رفيع الدرجات العلى في جواري، ولكن برحمتي فليثقوا، وفضلي فليرجوا، وإلى حسن الظن بي فيطمئنوا فإن
পৃষ্ঠা ৪২